ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كهوف بني ملال قنابل موقوتة تهدد بنسف المدينة القديمة
بفعل ضعف قشرتها الأرضية ومع تراكم المياه العادمة داخلها
نشر في المساء يوم 15 - 06 - 2010

للمدينة القديمة في بني ملال خاصية فريدة تميزها عن كل المدن المغربية، فمبانيها المشيَّدة فوق الكهوف -غير طبيعية في أغلبها- قنابل موقوتة تهدد حياة آلاف السكان وتراث ثقافي ومعماري
سيُطمَر مع كل منزل خسف وابتلعته الكهوف، وصراع خفي أهدافه تحويل المدينة القديمة في بني ملال وجعلها بدون هوية، بعد مخطط غيرِ معلَن لذلك. الغريب في أمر الكهوف الممتدة أسفل المباني في المدينة القديمة أن سُمْك القشرة الأرضية التي تفصل جوف الكهوف عن أرضية المباني فوقها في زنقتي «سيدي إفني» و«بئر أنزران» يتراوح بين مترين ونصف وثلاثة أمتار، تتآكل بشكل يومي بسبب المياه العادمة، في حين تتراوح نفس القشرة بين نصف متر و25 سنتمترا في الكهوف الممتدة تحت المباني الموجودة بين زنقتي «القائد العسري» و«الباشا بوجمعة»، مما يهدد، بشكل يومي، بوقوع كارثة تعرِّض للخطر الآلاف من سكان المدينة القديمة وزوارها.
تؤكد الروايات الشفوية لساكنة المدينة القديمة أن الأجداد كانوا يستعملون هذه الكهوف مخابئ في الحرب التي كانت تدور بين قبائل الجبل وساكنة الدير، أو عبر تاريخ مدينة «داي» قديما، وصولا إلى تأسيس بني ملال -المدينة حديثا، حيث كان السكان يعتبرون البناء خارج سور المدينة مغامرة غير محمودة العواقب، خاصة في أيام «السيبة»، لذلك بنوا منازلهم دون أن يعرفوا خريطة الكهوف الموجودة في أسفل «القصبة»، ومنهم من بنى منزله باستخراج مواده من كهوف جعلها قبوا في بداية الأمر.. وهي الكهوف التي استعملها الأجداد الأولون، قبل أن يستعملها أيضا بعض رجال المقاومة، خلال الاستعمار الفرنسي للمغرب.
يؤكد عبد الصمد ناجين، الأستاذ في كلية العلوم والتقنيات في بني ملال، أن «المدينة القديمة شُيِّدت فوق شبكة معقَّدة من الكهوف والأنفاق، حالتها الفيزيائية جد مزرية، لعدة أسباب، منها أن الكهوف هُجِرت واستُخدِمت للتخلص من المياه العادمة ذات الطابع الحمضي، مما أثر على الركائز الرملية. ومع غياب الصيانة والتهوية، ظهر تركُّز غازي منبعث من المياه العادمة، بالإضافة إلى الذبذبات الناتجة عن السير الطرقي والجولان، وهو ما يؤثر على استقرار وضعية الكهوف ومستقبلها وكذا على المباني المشيَّدة فوقها».
تحولت الكهوف، بسبب إهمالها، إلى مصدر خوف دائم لساكنة المدينة القديمة، فبعد ربط أحياء المدينة بشبكة الماء الصالح للشرب وشبكة الصرف الصحي، وبسبب إهمال الساكنة وإهمال المجالس البلدية المتعاقبة والمؤسسات المختصة، تم ربط أغلب قنوات الصرف الصحي بالكهوف التي تقع أسفل المباني مباشرة. هذه الوضعية وعوامل طبيعية أخرى أدت إلى فقدان الكهوف صلابتها ودعاماتها، مما حولها إلى قنابل وألغام حقيقية، أودت فعليا بأرواح العديد من الساكنة، منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي (سنة 1967 تحديدا)، بسقوط أول الكهوف في زنقة «الحطابة»، كما يؤكد ذلك بعض سكان المدينة القديمة.
