شوارع مكتظة بالسيارات، حركة مرور مختنقة خلال فترات الذروة وغيرها، هذه هي المشاهد العامة التي أصبحت عليها أغلب الممرات والشوارع الرئيسية بالعاصمة الاقتصادية للمملكة مع انطلاق أشغال تهيئة الترامواي الذي سيلتهم من ميزانية مجلس المدينة أزيد من 600 مليار سنتيم، وستستمر أزمة اختناق المرور إلى حدود سنة 2012. أشغال تهيئة الشوارع والمسالك الطرقية بمدينة الدارالبيضاء لا تنتهي، بعد أن تحولت المدينة إلى ورش مفتوح ودائم، فما أن ينتهي المسؤولون المحليون من أشغال تهيئة طريق أو شارع حتى يشرعوا في شق طريق آخر، والنتيجة أن مدينة كالدارالبيضاء، التي تعرف كثافة سكانية متصاعدة، باتت فيها حركة السير أشبه بسير السلحفاة، فمعظم الطرقات باتت تعرف اكتظاظا وتعثرا في حركة الجولان ولم يعد هذا الاكتظاظ يقتصر على أوقات الذروة فحسب وإنما صار يمتد على طول اليوم. الحل «السحري» الذي اهتدى إليه المسؤولون المحليون لتجنيب العاصمة الاقتصادية للمملكة «السكتة المرورية» هو الشروع في اختيار ما أطلقوا عليه سيناريو تطوعي من بين سيناريوهات المخطط الحضري للتنقل عبر إنشاء شبكة للنقل الجماعي تستجيب للطلب المتزايد على النقل، يشمل هذا السيناريو إنشاء عدد من الخطوط الجهوية، إلى جانب الترامواي. ما لم ينتبه إليه هؤلاء المسؤولون أن هذا السيناريو له تكلفة مرتفعة ليس من الناحية المادية فحسب وإنما التأثيرات الجانبية لهذه المشاريع على حركة الجولان والسير التي أصيبت باختناق شديد، فعلى طول المسالك التي ستعرف مرور هذا الخط الطرقي نجد عرقلة كبيرة لحركة السير. علما أن هذا المعطى كان من ضمن الإشكالات التي شكلت هاجسا لدى السكان بسبب التأثيرات السلبية للمشروع على حركة السير والجولان وحجم الرواج بالنسبة للمحلات التي تتواجد بأماكن مرور الترامواي خاصة وأن مدة الإنجاز تصل إلى ثلاث سنوات. مسار الترامواي يمر خط الترامواي بأحياء سيدي مومن وحي مولاي رشيد عبر شارع عقبة بن نافع وشارع ابن تاشفين كما يمر عبر الحي المحمدي عبر شارع الشهداء وشارع الاوداية، وكذلك وسط المدينة والمرافق الإدارية عبر شارع محمد الخامس انطلاقا من ساحة الأممالمتحدة، حيث رسم مسار هذا الخط عبر شارع الحسن الثاني وشارع عبد المومن مرورا بأحياء مرس السلطان وسيدي بليوط والمستشفيات، وعند نهاية شارع عبد المومن بالمعاريف قرر مهندسو هذا الخط تفريقه إلى خطين الأول يمر عبر شارع أنوال والمشروع الجديد لأنفا ليصل إلى الحي الحسني عبر شارع سيدي عبد الرحمان وشارع أفغانستان، أما الخط الثاني فإنه من المقرر أن يمر عبر شارع مكة وشارع المنظر العام وشارع العمالات قصد ولوج حي سيدي معروف وتيكنو بارك وأخيرا كلية الحقوق طريق الجديدة. وتبرز أهمية هذا المشروع أكثر من خلال الأرقام الخاصة بالنقل الجماعي على صعيد الدارالبيضاء، والتي جاءت في دراسة أنجزتها الجهة وأعلنت عن نتائجها في لقاء صحفي عقد في نونبر الماضي، وأظهرت أن وسائل النقل العمومي لا تشكل سوى30 في المائة من وسائل النقل المستعملة، حيث إن حصة النقل الجماعي عبر الحافلات تراجعت من18 في المائة سنة 1975 إلى13 في المائة سنة 2004، مقابل ارتفاع نسبة الاعتماد على سيارات الأجرة من1 في المائة سنة 1975 إلى15 في المائة سنة 2004 ونسبة التنقل سيرا على الأقدام من51 في المائة إلى53 في المائة خلال الفترة نفسها. وبحسب الدراسة ذاتها، فإن شبكة النقل الجماعي على صعيد الدارالبيضاء تعاني من نقص عددي وضعف في الجودة علاوة على أنها تتمركز في الطرق الرئيسية وتشكل عبئا ماليا إضافيا على السكان، الذين ينفقون15 مليار درهم على النقل سنويا. كما أن «نسبة النقل الحضري لا تتجاوز13 في المائة وأنه لابد من إجراءات استعجالية للرفع من نسبة مستعملي وسائل النقل العمومية لتضاهي المدن الكبرى، التي تصل بها هذه النسبة إلى40 في المائة. اختناق المرور ما لم ينتبه إليه