حينما توصلت بدعوة لأشارك كعضولجنة تحكيم بمهرجان السينما المغربية بروتردام، تذكرت ذاك البحث الذي صنف المغاربة بإسبانيا من أشد الشعوب تشبثا بهويتهم وبأصلهم وبلدهم، وفعلا مغاربة هولندا لا يختلفون عن مغاربة العالم في شيء، فاندماجهم في البلدان المضيفة لم ينسهم «ريحة لبلاد». لذلك فتنظيم مهرجان يحتفي بالسينما المغربية بروتردام والمدن المجاورة لها تعبير عفوي من مغاربة جمعية الجسر، وعلى رأسهم الكاتب والممثل المغربي المقيم هناك المحجوب بنموسى، عن تلك العلاقة الجميلة التي تربط المغاربة ببلدهم رغم البعد والألم والمعاناة والمنفى، ورغم الصمت والتهميش وعدم الاعتراف. ففي الوقت الذي حضر فيه حفلَ الافتتاح قائدُ حزب العمل محافظ بلدية روتردام الهولندي غاب القنصل العام للمملكة بروتردام حفيظ بنشمسي، ولم يحضر إلا في الاختتام ربما مضطرا لمرافقة عمدة المدينة المغربي أحمد أبوطالب. ولم يحضر الافتتاح أي مسؤول مغربي، لا من الوزارة الوصية على الهجرة والمهاجرين ولا من المكلفين بالجالية بالخارج ولا من الأوصياء على الثقافة ولا السياحة ولا السينما..لا أحد. فيما افتتح المحافظ الهولندي كلمته بالسلام عليكم واختتمها بشكرا في بلد يعرف صراعا خطيرا حول المسلمين والإسلام وينتمي إليه رجل يدعى «خيرت فيلدرز» يشن حملة كبيرة ضد المسلمين ويصرح بأن لا محل للإسلام بهولندا. وإذا علمنا بأن مغاربة روتردام يبلغون 40000 ومغاربة هولندا 400000، سنستوعب ما تشكله الجالية المغربية هناك من قوة على المستوى الاجتماعي والسياسي. وطبعا، هناك يعتبرون الثقافة سياسة وليس مرحا ولعبا وعبثا، لذلك يراهنون عليها، وتدعم البلدية هناك مهرجانا مغربيا داخل أراضيها تغيب عنه، للأسف، أي تمثيلية رسمية مغربية. لكن حضرت السينما وحضرت أسماء وازنة من الرواد والشباب، مثلت المغرب برقي والتزام وشموخ واستقطبت جماهير غفيرة من المغاربة الذين يحبون هذا الوطن دون جهد أو مساومة، حب حقيقي عفوي وصادق رغم الغربة والاشتياق والحرمان. في روتردام لوحدها أكثر من 164 جنسية، أغلبهم مسلمون لذلك يشن «الحزب من أجل الحرية» حربا شرسة ضدهم وضد الإسلام. وطبعا، المغاربة أول من يعاني من هذا التضييق. وهناك انتخابات برلمانية في التاسع من يونيو بهولندا يترقبها الجميع بخوف. وللأسف، لا يستطيع كل المغاربة التصويت إلا حاملي الجنسية، لذلك في حالة فوز حزب خيرت فيلدرز ب26 مقعدا ستكون ضربة أليمة للمغاربة والمهاجرين المسلمين، فهو القائل: «إذا أراد المسلمون البقاء في هولندا عليهم أن يمزقوا القرآن لنصفين»، وهو صاحب فكرة فيلم «فتنة» الذي جر الفتنة على مخرجه وعلى مسلمي هولندا. كل هذه المعطيات تبين أهمية مهرجان سينمائي مغربي يقام في هذه الفترة الحرجة بقاعة سينمائية جميلة وسط روتردام ويحضره وفد هام من ألمع الفنانين المغاربة ويكرم نعيمة المشرقي ومحمد حسن الجندي وثريا جبران بحضورهم، لكن تغيب أي تمثيلية رسمية للمهاجرين وللثقافة والسينما، ويغيب السفير المغربي بهولندا، فلا حضور ولا كلمة يبعث بها ولا حتى اتصال أو ترحيب بالوفد المغربي.. لا شيء مطلقا.. لحسن الحظ أن هناك مغاربة رائعين، يحملون هذا الوطن بداخلهم مع حقائبهم وجوازات سفرهم.. لحسن الحظ أن هناك مغاربة مثل المحجوب بنموسى وأحمد الصغير ومحمد الحراك، الشرطي المغربي في صفوف الأمن الهولندي، الذي تشعر بالفخر والاعتزاز أن شبابنا هناك ليسوا فقط منحرفين فاشلين، بل هم من يحمي أمن العباد.. لحسن الحظ أن طفلا صغيرا قادما من الريف المغربي مهاجرا خائفا باكيا إلى روتردام، يمكن أن يصبح عمدة المدينة يلتقط معه المواطنون الصور كنجم من نجوم هوليود.. هو نجم هذا الوطن، عمدة روتردام أحمد أبوطالب الذي ترأس حفل الاختتام وحفل التكريم والعشاء، والذي سأخصه بعمود كامل مستقبلا. حينما حللنا ضيوفا على روتردام سطعت شمس حارة عذبة لم تعرفها المدينة منذ زمن، فكنا نفتخر بأننا جلبنا شمس المغرب لتدفئ هولندا، لكن برحيلنا حل الضباب والغيم وكأن الشمس غابت بعودتنا.. ليعود مهاجرونا إلى عملهم ويعود إلى المدينة طقسها البارد ونعود نحن بالكثير من الأحاسيس والذكريات.. وباللوم والعتاب والغضب على من لا يحملون همّ هذا البلد.