خريطة الكهوف.. خريطة الموت
تمتد المدينة القديمة في بني ملال على مساحة تقدَّر ب35.52 هكتارا ويفوق عدد المساكن فيها (حسب إحصائيات البلدية لسنة 2002) 3363 مسكنا، يبلغ عدد المتلاشية منها 1034 والمهدَّدة بالانهيار 140 والمنهارة 68 بناية، و1500 متجر، أغلبية المنازل في المدينة القديمة مشيَّدة فوق الكهوف المجهول عددها وامتداداتها.
تأسست «جمعية المدينة القديمة» مباشرة بعد حادث ابتلاع كهف منزلا من طابقين مما خلَّف وفاة سيدة وابنتها ووجهت الجمعية في جمعها العام نداء استغاثة إلى ملك البلاد.
وقاد تزايد الأخطار المُحْدِقة بالسكان وانهيار المباني في كل موسم شتاء ورفض السكان مغادرةَ المدينة وتشبثَهم بمساكنهم إلى وضع دراسة جيوفيزيائية للمدينة القديمة، أنجزها أستاذان من كلية العلوم والتقنيات، بتمويل من وزارة الإسكان. اعتمدت الدراسة المذكورة، كمنطلق، دراسةً لمكتب دراسات ألماني قبل 30 سنة كانت جد متقدمة، وضعت تصاميمَ قطاعيةً، تهمُّ السكان والمناخ والاقتصاد، وتصميما قطاعيا لكل أحياء المدينة. وكانت أهم خلاصة لم تُؤخَذ بمحمل الجد من قِبَل المجالس المتعاقبة والسلطات المحلية في بني ملال كونُ استمرار الكهوف والمحافظة عليها مشروطين بحمايتها من المياه العادمة ومن مياه الأمطار.
وقد تم بناء على خلاصات الدراسة الجيوفيزيائة وضع تصميم تهيئة وإعادة الاعتبار للمدينة القديمة في بني ملال، مع بداية 2007.
حلول فردية
يَخْلُص متخصص في المعمار التقليدي إلى أن «إدخال مواد إسمنتية جديدة وثقيلة لا تناسب قوة تحمُّل ركائز الكهوف ووجود دور بطابقين من الإسمنت وغياب تقنية التعامل مع البناء فوق الكهوف، تساهم، عاجلا أم آجلا، في انهيار المباني وسط الكهوف التي تقع أسفلها»، وهو ما سيحدث أيضا بسبب «ما تقترحه البلدية من حلول فردية، حيث تهدَم المباني اليوم، بشكل عشوائي، دون مراعاة الحالة الفيزيائية لهذه الكهوف». يضاف إلى النشاط الزلزالي والحركية السكانية في المدينة القديمة وموقعها معبر للمياه الجوفية يؤثر بشكل سلبي على الأرضية».
ويضيف نفس المتخصص أن «عملية بناء المنازل التي يتسلم أصحابها الرخص اليوم لا يمكن أن تتم بمعزل عن باقي المنازل المجاورة، لأن العديد منها تشكل كتلة واحدة، وكثير منها تتقاسم الجدران ونفس الكهف، لهذا وجب التعامل بشكل كلي مع باقي المباني».
مشروع التهيئة والإنقاذ، الذي قدم مؤخرا من طرف مكتب للدراسات من القنيطرة، اعتبره مصدرنا «مفتقدا لتصور واقتراحات عملية دقيقة، فالكهوف في المدينة القديمة غير متجانسة فيزيائيا، ومختلفة من حيث أوضاع صلابتها وقوة دعاماتها وأشكالها الهندسية، والتعامل مع الكهوف المختلفة بنفس الطريقة خطأ جسيم».
