فتحت العاصمة الاقتصادية، الدارالبيضاء، قلبها لاستقبال عيد الأضحى، بأجوائه، وتقاليده، وحتى نفاياته التي تتجاوز المعقول، دون أن تتحول، كعادتها، إلى مرتع كبير لنفايات من نوع خاص يصعب التخلص منها.غير أنه هذه السنة اختار عمال النظافة رفع التحدي، وصنع الحدث بالحفاظ على أنوثة ورقة ودلال المدينة الغول، التي أدهشت البيضاويين برحابها الواسعة النظيفة، بعد مرور العيد، دون أن يحركوا شفاههم بنبرة الاستهزاء، مرددين كعادتهم بأي حال عدت يا عيد! عمال النظافة بالبيضاء نجحوا في كبح جماح شبح النفايات المرتبطة بالأضاحي، وتمكنوا من الحفاظ على عليل الهواء الصباحي، في معركة بلا هوادة لمحو بقايا أحشاء الأكباش والمتبقيات من العلف المستهلك. عمال النظافة نجحوا في حمل المشعل، في يوم، تتبعثر فيه كل حسابات المحافظة على البيئة، فساهموا في ما كان يهمله نظراؤهم من مواطنين يرمون النفايات بشكل عشوائي، فوق الأرصفة وعلى جنبات حاويات النفايات، داخل أكياس بلاستيكية وخارجها، ووسط ركام الأحجار والأخشاب المفحمة، التي استخدمها أطفال ينتمون إلى أحياء سكنية شعبية، لتقديم خدمة موسمية، شي الرؤوس، يوفرون من خلالها مصاريف الجيب لمدة أسبوع. كثير من المواطنين أبهرهم خروج عمال النظافة في الدارالبيضاء، لحمل النفايات التي تلي أضحية العيد، حين كانت عقارب الساعة تشير إلى 10 صباحا، وهو الوقت الذي حرص الجميع على استغلال المناسبة لمشاركة الأسرة فرحة الالتفاف حول الأضحية، في حين حرص مهندسو النظافة على الحفاظ على أنوثة المدينة، دون أن ينكر أو يجحد دورهم أحد، إذ استقبلهم كثير من صغار وشباب أحياء سيدي مومن، والتشارك بالترحيب، بعضهم صفق لهم، وبعضهم الآخر ألقى في وجوههم ابتسامة عريضة، بل هناك شابات زغردن فرحة بهذه الإطلالة المبكرة، التي سبقت وصول عقارب الساعة إلى 12 ظهرا، بعد حلول جنود النظافة مسلحين بالآليات الجديدة، التي سخرت لحمل النفايات، والتي ما تزال لوحات ترقيمها تحمل رمز جدتها (w). لم يكتف رجال النظافة، كأعياد مضت، بإطلالة صباحية لحفظ ماء الوجه، بل تجندوا وعاودوا الزيارة بعد عصر يوم العيد، ثم مرة ثالثة بعد منتصف الليل، يحملون مزيدا من النفايات والعلف والأزبال والأحشاء المستغنى عنها، ويتحركون بحماس في كثير من المحاور الطرقية، العابرة لشوارع وأزقة تمتد من جماعة سيدي مومن، مرورا بعمالة مولاي رشيد، ووصولا إلى الحي الحسني، حتى تمكنوا من جمع أكثر من 4 آلاف طن من النفايات، خلال اليوم الأول من العيد وحده، دون احتساب يومي ثاني وثالث العيد. أكثر من ألفي عامل نظافة داخل الدارالبيضاء، يكنسون بلا هوادة، ساعدتهم في ذلك شركات التدبير المفوض للنفايات، التي ينتمي إليها أغلبهم، في تمكينكم من العمل بأكثر من 200 شاحنة حديثة، لتنفيذ خطة جمع النفايات، في وحدات وخلايا موزعة بتدقيق، مطبقين توجيهات أكثر من 30 إطارا إداريا، سعوا معهم إلى إنجاح المهمة. عمال النظافة، الذين تحولوا إلى أبطال، حافظوا على الروح الجمالية للمدينة، لم يكن نصيبهم، من خروجهم في صباح العيد غير منحة مالية قدرها 250 درهما، من مشغليهم، لتحفيزهم على العمل ولإعطائهم نفسا جديدا لمزيد من التضحية، لكن رجال النظافة لم تحركهم الدريهمات، بقدر ما حركتهم أشياء دفينة فيهم جعلت عطاءهم سخيا، فرموا بوجوههم في القذارة لأجل المحافظة على المدينة، التي عودتنا على تلطيخ وجهها مع إطلالة كل عيد.