يعتبر الأرق من الأعراض النفسية التي يعاني منها المواطنون بكثرة، وفي كثير من الأحيان ترتكب أخطاء في التعامل معه، مما يزيد الأمر تعقيدا ويزيد من معاناة المصاب به. وذلك إضافة إلى تأثيراته السلبية على صحة الفرد العضوية والنفسية. لذلك فإن اكتساب بعض المعرفة بحقيقته، وتطوره، وطرق معالجته، أمر ضروري لتخفيف تلك المعاناة. ونشير بداية إلى أن الأرق ليس مرضا، وإنما هو عرض من الأعراض. يمكن أن ينتج عن أسباب مختلفة جسدية أو نفسية. ويمكن تعريفه بأنه استعصاء النوم أو تقطعه أو انخفاض جودته. فتلك أنواع الأرق الثلاثة الأساسية. لكن لا يكفي أن يشتكي إنسان من اضطراب في نومه حتى نبدأ في علاجه انطلاقا من كونه مصابا بالأرق، بل يجب تحديد التشخيص بوجود اثنين على الأقل من الأمور التالية: 1 تجاوز مدة انتظار الدخول في النوم 30 دقيقة. 2 تقلص مجموع مدة النوم بنسبة 25 % على الأقل عما هي عليه عادة. 3 الاستيقاظ بالليل مرتين على الأقل، يسترد الفرد أثناءهما وعيه، ويشعر معهما بصعوبة العودة إلى النوم. 4 التأثير السلبي للأرق على نشاطه بالنهار. 5 استمرار الاضطراب لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على الأقل. ومن المفيد تحديد ما إذا كان الأرق في بداية الليل، أو وسطه، أو آخره. ويعتبر الأول أكثر تلك الأنواع انتشاراً. بينما يعد الأخير عادة علامة على اكتئاب داخلي المنشأ. وللأرق المزمن تأثيرات كبيرة على الصحة العامة، فالإحصائيات تثبت أن المصابين به يتسببون مثلا في ضعف حوادث السير إلى ثلاثة أضعاف تلك التي يتسبب فيها الأشخاص العاديون. ويمكن أن نقول الشيء نفسه عن حوادث الشغل والغياب عن العمل وقلة الفاعلية. وإن أول ما يجب القيام به عندما نكون أمام حالة من الأرق هو البحث عن أسبابها. وهي أسباب تنقسم إلى ثلاث مجموعات، هي: أولا أرق ناتج عن أسباب عضوية، ويشكل حوالي عشرة بالمئة من حالات الأرق. وهي أسباب متعددة، والبحث عنها يعتبر أولوية الأولويات، لأن جهلها قد يعقد حالة الشخص المعني. ومن تلك الأسباب: الآلام في بعض أعضاء الجسم أو مفاصله مثل «الظهر (توضيح)» أو «مفصل» أو «بطن» أو «صداع الرأس» أو غيرها مما يمكن أن ينتج عن مرض في أجهزة الجسم، وعلاج الأرق في هذه الحالة يكون بعلاج هذا المرض المسبب للآلام. اضطرابات التنفس التي تسبب أحيانا توقفا في التنفس أثناء النوم، وهذا قد نجده عند بعض المصابين بالتهاب القصبات الهوائية المزمن، أو بالحساسية في الجهاز التنفسي، أو الذين يعانون من الوزن الزائد. ارتداد أحماض المعدة إلى المريء، وهو يسبب عادة آلاما تشبه آلام حريق في الغشاء المخاطي للمريء، مما يؤدي إلى استيقاظ المريض عدة مرات أثناء الليل. ثانيا أرق ناتج عن أسباب نفسية. فجميع الاضطرابات والأمراض النفسية يمكن أن يصاحبها الأرق، بل ذلك هو أكثر أنواعه انتشارا. وقد أظهرت بعض الدراسات أن 40% من المصابين بالأرق لديهم اضطرابات نفسية. ومن أهمها «اكتئاب، «قلق» بمختلف أنواعه والفصام والذهان الدوري الهوسي الاكتئابي وضغوط المحيط القوية وغيرها. وفي كثير من الأحيان لا يدرك المصاب أن أرقه مرتبط باضطراب نفسي، فيعطيه تفسيرات شتى، لا علاقة لها بحالته. ومن هنا أهمية استشارة طبيب نفسي لتشخيص ذلك. ثالثا أرق ناتج عن أسباب سلوكية أو مرتبطة بالمحيط أو بنمط العيش. وهي أسباب كثيرة ومتفرقة، وتأثيراتها تختلف من شخص لآخر. ومن تلك الأسباب: تناول وجبات عشاء ثقيلة في وقت متأخر، تدخين التبغ أو الإفراط في تناول «بن (شجرة)» القهوة أو «شاي» أو تناولهما قبل وقت قصير من النوم الضجيج أو شدة الحرارة أو تغيير مكان النوم أو عدم الانتظام في مواعيد النوم والاستيقاظ، قلة المجهود العضلي أو الجسدي في النهار، ذلك أن بذل المجهود العضلي يؤدي عموما إلى شعور الإنسان بالتعب والإرهاق وبالتالي سهولة النوم وجودته. بينما قد يؤدي الخمول إلى الأرق. إن الخلاصة الأساس من هذا الاستعراض يمكن إيجازها في نقطتين: الأولى هي أنه يجب عدم الاستهانة بالأرق، وخصوصا إذا كان مزمنا، والإسراع بعلاجه. الثانية هي أن العلاج يرتبط بالأسباب، فلكل سبب العلاجات التي تكافئه. فالعضوي ليس مثل النفسي، وليس مثل الحالات المرتبطة بالبيئة ونمط العيش. وهو ما سنزيده بيانا في الحلقة المقبلة بإذن الله. سعد الدين العثماني [email protected]