«ما أقسى الاتحاديين على اتحادهم، وما أقساهم أكثر على وزرائهم». هذا هو الاقتناع الذي يخرج به كل من تابع انطلاقة أشغال المؤتمر الثامن لحزب الاتحاد الاشتراكي، الجمعة المنصرم بمركب بوزنيقة، في أجواء جد متوترة بعد «فشل» غير متوقع لتطبيق نمط اقتراع جديد (الاقتراع اللائحي) يجربه الحزب لأول مرة في تاريخه. ولأن الاتحاديين قاسون جدا على حزبهم وعلى وزرائهم، فقد تناوب أكثر من 60 متدخلا، أول أمس السبت، خلال الجلسة العامة الخاصة بمناقشة التقريرين الأدبي والمالي، على جلد الحزب وقادته وخصوصا من الوزراء. ورفض المؤتمرون، خلال هذه الجلسة التي انطلقت متأخرة بأكثر من ساعتين في غياب قادة الحزب ومرشحيه، أن يخوضوا في مضامين التقريرين الأدبي والمالي وفضلوا أن يخوضوا في ما هو أهم بالنسبة إليهم وهو جدوى بقاء الحزب في الحكومة ب«ثلاثة وزراء ونصف» على حد تعبير أحد المتدخلين المحسوب على جناح إدريس لشكر. وكان المتدخل يقصد ب«نصف وزير» الكاتب الأول المستقيل من قيادة الحزب محمد اليازغي الذي يتحمل مسؤولية وزارة دولة بدون حقيبة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن بعض المؤتمرين وصفوا قيادة الحزب ب«خونة الشهداء والمتواطئين مع المخزن». وهذه أول محطة حزبية في تاريخ الاتحاد تصل فيها حدة النقد إلى حد تخوين قياديين اتحاديين يجرون خلفهم سنوات طويلة من النضال ضد المخزن ورموزه. قيادي في الحزب اعتبر، خلال دردشة مع «المساء»، أن هذه الحدة في نقد أداء القيادة سلوك متوقع ل«أننا، كما يقول، لم نمتلك الجرأة لنشرح لمناضلينا، طيلة 10 سنوات من وجودنا في الحكومة، أننا تحولنا من حزب الشهداء إلى حزب الوزراء»، و»لأن الأمر كذلك، يقول مصدرنا، فطبيعي جدا أن نلاحظ هذه الهوة التي تفصل اليوم قواعد الحزب عن قادتهم، وهذا هو سبب التيه المؤقت الذي يعيشه حزبنا اليوم». وفعلا، جسد أحد المؤتمرين مرحلة التيه هذه، عندما قال، في مداخلة غاضبة على مسمع فتح الله ولعلو، إنه لم يأت إلى بوزنيقة كي يدلي بصوته لفائدة لائحة من اللوائح المتنافسة حول رئاسة الاتحاد، وإنما أتى ليبحث عن الاتحاد الذي أسسه زعماؤه الخالدون أمثال المهدي بنبركة وعمر بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد. وزاد قائلا: «إننا لا نريد الاتحاد الذي يقول نعم فقط، ولكن نريد الاتحاد الذي يستطيع أن يقول أيضا لا»، ليرد عليه صوت من القاعة بهذا الشعار: «مخلصون مخلصون... لبنبركة وبنجلون». وتوقفت العديد من المداخلات عند قضية التحالف، ففي الوقت الذي تساءل فيه البعض عن القيمة المضافة من تحالف الاتحاد مع حزب الاستقلال الذي وصفه أحد المتدخلين ب«العدو السياسي»، قبل أن يدعو إلى ضرورة القطيعة معه ومع جميع الأحزاب الإدارية، «لأن موقع الاتحاديين هو أن يكونوا مع اليسار»، كان لافتا للانتباه عندما قال أحد المؤتمرين المحسوبين على جناح إدريس لشكر إنه آسف جدا لوجود أعضاء في الحزب يدعون إلى القطيعة مع كل شيء. «إنهم، يتابع قوله، يدعون إلى القطيعة مع المرجعية الإسلامية ويدعون إلى القطيعة مع السلفية