تستضيف الملتقيات الدولية للتصوير الفوتوغرافي في فاس، في دورتها الرابعة، الموسومة ب«مدن الحدود»، مجموعة من الفنانين الفوتوغرافيين العالميين، عبر مجموعة من المعارض التي لن تقتصر على مدينة فاس، بل ستشمل العديد من المدن المغربية، كالرباط وطنجة ومراكش وعلى مدار شهر يوليو. تهدف هذه التظاهرة المنظَّمة من طرف المركز الثقافي الفرنسي في فاس، إلى التعريف بالفن الفوتوغرافي ورد الاعتبار للصورة كعمل فني، ينبثق من آلة صغيرة تُوقف الزمن وتنتصر على النسيان، بفضل عين الفنان، أفليس الحسن بن الهيثم هو أول من قال «إن العين ترى طبقا للشعاع الساقط عليها»!?... كما تهدف هذه التظاهرة إلى سد الفراغ الحاصل على مستوى الأنشطة المتعلقة بهذا المجال، فالمشهد الثقافي والفني شبه خال من أنشطة التصوير الفوتوغرافي، مع استثناءات قليلة تعبر عن حضور متنامٍ ومتنوع نسبيا على مستوى إيقاع المعارض الفوتوغرافية، مع اهتمام نسبي بالصورة على مستوى الصحافة وتوظيفها في تزيين أغلفة الكتب والبطاقات البريدية. وعلى العموم، تظل المعارض والمبادرات والتظاهرات في هذا الشأن معدودة على رؤوس الأصابع، من وجهة نظر المنظِّمين. في هذا السياق، تراهن الملتقيات الدولية في فاس، حسب ابراهيم الزرقاني، المنشط الثقافي في المركز الثقافي الفرنسي، على خلق فرصة للتواصل بين الفنانين المغاربة المحترفين والفنانين الدوليين، ولأجل تحسيس الجمهور بأهمية هذا الفن، والتعلق به واقتناء الأعمال الفنية. والتعرف على تقنياتها. ويقول الزرقاني إن المنظمين لن يكتفوا، عند افتتاح المعارض أمام الجمهور في مختلف المدن المغربية التي وقع عليها الاختيار لاحتضان هذه التظاهرة، بتقديم الأعمال، بل سيعملون على تنظيم زيارات مرفقة يؤطرها الفنانون أنفسهم، بمساعدة موجهين للتواصل والتحاور بين هؤلاء المبدعين والجمهور، مضيفا أن المركز الثقافي الفرنسي سعى في تصوره للتظاهرة إلى العمل على إخراج العمل الفني من الأروقة إلى الشارع، وحتى لا تبقى هذه الأعمال حبيسة الفضاءات الضيقة التي يهابها أوسع جمهور، وتبقى بذلك مخصصة للنخبة. في هذا الباب، أشار محدثنا إلى المبادرة التي اتخذها المعهد، بشراكة مع المعهد الثقافي الإسباني في برشلونة، والمتمثلة في تقديم معرض اسباني ل»ريد كابيو»، موجَّه للجمهور الواسع، في إطار تسهيل عملية التلقي، فاختير له شارع الحسن الثاني في فاس، ويتناول المعرض صورا فوتوغرافية لشخوص تحمل أشياء تحضر لديهم في حياتهم الشخصية، وبفضل هذا الارتباط يصاحبونها معهم إلى الأستوديو. وفي إطار المشاركة الإسبانية كذلك، وبشراكة مع معهد «سرفاتيس» في فاس، يقدم الفنان فرانسيسكو لجمهوره صورا عن الإرث الحضاري العربي الإسلامي في قرطبة، تبر المآثر والمساجد والمعالم الأندلسية. وفي مدينة الرباط، يقدم الفنان العالمي روني بوري معرضه في قاعة «علال الفاسي»، وهو عبارة عن روبورتاج غير مألوف عن مدينة نيويورك، يتلاعب من خلاله بأشعة الظلال، ويرسم الحدود والانتقالات ما بين النور والعتمة، وعبر زوايا عمودية وأفقية من الأعلى والأسفل، ينحت الليل ويحصر المحيط.. هذا الأسلوب التجريبي يعد لصيقا برونيي بوري، الذي كلما أنجز تحقيقا ومهمة من المهمات لفائدة