اعتماد معطيات جاهزة دون تحليلها ودون الاستناد على ثقافة معمارية تأخذ بعين الاعتبار البعد الثقافي للكهوف كشكل معماري، يجعل السلطات ومن يملك القرار في المجلس البلدي لا يلقون بالا للهوية الثقافية والرأسمال الرمزي للمدينة القديمة الغنية بكهوفها، والتي يمكن تحويلها إلى مزارات سياحية فريدة من نوعها في العالم، على شاكلة تلك التي توجد في مدينة الكهوف «كابادوكيا» السياحية في تركيا.
بين الهوية والاستثمار والبعد الأمني
يعتقد المعارضون لمشروع إعادة تهيئة المدينة القديمة أن «هناك تربصا للتحايل من طرف المضاربين للاستحواذ على واجهات شارعي «محمد الخامس» و«تامكنونت»، اللذين يحيطان بجزء كبير من المدينة القديمة لبني ملال. مضاربون نافذون يترصدون لدفع السكان إلى هجرة المدينة وكهوفها، بعد وضع الشرط التعجيزي القاضي بإنجاز دراسة معمارية لكل مبنى قبل الشروع في الإصلاح، وهو ما سيدفع العديد من السكان إلى بيع مساكنهم، لقلة ذات اليد».
ويضيف المدافعون عن حفظ هوية المدينة أن «مقترح التدخل الشمولي في المدينة القديمة، ببناء سور يحيط بها، يبدو كفيلا بوضع حد للأطماع في فضاء المدينة القديمة وسيحفظ لها هويتها، كما هو شأن كل المدن القديمة في المغرب، وسيمنع البناء العمودي فيها».
يبقى السؤال، اليوم، لدى المهتمين بموضوع المدينة القديمة هو: ماذا نريد؟ مدينة بمواصفات تقليدية، كما هو شأن المدن العتيقة في المغرب أم مدينة عصرية؟ وهل يعتبر عدم الاهتمام بالكهوف طمسا للهوية الثقافية والتاريخية للمعمار في المدينة القديمة؟
يؤكد مصدر من المجلس البلدي أن «البناء في المدينة القديمة كان من المفروض ألا يتجاوز البناء السفلي أو الطابق الأول في أسوأ التقديرات»، ويقف العضو نفسه متسائلا عن السر في «السماح ببناء عمارات من أكثر من خمسة طوابق في المدينة القديمة»، قبل أن يضيف: «ربما يكون الأمر للتجربة فقط»...
إصلاح مكلِّف ومشروع لطمر مئات الكهوف
أصلح الغزواني سيربو، رفقة أربعة جيران، جزءا من كهف زنقة «سيدي إفني»، الممتد على طول أكثر من 120 مترا، في أشكال هندسية ومستويات طبقية متفاوتة. كلَّفهم الجزء الصغير من الكهف الكبير أزيد من 20 مليون سنتيم، لمساحة لا تتعدى 40 مترا مربعا، وهو ما لا يستطيع تحمُّل نفقاته آخرون من سكان المدينة القديمة.
يرى الغزواني سيربو أن «الوضع يتطلب أكثر من دراسة جيوفيزيائية ومعمارية للمدينة القديمة والقيام باستكشاف علمي لشبكة الكهوف تحت مباني كل أحياء المدينة القديمة التي تتفاوت درجات خطورتها «، ويؤكد أن «المساكن التي بقيت تحافظ على الخصوصية قليلة جدا، بسبب غياب التوعية بالبعد الثقافي لهذه الكهوف، إذ يقوم السكان، اليوم، بإعدام القيمة التاريخية والرمزية للأبواب الخشبية العتيقة والنوافذ والزليج التقليدي، مقابل الأشكال الصناعية الحديثة، بوعي أو بسبب غياب الإمكانات وبسبب إكراهات أخرى».
