هناك بعض القرارات الغرائبية التي تبقى أحيانا مستعصية على الفهم.. الأمر يتعلق بمختلف القطاعات.. لكن وبما أن المغرب نظم الأسبوع الفارط الملتقى الدولي للسياحة، فسنبقى في هذا القطاع الذي يجمع بشكل ملفت بين الإنجازات والإخفاقات. هناك قرار قيد الدرس بجعل مدينة ورزازات عاصمة للألعاب. بالطبع، لا يتعلق الأمر بألعاب الأطفال وإنما بألعاب القمار. هناك مشروع بجعل ورزازات مدينة الكازينوهات، وذلك باتفاق مع واحد من عمالقة هذا القطاع بلاس فيغاس الذي هو «كلوبال كيمين كروب»! ويبدو أن الذين فكروا في هذا المشروع لديهم رؤية خاصة إلى السياحة، ولا يعرفون مدنهم جيدا. أولا، يعتقدون فعلا أنها هوليود إفريقيا، كما يطلق عليها البعض تجنيا، ويريدون إضافة لقب آخر إليها هو لاس فيغاس إفريقيا. وفي المرات العديدة التي زرت فيها المدينة، وآخرها قبل يومين فقط، لم ألمس من هوليود سوى أطلال استوديو، ثم استوديو إيطالي متوقف عن العمل بفعل شح الأعمال التي تختار المدينة، وذلك بالنظر إلى الظرفية السياسية العالمية. مدينة ورزازات التي كان من المفروض أن تكون لوحة تشكيلية تشكل فيها الدور التقليدية والقصبات جوهر الموضوع، يزحف عليها الإسمنت يوما بعد آخر.. ولا من يتحرك، حتى أصبحت صورة مشوهة، لا هي بالتقليدية ولا هي بالعصرية. ثانيا، أولئك الذين يتحدثون عن مدينة للألعاب، أو القمار، لا يعرفون ربما أن النقل هو قطب الرحى بالنسبة إلى أي وجهة. وأكثر ما يقتل ورزازات اليوم هو مواعيد رحلاتها اليتيمة. فرحلة الدارالبيضاءورزازات تصل هاته الأخيرة على الساعة الواحدة صباحا، ورحلة العودة إلى البيضاء تتم على الساعة الخامسة والنصف صباحا. وهي توابل وصفة تجعلك تفكر ألف مرة قبل الذهاب إلى ورزازات. أما المطار فتلك قصة أخرى، وأنا أدعو وزير السياحة والنقل إلى تناول وجبة الفطور بالمطار حيث يُقدم إلى السياح براد شاي و«كرواصة» عمرها يومان إذا وجدت أصلا ب.. خمسين درهما! الغريب كذلك في حكاية سياحة الكازينوهات التي ركبت فجأة دماغ بعض المسؤولين أن رقم معاملاتها (بما في ذلك مشروع ورزازات) لا يتعدى مائة مليون دولار.. وهو رقم هامشي لا يستحق من الحكومة أن تفكر في جلبه عبر طرق ملتوية ومشاريع في الظلام وكازينوهات.. قانونيا محرمة على المغاربة، فيما مرتادو الكازينوهات يتشكلون من 70 % من المغاربة، هي نفس حكاية عدم تقديم الخمور إلى المسلمين في الخمارات فيما البارات يملؤها 99 % من المسلمين.. المغاربة! ورزازات اليوم بحاجة إلى صناعة سينمائية حقيقية. فالمدينة تتوفر على إمكانات طبيعية هائلة، وعلى الدولة أن تبلور منتوجا سياحيا سينمائيا. فحرام أن تبقى المدينة اليوم مدينة عبور وساعة واحدة تكفي لزيارتها. حري بالدولة أن تقدم برنامجا ترويجيا للمدينة لتنعش اقتصادها وسياحتها وتحرك استوديوهاتها الجامدة.. حتى تمنح المغرب إشعاعا ثقافيا حقيقيا. بإمكان ورزازات أن تحتضن أفلاما على مدار السنة، لكن شريطة توفر الإرادة السياسية الحقيقية.. للحكومة أولا والسلطات المحلية ثانيا. وهنا لا بد أن أذكر أن المشروع السينمائي، الذي قُدم إلى الملك محمد السادس ودشنه قبل عامين تقريبا على أساس بداية الأشغال به بسرعة كما شُرح له ذلك، مازال يحمل لوحة التدشين فقط على أرض.. قاحلة!