أحد كتاب الأعمدة النكرات، والذي يكتب في جريدة رئيس فيدرالية الناشرين، خليل الهاشمي الإدريسي، الصديق الحميم والمحامي الكبير لمدير المركز السينمائي المغربي، لم يجد من شيء يحاسبني عليه سوى اسمي العائلي. وكتب ساخرا أن «نيني» تذكره بتلك الأغنية التي كانت ترددها أمهاتنا عندما كن يهدهدن أطفالهن الصغار وهن يرددن «نيني يا مومو». وأضاف أن ما أقوم به يوميا هو تنويم الشعب بأقراص نوم مستخلصة من الأسلوب واللغة. وهكذا، فمقالاتي اليومية لا تفعل سوى تنويم الناس. وأنا أستغرب كيف أن مقالات مدرة للنوم كالتي أكتبها كل يوم استطاعت أن تطرد النوم من أعين كثيرين ونجحت في أن توقظ ضدي كل هذه الحملة المنظمة والتي تطالب برأسي ورأس هذه الجريدة. لا بد أن السيد إدريس أجبالي، نذكر اسمه حتى يشتهر قليلا، يجهل أن من يمارس التنويم المغناطيسي ليس شخصا آخر غير مدير الجريدة التي يكتب فيها هذيانه الأسبوعي. وقد اكتشف أعضاء مؤسسة «لوجيدي» الفرنسية للتحقق من الانتشار مقدرات خليل الهاشمي الإدريسي في مجال التنويم المغناطيسي عندما أراد أن ينومهم ويقنعهم بأرقام غير حقيقية لمبيعات جريدة «أوجوردوي لوماروك»، فاكتشفوا حيلته وانتهوا إلى إعلان الأرقام الحقيقية والمتدنية لمبيعاته، طبعا دون احتساب آلاف النسخ التي يشتريها منه «إدريس بنهيمة» ليوزعها في طائراته، أو آلاف النسخ التي تشتريها منه سلسلة فنادق «آكور» بتوصية من أزولاي، وهكذا ساهموا في هروب المعلنين من صفحات جريدته بعد أن اكتشفوا أرقام مبيعاتها الحقيقية.. وبسبب انفضاح أمره، بدأ رئيس فيدرالية الناشرين يخوض حملة عدائية ضد مؤسسة «لوجيدي» الفرنسية، مطالبا الناشرين بالانسحاب الجماعي من هذه المؤسسة بحجة أن الناشرين المغاربة يجب أن يتحرروا من التبعية الفرنسية وأن يؤسسوا شركة مغربية خالصة مائة في المائة، متخصصة في التحقق من انتشار الصحف، يعني شركة مغربية يتحكم الهاشمي في نشر أرقام مبيعات الصحف عبرها، بمعنى آخر «باي باي» الشفافية ومرحبا بالتزوير والكذب والتدليس على القراء والمعلنين. «شفتي دابا أسي أجبالي شكون اللي داير نيني يا مومو لعباد الله». شخصيا، ما أستغربه في كل هذه الحملة المنظمة للتضامن مع مدير المركز السينمائي ضد مطالبة «المساء» بفتح تحقيق قضائي معه على خلفية ما نشره تقرير المجلس الأعلى للحسابات حوله، هو أنه ليست هناك قضية وطنية واحدة حظيت بمثل هذا الاصطفاف والالتفاف والتآزر من طرف المثقفين والكتاب والسينمائيين والصحافيين. أتذكر أنه قبل ستة أشهر تعرض ملك البلاد لحملة إعلامية منظمة استهدفت حياته الخاصة، ونشرت صحف ومجلات، بشكل مطول ومدروس، مقالات موجهة من الخارج حول الحالة الصحية للعاهل المغربي، وسمحت بعض الصحف لنفسها بحشر أنفها في الملف الطبي للملك واصفة حالته بالخطيرة، رغم أنها تعلم علم اليقين بأن ما نشرته كذب وبهتان أظهرت الأيام زيفه وخبثه ومراميه السياسية التي لم تعد تخفى على أحد. وطيلة أيام هذه الحملة المسعورة التي تحول فيها بعض الصحافيين وسياسيي «الكيلو» إلى أطباء متخصصين في تحليل الأعراض الجانبية للإصابة ب«روطا فيروس»، وتحولت فيها بعض الصحف والمجلات إلى منشورات طبية متخصصة في تحليل الأمراض والعلل، لم نشاهد أحدا من هؤلاء المثقفين