ويدعون إلى القطيعة مع الحركة الوطنية، في حين أن القطيعة المسموح بها هي القطيعة مع المخزن»، قبل أن يقاطعه الحضور بتصفيق حار. لكن، تبقى اللحظة المثيرة في هذه الجلسة هي عندما صعد محمد لحبابي، عضو المكتب السياسي، إلى منصة الخطابة ليس ليهاجم قيادة الحزب فقط، وإنما ليكشف عن مكان وجود جثمان الراحل بنبركة، حيث قال: «جثمان بنبركة، مدفون بالسفارة المغربية بفرنسا، وقد رأيت من الضروري أن أكشف عن هذه الحقيقة لأن هذا هو آخر مؤتمر لي بعد أن بلغت من العمر 78 سنة». لكن المؤتمرين لم يأخذوا ما جاء في كلمة لحبابي حول جثمان بنبركة مأخذ الجد وعلق أحدهم قائلا: «لقد صار من العرف السياسي أن تكون للحبابي معارك ضارية مع قيادة الاتحاد في جميع محطاته الحزبية». وهذا النقاش الساخن بين الاتحاديين لم يكن فقط حبيس قاعة المؤتمر، بل حتى خارج القاعة انخرط بعض المؤتمرين من مدن الشمال في مظاهرة احتجاجية جابت مختلف مرافق فضاء مركب بوزنيقة. وظل المحتجون يرددون، لأكثر من نصف ساعة، شعارات تطالب قيادة الحزب بطرد أشخاص في الحزب متورطين في تجارة المخدرات، فيما توزع تيار «الاشتراكيون الجدد» على شكل مجموعات صغيرة لشرح ملتمس حول أهمية قرار خروج الحزب من الحكومة. وازدادت حرارة النقاش أكثر عندما نزل قياديون في الحزب (المالكي واليازغي وأغماني...) إلى ساحة المركب للدفاع عن أفكارهم ولوائحهم لتعزيز مواقعهم داخل الأجهزة القيادية للحزب. وهكذا شوهد اليازغي في حلقة نقاش يدافع بقوة عن البقاء في حكومة عباس الفاسي لأن الخروج إلى المعارضة، حسبه، لن يستفيد منه إلا حزب العدالة والتنمية، أو كما جاء على لسانه: «إن الخروج من المعارضة معناه شبكوني مع البجيدي». أحد المؤتمرين قال ل«المساء» إن هذا الجفاء الذي أبداه اليازغي ضد إسلاميي العدالة والتنمية عندما اتهمهم بممارسة التقية خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، هو رد غير مباشر على دعوة غريمه إدريس لشكر إلى التحالف مع هذا الحزب. وغير بعيد عن اليازغي، شوهد أيضا جمال أغماني، أحد وزارء الحزب، في حلقة نقاش وسط شباب يسائلونه عن الجدوى من ترشيح نفسه في لائحة خاصة به بدعم من اليازغي. وكان أغماني يرد بالقول إن ترشحيه ليس موجها ضد أحد، ولكنه نقطة بداية لخروج الحزب من أزمته المركبة، وهي الأزمة التي يحمل فيها أغماني المسؤولية الكاملة لجميع أعضاء المكتب السياسي بدون استثناء. وبقدر ما كانت قيادة الحزب متخوفة من فشل هذا المؤتمر، بعد أن عجز المرشحون عن إغلاق لوائحهم نظرا للتنافس الحاصل على المراتب الأولى من اللائحة، لوحظ أن بعض المؤتمرين غير مبالين بما يجري حولهم. وبدا أن بعضهم لا تربطه بالاتحاد أية رابطة، وربما لهذا السبب مرت أشغال الجلسة العامة أمام أقل من نصف المؤتمرين، المحدد عددهم في 1325 شخصا، لأن بعضهم اختاروا الانزواء بعيدا لمناقشة قضايا أخرى ليست لها بالضرورة علاقة بشؤون الحزب ومستقبله، في انتظار أن تنتهي أشغال المؤتمر بانتخاب قيادة، جديدة، مهما كانت الكيفية التي ستعتمد في عملية الانتخاب.