مدينة مهمَّشة ومغضوب عليها
يرى رئيس المجلس البلدي لبني ملال، أحمد شد، أن «المدينة القديمة لم تأخذ نصيبها من البرامج الحكومية، لأنها لا تجد من يدافع عنها، والحكومة لم تعط المدينةَ القديمة في بني ملال ما تستحق من أهمية، خاصة عندما نقارنها بمدينة كوجدة، التي يتحدر منها الوزير احجيرة، حيث تم تخصيص أزيد من 25 مليار سنتيم لإعادة الاعتبار لها، بالإضافة إلى ما للمدينة القديمة في بني ملال من خصوصيات، وطنيا و دوليا».
كلام رئيس المجلس البلدي لبني ملال له ما يعضده، فبرنامج إعادة الاعتبار للمدينة العتيقة في وجدة، الذي أعطى انطلاقتَه الملك محمد السادس في يوليوز من السنة ما قبل الماضية، رُصِد له غلاف مالي يناهز 183.7 مليون درهم، في المدينة العتيقة في وجدة التي تمتد على مساحة 28 هكتارا، ويصل عدد البنايات فيها إلى 1250 بناية، في الوقت الذي رصد فيه مبلغ مليار سنتيم للمدينة القديمة في بني ملال، التي تفوق مساحتها نظيرتها لوجدة بسبع هكتارات (35,52 هكتار)، فيما يبلغ عدد مساكن المدينة القديمة لبني ملال 3363 مسكنا، أي قرابة ثلاثة أضعاف ساكنة المدينة القديمة في وجدة، يضاف إلى ذلك الخاصية الفريدة للمدينة القديمة لبني ملال، التي جل مبانيها مشيدة فوق الكهوف.
المرحلة الحالية في نظر رئيس المجلس البلدي ورئيس جمعية المدينة القديمة في بني ملال تتطلب تدخلا مرحليا، «لوقف النزيف الذي يسببه أكبر خطر، والذي هو مياه الصرف الصحي والمياه العادمة، وقد أطلقت البلدية مشروعا لانطلاق التطهير السائل واستغلال الدراسات لإعادة عملية البناء، بمنح تراخيص البناء والإصلاح، بمعايير هندسية حديثة».
بهذا المقياس، فالكهوف كتراثٍ ثقافي لا يهم المجلس البلدي، لأنها لم تبق بنفس المواصفات، حيث فقدت صبغتها التاريخية والثقافية، والأمر متروك اليوم لصاحب المشروع، الذي له الصلاحية الكاملة في إبقاء الكهف أو طمره والمساهمة في دفن تراث ثقافي وأثري عريق.
إرغام السكان على الإفراغ، بعد دفعهم إلى إخلاء المحلات، بسبب اشتراط المجلس البلدي أن يقوم صاحب البناية موضوع الإصلاح أو إعادة البناء بإنجاز دراسة معمارية وهندسية، يكذبه رئيس المجلس البلدي ويؤكد أن «المجلس يقترح على من لا تسعفه ظروفه المادية أن يتدخل المجلس وينجز بدلا عنه تلك الدراسة، كدعم من المجلس، ولكن بشروط تحددها لجنة خاصة من المجلس البلدي».
إعادة الاعتبار للمدينة القديمة
يعتبر رئيس المجلس البلدي أن «مدينة بني ملال جنبها الله كوارث حقيقية كان من الممكن أن تقع في المدينة القديمة، ورغم توجيه العديد من النداءات إلى جميع الجهات، لم تحظ كل النداءات بالتجاوب المطلوب وما تستحقه المدينة القديمة، لما تضمه من كنوز تاريخية». إعادة الاعتبار للمدينة القديمة سيتم، حسب المجلس البلدي لبني ملال، بربط الماضي بالحاضر، من خلال تصور جديد يقوم على تنظيم السير والجولان وجمالية الطرق وتغيير الإضاءة، إحياء الشكل المعماري وإعادة بناء الأبواب التاريخية وتشجيع وخلق حرف تجلب السياحة.
