فيما استطاع الوزير الأول عباس الفاسي الخروج من نفق منتصف الولاية التشريعية الحالية، من دون خسارة على صعيد استمرار الائتلاف الحكومي الراهن، فإن حدوث تعديل جزئي أو شكلي على حكومته لن تكون له مضاعفات. الهزة العنيفة، التي كان يمكن أن تحدث تصدعا داخل الأغلبية، هي ما وقع داخل الاتحاد الاشتراكي، حين انبرى قياديون غاضبون على انتقاد طريقة ومنهجية إدارة المفاوضات التي أدت إلى تولي عبد الواحد الراضي مسؤولية رئاسة مجلس النواب. فقد جاء ذلك على حساب تجمع الأحرار، الذي فقد مواقع عديدة في ظرف وجيز، لكن دون القدرة على أن يرفع صوته، احتجاجا. يدرك الراصد لمسار هذا الحزب جيدا أن فضل أحزاب «الكتلة الديمقراطية» عليه لا يضاهيه سوى الاقتناع بأنه اختار أن يكون تابعا، من أجل أن يحظى بشرعية الاعتراف، ووضعه الاعتباري. في مسار تجربة التناوب، لم يكن واردا أن يزيد على أفضل ما كان. مع أن الاستقلال والاتحاد الاشتراكي أبديا بعض التبرم حيال التصريحات التي صدرت عن الأمين العام ل«العدالة والتنمية»، عبد الإله بنكيران، فإنهما في العمق لا يمكن إلا أن يكونا مرتاحين، لأن منطوق تلك التصريحات يعزز وضعهما في الجهاز التنفيذي، وبالتالي فإن مطالبة أحزاب، مثل تجمع الأحرار أو الحركة الشعبية أو الاتحاد الدستوري، بترقيع أعداد الحقائب الوزارية التي يديرونها أو سيديرونها مستقبلا، إن حدث تعديل لإدخال الاتحاد الدستوري إلى الحكومة، لن تحمل القوة التي كانت تتوفر لها قبل «خرجة» بنيكران. سواء فُهمت تلك التصريحات في الإطار الذي جرت فيه أو تم تحميلها قراءات أخرى، فإنها تصب، في نهاية المطاف، في مصلحة الأحزاب الرئيسية في الائتلاف الحكومي، خصوصا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، إن لم يكن على الصعيد المبدئي في الإقرار بضرورات تكريس تعددية سياسية حقيقية، فعلى صعيد تعزيز وضعيتهما داخل الجهاز التنفيذي، لأن كل انتقاص من حجم ومستويات حضور باقي الفاعلين السياسيين يصب في خانة مصلحة الحزبين، وإن لم يجهرا بذلك. الأمر في غاية البساطة، وما بين تشكيل حكومة من سبعة أو ثمانية أحزاب وأخرى بأربعة أو أقل، هناك فوارق جوهرية، والاتجاه السائد برسم ترسيخ منظومة القطبية الحزبية يروم الوصول إلى هذا التصور، وأقرب انعكاساته أن الوزير الأول في وسعه أن يصوغ مبررات لتقليص أعداد الحقائب وليس توسيعها، تماما كما أن الأحزاب المطالبة بحضور أكبر لا تملك إمكانات قوية في التأثير على مسار التجربة التي بدأت عدها العكسي نحو استحقاقات 2012. ومن هذا المنطلق الأفعال يمكن فهم الأبعاد التي اكتستها ردود على تصريح زعيم ال»بي. جي. دي». قبل سنوات، قال الأمين العام ل»الاتحاد الدستوري»، النقابي القديم محمد أبيض، إن حزبه لا يستطيع أن يعارض حكومة تتبنى نفس البرنامج الذي كان يدافع عنه، أي الليبرالية والخوصصة وحرية المبادرة. فقد تصور أن مقولته تلك يمكن أن تدفع في اتجاه الانفتاح على حزبه، لولا أن أحدا لم يدر في خلده وقتذاك أن الدستوريين سيتحالفون مع التجمعيين، في الآتي من الزمن، وأن حزبا جديدا اسمه «الأصالة والمعاصرة» سيدخل على الخط، من أجل تفكيك المشهد القائم، أو على الأقل، إعادة خلخلة بنائه التقليدي الذي كان يجلب الاطمئنان. إذا صح اعتبار موقف «الاتحاد الدستوري» إقرارا بالأمر الواقع، بالنظر إلى وضعية الحزب التي تراجعت كثيرا، فإن حليفا سابقا له، هو «الحركة الشعبية»، ظل مقتنعا بأن مكانه يوجد في الجهاز التنفيذي وليس خارجه. وكذلك كان شأن تجمع الأحرار، الذي قبل بالنصيب الذي «وزع» عليه. فهذه الأحزاب الثلاثة لم تقدر على منافسة الثلاتي الآخر، الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، ووجدت نفسها أقرب إلى استجدائه منها إلى مواجهته ندا للند، لذلك فإن مواقفها التفاوضية إزاء توزيع مكاتب وزارية جديدة ليس بالقوة التي تفرض أخذ كل شيء أو ترك كل شيء. فهي لم تفعل ذلك عند بداية تشكيل حكومة عباس الفاسي، ولم تبلوره عند منتصف ولايتها، ولا يمكن توقع أن تفعل ذلك في الأشواط المتبقية، إلا إذا وقعت معجزة ما. قد لا يكون الأهم بالنسبة إلى هذه الأحزاب هو إعداد المكاتب الوزارية التي تشغلها وكذا القطاعات التي تديرها، وإنما الأهم أن تبقى في الواجهة الحكومية، على أساس أن ذلك سيساعدها في جلب المناصرين الذين يقيسون الانتماءات بالمنافع، ولكن المفارقة أن التقاليد الحزبية في المغرب أبانت عن أن الفعاليات التي تخوض الانتخابات، وهي في المعارضة، يكون وضعها أفضل، على الأقل معنويا، من تلك الموجودة في الضفة الأخرى. فعل ذلك العدالة والتنمية، الذي ابتعد عن مساندة حكومة عبد الرحمن اليوسفي، فانتقل عدد مقاعده النيابية من حوالي 14 إلى الضعف، فيما تدنت مقاعد الاتحاد الاشتراكي في انتخابات 2007 من المقدمة إلى الدرجة ما بعد الرابعة، ولا يعرف الآن كيف ستؤثر مواقع الفرقاء السياسيين في تشكيل الخريطة المقبلة، غير أن حدوث تعديل حكومي أو عدمه لن يغير كثيرا في موازين القوى، طالما أن الحكومة مطمئنة إلى أغلبيتها التي انضاف إليها «الاتحاد الدستوري»، من نافذة التحالف مع تجمع الأحرار. إلا أنه إذا كان مطلب التعديل يندرج في سياق آخر، فتلك قضية أخرى، قد تؤشرعلى تحول في مسار التجربة، مع أن الأمر يبدو مستبعدا في حينه.