والفنانين والمخرجين السينمائيين والصحافيين الذين يساندون اليوم الصايل ضد «المساء»، يفتحون أفواههم بنصف كلمة للاحتجاج على استهداف الحياة الشخصية للملك من طرف تلك الصحف والمجلات. كلهم ضربوا «الطم» وابتلعوا ألسنتهم وجلسوا يتفرجون على جرائد الرصيف وهي تسلخ جلد ملكهم يوميا وتنشر حول حياته الخاصة وحالته الصحية الأكاذيب والأضاليل. ووعيا منها بخطورة المخطط وتورط جهات أجنبية في الإمساك بخيوطه، تصدت «المساء» لهؤلاء الجبناء الذين حولوا عارضا صحيا عاديا أصاب الملك إلى مناسبة لإعلان حالة الطوارئ في المملكة. وكم كان مثيرا للاستغراب وقوف مدير المركز السينمائي على الحياد في هذه الحرب التي كانت تستهدف الحياة الخاصة للملك، إذ لم نسمع أنه حرك، ولو في الخفاء، عريضة يوقعها أصدقاؤه المخرجون السينمائيون والمنتجون والنقاد والمثقفون والصحافيون ضد اقتحام هذه الصحف للحياة الخاصة للملك. كلهم جلسوا يتفرجون وكأن الأمر لا يعنيهم بتاتا، وكأن الأمر يتعلق بملك الدنمارك وليس بملك المغرب. واليوم، عندما طالبت «المساء» بتقديم الآمر بالصرف في المركز السينمائي المغربي للمحاسبة بناء على تقارير مالية أنجزها قضاة المجلس الأعلى للحسابات، جند الصايل كل رجاله وكل وقته لحشد الدعم لشخصه والحماية لما سماه «رصيده» السينمائي وحياته الخاصة (التي، بالمناسبة، تكشفها زوجته على صفحات وأغلفة كل المجلات)، وفتح عريضة لكي يوقع عليها كل من يريد أن يستمر في حلب دعم المركز السينمائي، أو كل من لم يذق بعد من هذا الحليب ويطمع في حصته مستقبلا. وهكذا وبعد أن اعتقدنا طويلا أننا، نحن المغاربة، لدينا قضية مصيرية واحدة اسمها قضية الصحراء، اكتشفنا فجأة أنه أصبحت لدينا قضية وطنية ثانية جديدة اسمها «قضية الصايل». وبمناسبة الحديث عن قضية الصحراء، يسعدنا أن ندعوَ كل المتضامنين مع مدير المركز السينمائي المغربي في «محنته» إلى أن يقرؤوا كتاب الأسبوع الذي ننشر عرضا له في هذا العدد (ص7)، وأن يتأملوا جيدا كيف يستعمل البانتاغون الصناعة السينمائية لهوليود من أجل خدمة الأمن القومي الأمريكي. عندما ننتهي من قراءة كتاب «جان ميشيل فالانتان» الذي يحمل عنوان «هوليود، البانتاغون والعالم»، نفهم جيدا كم هي السينما أساسية ومهمة وخطيرة، ونفهم أكثر لماذا تخصص الدول ميزانيات بالملايير لدعم سينما وطنية خاصة بكل دولة. في الحالة الأمريكية، تعتبر السينما وسيلة حرب وواجهة للدفاع عن الهوية والوجود الأمريكي، أكثر من كونها مجرد فن سابع. ومن أجل ذلك تصرف الحكومة ميزانيات خيالية وتقيم مهرجانات وتنظم جوائز عالمية رفيعة من أجل التحكم في الأفلام السينمائية التي تخدم أجندتها القومية والدينية واللغوية والثقافية. إنه لمن الجهل الاعتقاد بأن السينما مجرد ترف فكري وفني يصلح لملء غرف الفنادق في المهرجانات السينمائية البراقة. إنها خندق أساسي لمواجهة الخصوم والدفاع عن الهوية والقيم المشتركة بين مواطني الدولة الواحدة. هل يعرف الصايل وأصدقاؤه أن جبهة البوليساريو تستعد لتنظيم مهرجان سينمائي في تندوف، وأنها تخطط لاستضافة نجوم سينمائيين عالميين تستطيع شهرتهم أن تجلب جميع قنوات وجرائد العالم بأسره نحوهم؟ ماذا صنع الصايل طيلة وجوده على رأس إدارة المركز السينمائي المغربي من أجل التعريف سينمائيا بقضية الصحراء؟ هل يوجد فيلم مغربي واحد -عدا فيلم «طرفاية» الذي تم تصويره في الصحراء والذي كنت والصديق إبراهيم الخطيب من أشد المدافعين عن حصوله على جائزة المناظر الخارجية في لجنة تحكيم مهرجان السينما الوطنية بطنجة عام -2006 يحكي قصة تدور أحداثها في الصحراء؟ هل توجد ضمن شخصيات الأفلام السينمائية التي يمولها المركز السينمائي شخصيات صحراوية؟ هل يوجد فيلم سينمائي مغربي واحد يحكي عن المسيرة الخضراء؟ هل توجد رائحة اللهجة الحسانية في حوار فيلم سينمائي مغربي؟ هل يوجد بطل صحراوي في قصة فيلم مغربي؟ لماذا لا يحرص مدير المركز السينمائي على فرض «كوطا» معينة للصحراء وشخوصها ومناظرها الطبيعية في إنتاج الأفلام السينمائية المغربية، تماما مثلما يحرص على فرض «كوطا» للجنس والخمور واللقطات المائعة؟ إن السينما التي تمول بأموال ضرائبنا ولا تخدم قضايانا الوطنية المصيرية ليست سينما، وإنما هي مضيعة للمال والوقت والجهد. المصيبة العظمى ليست هي أن الصايل لا يوجد ضمن مخططاته السينمائية شيء اسمه الصحراء المغربية، بل إنه تجرأ على حرمان العمل السينمائي الوحيد الذي صور، سينمائيا، معاناة محتجزي تندوف من أموال الدعم. وليس هذا فقط، بل حاصر مخرج الفيلم وأقصاه من المشاركة في المهرجانات السينمائية الوطنية التي تنظم تحت الإشراف المباشر للمركز السينمائي المغربي. وقبل أسبوع عندما ذهب مخرج فيلم «مكلومو الصحراء» إلى المركز السينمائي للحصول على ترخيص لتصوير شريطه الجديد، وجد هناك من أخبره بضرورة التوجه نحو وزارة الاتصال للحصول على الموافقة، «من دون عباد الله كاملين». فالذنب الوحيد للمخرج الشاب ربيع جوهري هو أنه صور، بميزانية خاصة، شريطا سينمائيا وطنيا مؤثرا عرض في جنيف واستطاع أن يخدم قضية الصحراء أحسن بكثير مما يصنع بعض سفرائنا الكسالى. هذا هو المدهش في المغرب.. من يحبونه ويدافعون عنه هم أكثر من يتلقون الضربات الغادرة والجبانة بسببه، ومن ينافقونه ويتملقون أعداءه وخصومه ويخدمون أجندتهم بالليل والنهار هم من يتمتع برصيده البنكي. ولهذا فنحن لا نستغرب كلام وزير العدل الذي تحدث في البرلمان عن الصعوبات التي تعترض وصول تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى القضاء. ففي مقابل الصعوبات الجمة التي تعترض وصول هذا التقرير «الخانز» إلى المحكمة، نلاحظ السهولة الكبيرة التي يتم بها إيصال «المساء» إلى القضاء بسبب إصرارها على تطبيق القانون في حق كل من تسول له نفسه المساس بأموال المغاربة. لقد كتب حسن نرايس، أحد العاطلين المزمنين عن العمل والذين تدبر لهم الصايل «بريكولا» مؤقتا ضمن لجنة قراءة السيناريوهات، مخففا ما نزل بولي نعمته مستعيرا بيتا لشاعر عراقي يقول فيه «ما ضر نهر الفرات يوما أن بالت بعض الكلاب فيه». عندما قرأت تشبيه صاحبنا لنا بالكلاب، تذكرت جواب الصحافة الفرنسية على نعت الرئيس الراحل فرانسوا ميتران لها ب«الكلاب المسعورة»، بعدما لم يستطع وزيره الأول تحمل نشر الصحافة لخبر استفادته من قرض بنكي معفى من الفوائد، فأطلق على رأسه رصاصة. لقد قالت الصحافة لفرانسوا ميتران : - إذا كنتم سعادة الرئيس تعتبروننا كلابا، فعلى الأقل أعطونا الحق في النباح...