السملالي البشير، «الخزانة المتنقلة» لملف المدينة القديمة، هو أحد موظفي بلدية بني ملال، يضبط كل المراحل التي قطعها مشكل المدينة القديمة، قبل أن يتناولها في فصول من بحث جامعي، يؤكد أن بداية التفكير الجدي في مشكلة المدينة القديمة كانت بعد صدمة 2002، إثر انهيار ثلاثة منازل دفعة واحدة في زنقة «آيت تسليت» الزنقة 10، أسفر ذلك عن وضع أول دراسة سوسيو اقتصادية للمدينة القديمة، خلصت إلى إحصاءات ومعطيات تقريبية، ومن تم برزت فكرة إعادة إسكان قاطني المدينة القديمة، لكن مراسلات البلدية التي أرسلتها إلى المعنيين لم تلق الاستجابة إلا من سبعة أشخاص من أصل 120 حالة مستعجلة، من بين 420 معنيا بإعادة الإسكان في «تجزئة النور» خارج المدينة، لكن الحديث مع مجموعة من الذين رفضوا الانتقال إلى «تجزئة النور»، يوضح أن أسباب رفضهم مقترح إسكانهم يرجع إلى كون «المكان المقترَح يوجد خارج المدينة، بينما منازلنا وسط المدينة، وهو سبب، ضمن أخرى، يجعل مجرد التفكير فيها كمن يقايض كنزا بتراب»...
كانت أهم أهداف التصميم المحافظة على المآثر والمعالم الكبرى للمدينة القديمة ووضع تصور لكيفية بناء المدينة القديمة، وهو تصور يلغي كليةً أهم المعالم، الكهوف، التي توجد أسفل المباني، والتي يقدر عددها بأكثر من 180 كهفا، حسب إحصاءات تقريبية للدراسة الجيوفيزيائية وسط المدينة القديمة فقط، في حين توجد كهوف خارج المدينة القديمة، بما فيها كهف يمتد تحت المقر الجديد لولاية وجهة تادلة -أزيلال.
تباشر بلدية بني ملال، اليوم، أشغالَ الربط بشبكة الصرف الصحي في عدة مناطق في المدينة القديمة لم تكن قنوات الصرف الصحي موجودة فيها، فيما تجدد الشبكة في مناطق أخرى من المدينة، لكن يعتقد خبراء أن مسألة الربط الصحي، بشروطه الحالية، سيكون مكلِّفاً، خاصة في أحياء يصعب فيها الحفر، لخطورة الكهوف فيها، إلا أن رئيس المجلس البلدي لبني ملال يؤكد أن نهاية مشكل المدينة القديمة سيكون بعد ستة أشهر، وهو تاريخ نهاية الأشغال في شبكة الصرف الصحي.
موسم رحلة الخوف والموت
بقدوم فصل الشتاء، تبدأ «رحلة الخوف والموت» في المدينة القديمة لبني ملال، ويصدُق في المدينة القديمة القول المأثور «رب ضارة نافعة»، فقد يؤخر الجفاف سقوطَ المزيد من الأرواح في مدينة «كلما سقط المطر فيها سقط البشر»...
تبين خريطة الكهوف المتوفرة أنها أسفل أزقة وشوارع قلب المدينة النابض، الذي يشهد، كل مساء، آلاف المزدحمين في دروبها الضيقة، وما تزال المدينة القديمة مركزا تجاريا كبيرا ومقصدا للتسوق، في شارع أحمد الحنصالي ومحلات ساحة الحرية، في زنقة «الحرية» وشارع «العفو» أو في شارع «المقاومة»، بقرب «المارشي» وزنقة «العمالة»، أو في زنقة «المسجد الأعظم»، وصولا إلى زنقة «القائد العسري» وزنقة «الباشا بوجمعة»، شرقا...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.