أصحاب الحل السحري لتجاوز اختناقات المرور التي ستعرفها الدارالبيضاء في أفق2020 أنهم استعجلوا عبر هذه الأشغال غير المنتهية هذه الأزمة قبل وقوعها بسنين، ذلك أن قدر ساكنة المدينة أن يتعايشوا مع هذه الأشغال حتى متم سنة 2012، وهو التاريخ الذي التزم به مهندسو خط الترامواي لإنجازه في هذه الفترة، بدون احتساب التأخرات المحتملة لهذه الأشغال أو حدوث عطب معين. بحسب محمد ابريجة، نائب عمدة المدينة وأحد المشرفين على تهيئة الطرق بالمدينة، فان أعمال الصيانة والتوسعة التي تشهدها العديد من مناطق وعمالات المدينة يتوخى منها بالأساس تجنيب المدينة ازمة مرورية خانقة خلال السنوات القادمة، ويضيف ابريجة في تصريح ل«المساء» أن الاختناق الحالي الذي تعاني منه العديد من الشوارع الرئيسية بالمدينة اختناق مؤقت، وأنه تمت الاستعانة بشركات تهيئة ذات كفاءات عالية، كما تم وضع دفتر تحملات قصد إنجاز تلك المشاريع وفق ظروف حسنة وتجنب عرقلة المرور، ويضيف ابريجة في السياق ذاته أنه لم يكن أمام مسؤولي المدينة من خيارات أخرى للتعامل مع وضعية اختناق حركة المرور سوى خوض تحدي إنشاء شبكة ترامواي التي من المرتقب أن تستوعب 200 ألف راكب في اليوم، مما سيخفف الضغط على باقي المحاور الطرقية الأخرى. هذا التحدي، يبرز المسؤول المحلي، أملاه، من جهة، اتساع كثافة ساكنة المدينة وارتفاع حظيرة السيارات والناقلات التي تتجول داخل شوارعها من جهة أخرى، لذا يضيف المصدر ذاته كان لابد من إعادة هيكلة المجال الحضري للمدينة والقيام بإصلاحات كبرى على مستوى الشوارع، وإحداث أنفاق أرضية لتخفيف الضغط على المحاور الطرقية الرئيسية. وأقر ابريجية بالمقابل أن لهذا التحدي تكلفة جانبية على مستوى سير الأشغال لكنها تبقى تكلفة مؤقتة لتجنيب المدينة الأسوء، ما لم تتم المبادرة إلى القيام بهذه الإجراءات الآنية والمستعجلة. ويطمح هذا المشروع،الذي ستساهم الدولة في تمويله بأزيد من مليار درهم، والمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية 1.5 مليار درهم، ومجلس المدينة وشركاء آخرين ب900 مليون درهم، إلى الرفع من حصة النقل العمومي لتنتقل من13 في المائة إلى21 في المائة وإلى المساهمة في تهيئة الفضاء العمومي وإعادة الاعتبار للمواقع التاريخية بالجهة. وتكمن أهمية هذه الخطوة، التي تحظى بدعم من صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ب400 مليون درهم وستمول من خلال قروض مضمونة من طرف الدولة والجماعات المحلية، في إدماج الأحياء الهامشية في محيطها الحضري والمساهمة في إعادة تهيئة أهم شوارع الدارالبيضاء. الأشغال تستحدث علامات توقف جديدة رأي مسؤول مجلس المدينة لا يشاطره فيه العديد من البيضاويين الذين ضاقوا ذرعا بحالات الاختناق المتكررة، فحيث ما توجه المواطنون، سواء كانوا مستقلين وسائل نقل خاصة أو وسائل النقل العمومي، عليهم الانتظار مدة طويلة معتقلين ومحتجزين داخل تلك الناقلات في انتظار أن يحين دورهم في المرور، ولم تعد إشارات المرور وحدها هي التي تلزم مستعملي الطريق دقائق إلى حين أن يفسح لهم الطريق لمواصلة السير، فقد أصبحت علامات مرور أخرى أضافتها هذه الأشغال، مع فارق بسيط أن علامات التوقف المنصوص عليها في قانون السير يتقبلها السائقون طالما أنهم يدركون أن توقفهم لن يتجاوز بضع دقائق على أقصى تقدير، في حين أن «علامات» توقف إنجاز الأشغال العمومية لا يدري السائقون كم يتوجب عليهم المكوث حائرين داخل ناقلاتهم ذات المحركات إلى أن يحين دورهم للخروج من مطبات تلك الأشغال. وبسبب هذا الوضع تحولت المدة الزمنية التي كانت تستغرقها رحلة في السابق تتطلب ربع ساعة إلى نحو ساعة كاملة، كما أن بعض السائقين صاروا يفضلون ركن سيارتهم جانبا وإتمام ماتبقى من الطريق مشيا على الأقدام، ناهيك عن تعدد حالات حوادث السير بسب النرفزة وكثرة المشادات الكلامية بين