لأول مرة في تاريخ المغرب، يصل قيادي إسلامي إلى المجلس الدستوري، الذي يعتبر الهيئة المخولة قانونا للنظر في مطابقة القوانين للدستور، والنظر في الطعون الانتخابية. يتعلق الأمر برشيد المدور من حزب العدالة والتنمية، الذي تم تعيينه أخيرا عضوا بالمجلس الدستوري ابتداء من 8 يونيو 2008، وقد وصل إلى هذا المنصب، بعدما بقي، حسب بعض المقربين منه، يرسم خريطة الوصول إليه منذ سنوات، بعد مسيرة في البرلمان سعى خلالها إلى أن يرسم لنفسه صورة الإسلامي المعتدل البعيد عن خلافات الفرقاء السياسيين من مختلف الاتجاهات. تعيين رشيد المدور، 44 سنة، عضوا بالمجلس الدستوري جاء بموجب قرار لرئيس مجلس النواب بتاريخ 23 ماي 2008، والذي له الحق في تعيين ثلاثة إلى جانب ثلاثة آخرين يعينهم رئيس مجلس المستشارين لنفس المدة بعد استشارة الفرق، ثم ستة آخرين يعينهم الملك لمدة تسع سنوات، ويتم كل ثلاث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المجلس الدستوري. بدأ رشيد المدور، المتحدر من أسرة متواضعة، حياته المهنية متتلمذا على يد فقيه البيضاء عبد الباري الزمزمي، فبعد حصوله على الإجازة في الشريعة الإسلامية، صار المدور ملازما للشيخ الزمزمي، الذي كان خطيبا بمسجد الحمراء بالدار البيضاء، بل أصبح ينوب عنه في إلقاء الخطب في نفس المسجد. أحلام الإسلامي المعتدل لم تكن لتتوقف عند إمامة الناس في المساجد، وإنما فضل أن يرسم لنفسه طريقا سياسيا، بعدما قرر الالتحاق بحزب العدالة والتنمية. وفي أحضان حزب الخطيب، جرب المدور تجربة الانتخابات التشريعية ثلاث مرات، منذ أول انتخابات خاضها الحزب ا لذي ينتمي إليه في سنة 1997. وتمكن تلميذ الزمزمي في التجارب الثلاث من الحصول على مقعد داخل قبة البرلمان. دخل المدور قبة البرلمان تحت غطاء حزب العدالة والتنمية، وعرف كأحد النواب النشيطين، لكنه آثر أن يرسم لنفسه طريقا خاصا، اعتمد أساسا على نسج علاقات خاصة على كافة الأصعدة، يحكي بعض المقربين منه. بعد دخوله التجربة البرلمانية، شرع رشيد المدور في الاهتمام بالجوانب القانونية، وسجل نفسه في كلية الحقوق، حيث حصل على دبلوم عال. بعض معارفه، يقولون إن المدور كان يسعى منذ زمن إلى منصب في المجلس الدستوري، ومن أجل ذلك بدأ يكون نفسه في المجال القانوني، مثلما كون شبكة علاقات تفتح له أبواب المجلس من دون كلل. كانت أهم هذه العلاقات علاقته بعبد الواحد الراضي، وزير العدل الحالي، والرئيس السابق لمجلس النواب. كان المدور عضوا بمكتب مجلس النواب وأمين المجلس في الولاية التشريعية السابقة. وبحكم هذا المنصب، استطاع برلماني حزب العدالة والتنمية أن يتقرب أكثر من عبد الواحد الراضي، بل إن بعض المصادر تقول إن الراضي كان يعتمد عليه في كثير من القضايا، وهو ما جر على المدور انتقاد برلمانيي حزبه الذين لم يزكوه عضوا بمكتب مجلس النواب الأخير، إذ صار الكثيرون ينظرون بعين غير راضية إلى علاقته الوثيقة بعبد الواحد الراضي، الذي توطدت علاقته به إلى درجة أنه كتب له مقدمة مؤلف أصدره حول القانون الداخلي لمجلس النواب، وهو المؤلف الذي تم طبعه من ميزانية البرلمان، وقدم المدور نسخة منه إلى المستشار الملكي محمد معتصم، بل إن بعض البرلمانيين من حزب العدالة صاروا ينعتونه ب«موظف الراضي»، على حد زعم بعض المصادر. طوال مسيرته السياسية، ظل رشيد المدور سياسيا إسلاميا معتدلا، ففي عز الأزمة بين حزب العثماني والاتحاديين، بعد أحداث 16 ماي، ظل المدور على علاقة جيدة بعبد الواحد الراضي، كما ظل حريصا على نسج علاقات خاصة، وضبط مواقفه تجاه السلطة، كل ذلك في إطار رسم صورة الإسلامي العصري والمعتدل لدى دوائر القرار. ولم يسجل قط أن دخل المدور في صراعات ومواقف خاصة مع الفرقاء السياسيين، إذ ظل بعيدا عن كل هذه الأمور، ومنشغلا بتلميع صورته وتوطيد مكانته نحو المجلس الدستوري. بعض معارف المدور، يقولون إن عبد الواحد الراضي هو من زكى المدور عضوا في المجلس الدستوري، فعلاقة الرجلين قوية منذ سنوات، ولم يكن لوزير العدل إلا أن يحقق أمل «موظفه الوفي»، الذي بلغ مبتغاه الذي ظل يرسم طريقه منذ مدة، تقول مصادرنا.