مجلة أو وكالة، إلا وقام في ختام كل رحلة بجمع صور تنفرد بميزات تحولها إلى ما يشبه الأعمال التجريبية التي لم تكن تعرض عادة على الجمهور، فيقوم بانتقاء صورة أو صورتين أو ثلاث، ليفكر في نشرها في كتاب متى تبلورت الفكرة.. وفي هذا السياق، نُذكِّر بكتابه «الألمان» الذي لم يكن يعتقد أنه سيكتمل يوما ما، إلى حين إقدام الناشر الباريسي الشهير «دلبير» على أخذ الصور التي تركها جانبا للقيام بعملية انتقاء منها. وفي عام 1962، صدر كتاب «الألمان» في باريس، وبالتزامن من لدن دار النشر «فيرتز واسموت» في زيوريخ. ويعرض هذا الكتاب لصور التقَطت السآمة التي كانت تطبع ألمانيا، إذ تمكن يوري من ملاحظة كائن بشري لديه ما يشبه الملل من التاريخ واستخرج منها صورا تحولت في ما بعد إلى «وثائقَ» تاريخية، وكان هذا الإنجاز الفني في تلك اللحظة حدثا إبداعيا، وهو حدث ما زال يثير الانبهار إلى اليوم، حيث تحولت صوره إلى مصدر إلهام للمصورين الشباب. اشتهر رونيي بوري ببورتريهات الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا، وروبورتاجاته عن حرب الأيام الستة في الشرق الأوسط، كما يهتم بشكل بارز برصد المظاهر المعمارية، ويعد رئيسا سابقا لوكالة «ماكنون» المشهورة، والمعروف عنها احتضان كل الفوتوغرافيين العالميين، وهو حائز على جائزة «فارس» للآداب والفنون من فرنسا عن جميع أعماله، وبوري من أصول سويسرية، وفرنسي الجنسية، ومن أقواله المأثورة نذكر: «عندما نتمكن حقا من التقاط ارتعاشات كل ما هو حي، عندئذ يمكن الحديث عن صورة جيدة». وفي طنجة، تعرض كاترين إيزو في رواق «لاكروا»، صورا بالأبيض والأسود، تتميز بشاعرية خاصة تشتغل على الذاكرة، وتتميز بفرادة مدهشة في تعاملها مع النور، وتعيش كاترين وتعمل في مرسيليا. كما تنظم دينا لوي في مراكش، في «رواق 127»، معرضا فنيا حول الحجاب، كموضوع جمالي. المشاركة الإفريقية حاضرة بقوة في هذه الملتقيات الدولية، عبر تقديم مختارات لمجموعة من المصورين الذين قدموا أعمالهم في بينالي باماكو في دورته الأخيرة لسنة 2009، ويمثلون كلا من جنوب إفريقيا وتشاد وزيمبابوي والنيجر. وتأتي هذه المشاركة لتأكيد الحوار جنوب /جنوب، بين الفنانين الأفارقة، ولتقوية الحوار جنوب /شمال. ومن بين الأسماء الإفريقية نذكر عبد اللاي باري من تشاد، ويشتغل على موضوع الأطفال في وضعية صعبة، بإبراز معاناة الأطفال الأفارقة مع الأمراض، والاشتغال في السن غير القانونية وغير ذلك. ومن الأسماء البارزة أيضا، جودي بيير، من إفريقيا الجنوبية، وهو حائز على جائزة الاتحاد الأوربي كأحسن مصور في الصحافة والروبورتاج، ويهتم كثيرا بالشباب المهمش في جوهانسبورغ. أوشي أوكطا إيروها من الشباب الفوتوغرافيين النيجيرين الذين انطلقوا في أعمالهم من لندن، وهو حائز على جائزة «سيا دوكيتا» لأحسن عمل فوتوغرافي، ويهتم أكثر بحياة البؤس في نيجيريا. الفنان عمر الفاطمي، المعروف في مجال فن الفيديو، والذي قَدِم إليه من الفوتوغرافيا، أو على الأصح انتقل بهذا الأخير إلى الأول، وهو من الأسماء المنفتحة بدورها على الآخر، وتتجاوز أعماله الحدود، من خلال حضوره الدائم في التظاهرات الدولية: باريس، طوكيو، دبي، مونتريال وغيرها.