السائقين. وعلى الراغبين في قيادة سياراتهم والتجوال في شوارع المدينة أن يتسلحوا بالكثير من الصبر لتفادي مشاكل الطريق بعد ما أضحت شوارع المدينة تضيق بأسراب السيارات والحافلات وشاحنات النقل العمومي، وتعرف العديد من أشغال حفر الأنفاق وتهيئة المدارات الطرقية. ومما زاد من تدهور الوضع أن انطلاق هذه الأشغال لم تواكبه إجراءات جانبية من قبل الساهرين على حركة المرور، عبر نشر عدد كاف من رجال الأمن لتخفيف الضغط على النقط التي تعرف اكتظاظا كبيرا في حركة السير، كما لم يتم فتح مسالك طرقية أخرى من شأنها أن تخفف الضغط على المحاور الأكثر استعمالا والتي تعيش حاليا على إيقاع هذه الأشغال. الترامواي يلتهم أزيد من 600 مليار سنتيم الساهرون على إنجاز مشروع الترامواي يدافعون عنه بكونه يندرج ضمن التطور الذي تعرفه جهة الدارالبيضاء قصد الاستجابة للمخطط المديري للتهيئة الحضرية، بعد أن تم اختيار سيناريو تطوعي من بين سيناريوهات المخطط الحضري للتنقل قصد إنشاء شبكة للنقل الجماعي تستجيب للطلب المتزايد على النقل، حيث سيتم إنجاز شبكة في أفق 2030 ستمكن، بحسب القائمين عليها، من تطوير النقل، الجماعي من 13 بالمائة إلى 21 بالمائة، وأن هذا السيناريو يتضمن أنماطا امختلفة من وسائل النقل منها الخط الجهوي الموسع، وهو خط سيمتد طوله على مسافة 63 كلم يربط ما بين مدينة المحمدية وإقليم النواصر مرورا بالقطب الجديد لزناتة وأنفا وكذلك وسط المدينة. أما الخط الثاني ضمن هذه التوسعة فإنه يمتد على طول 21 كلم سيربط ما بين سيدي مومن ووسط المدنية ويمر عبر أحياء ذات كثافة سكانية من جهتي شارع محمد السادس كالفداء ودرب السلطان. وينضاف إلى هذا المخطط مشروع الترامواي عبر إحداث 4 خطوط ستجوب مختلف أحياء المدينة,الخط الأول ضمن هذا المشروع الذي أعطيت له أولوية ويربط، من جهة، بين أحياء سيدي مومن ووسط المدينة ومن جهة أخرى وسط المدينة بالكليات والحي الحسني وسيمتد طوله على مسافة 28 كلم. أما الخط الثاني ضمن هذا المخطط فإنه سيربط ما بين سيدي البرنوصي وعين السبع وحي الفداء وسيمتد عل مسافة 19 كلم. ثم الخط الثالث والذي سيربط ما بين سيدي عثمان ووسط المدنية مرورا بحي الفداء عبر ممر أولاد زيان وأخيرا الخط الرابع وسيربط ما بين احياء سباتة وليساسفة مرورا بشارع القدس. ويعتبر الخط الأول لهذا المشروع أهمية كبرى بالنسبة للتنقلات وسط المدينة طالما انه سيمر عبر أحياء ذات كثافة سكانية وسيربط بين هذه الأحياء وبعدة مرافق أساسية، حيث من المرتقب أن ينطلق هذا الخط من حي سيدي مومن وحي مولاي رشيد عبر شارع عقبة بن نافع وشارع بن تاشفين، كما سيمر عبر الحي المحمدي من شارع الشهداء وشارع الأوداية وكذلك وسط المدينة والمرافق الإدارية عبر شارع محمد الخامس. بحسب القائمين على هذا المشروع، فإن أهم الخصوصيات التي يتميز بها هذا المشروع الذي سيمتد على مسافة 28 كلم سيمكن من نقل 200 ألف مسافر بيضاوي يوميا،على أن يتم حصر التردد على قاطرات هذا الخط السككي كل خمسة دقائق، بحيث إنه سيحتاج المتنقل ما بين سيدي مومن ووسط المدينة 35 دقيقة فقط و25 دقيقة ما بين الحي الحسني ووسط المدينة والحي الحسني والكليات لتكون المدة الإجمالية حوالي 60 دقيقة، مع إعطاء أسبقية المرور في الملتقيات. المبلغ الإجمالي لهذا المشروع يقدر ب 6.4 ملايير درهم منها 4 ملايير درهم للتجهيزات والبنيات التحتية و2.4 مليار درهم لشراء القاطرات. ولإنجاز هذا الخط تم إحداث شركة «كازا ترانسبور» برأسمال 14 مليون درهم، كما تم اقتراض أزيد من ملياري درهم من فرنسا لتمويل هذا المشروع. ومنذ مارس الماضي، تم الشروع في أشغال تغيير مجرى شبكات الاتصال والماء والكهرباء بتنسيق مع مستغلي الشبكات - ليديك،المكتب الوطني للكهرباء، اتصالات المغرب، وانا، ميديتيل- وذلك قصد التوطئة لإنجاز هذا الخط، الذي من المنتظر أن يكون جاهزا سنة 2013.