أدانت الغرفة الجنحية التلبسية بالمحكمة الابتدائية بالجديدة، أخيرا، بثلاثة أشهر حبسا نافذا، متهما أحيل، في حالة اعتقال، على النيابة العامة بمحكمة الدرجة الأولى، من أجل "النصب والاحتيال، وانتحال مهنة ينظمها القانون، تنص السلطة العامة على شروط اكتسابها".وحسب الوقائع المضمنة في المسطرة التلبسية، التي أنجزتها الضابطة القضائية، فإن المشتبه به، ويدعى نور الدين، في عقده الخامس، يتحدر من الدارالبيضاء، مطلق، وله طفل، وعاطل عن العمل، كان قادما، مطلع شهر أكتوبر الماضي، على متن حافلة لنقل المسافرين من الرباط إلى الدارالبيضاء، وتجاذب أطراف الحديث مع راكب يدعى محمد، واستفسره عن ظروفه المادية والاجتماعية، وتبين له أنه عاطل عن العمل، ولحظتها، أبدى رغبته في مساعدته، عن طريق توفير عقد عمل، يمكنه من السفر والعمل بالديار السعودية. قدم نور الدين نفسه إلى محمد بهوية مزيفة، على اعتبار أنه يدعى الجيلالي، وقبل أن يفترقا، تبادلا أرقام هاتفيهما المحمولين. أواخر شهر أكتوبر الماضي، حسب المسطرة ذاتها، اتصل الجيلالي أو بالأحرى نور الدين بمحمد، وطلب منه الحضور إلى الدارالبيضاء، وبمعيته مبلغا ماليا حدده في 4000 درهم. وبالفعل، انتقل محمد من أزمور إلى العاصمة الاقتصادية، حيث التقى في المكان والموعد المحددين، بالمدعو نور الدين، وسلمه المبلغ المطلوب، ونسخة من بطاقة تعريفه الوطنية. لحظتها، أخرج نور الدين من جيبه وثيقة، أفصح أنها تخص سفارة المملكة العربية السعودية بالرباط، واستفسر محمد عن هويته، وبياناته الشخصية، التي عمد إلى تدوينها في الوثيقة، وطلب منه إنجاز جواز السفر، والبحث عن شخص ثان، يرافقه إلى الديار السعودية. وإثر عودته إلى أزمور، تبين لمحمد أنه كان ضحية للنصب والاحتيال، ما حذا به إلى تسجيل شكاية في الموضوع، لدى مفوضية الشرطة بالمدينة نفسها، ووضعت الضابطة القضائية كمينا محكما للمشتبه به، الذي حضر إلى آزمور، في الموعد المحدد، بعد أن اتصل به محمد، لإتمام الصفقة التي تهم مرافقه الشخص المزعوم إلى السعودية، الذي كان نور الدين طلب إحضاره. وبإحدى المقاهي، سلمه محمد مبلغ 200 درهم، لتبيان حسن نيته في الرغبة في الحصول على عقد عمل لزميله مزعوم، يدعى فهمي، لكنه تأخر عن الحضور إلى اللقاء، لأسباب قاهرة. وفي تلك اللحظة، تدخلت عناصر الضابطة القضائية بالزي المدني، وأوقفت المشتبه به، الذي ادعى وقتها أنه يدعى عبد الله، منتحلا من ثمة هوية مزيفة. وأسفر الجس الوقائي، عن العثور بجيبه على وثيقة طلب الحصول على تأشيرة المملكة العربية السعودية، واحدة فارغة، والأخرى ضمنت فيها بيانات تتعلق بالضحية محمد، فضلا عن هاتفين محمولين، ومبلغ مالي قدره 200 درهم، الذي كان تسلمه لتوه، وشارة تتوسطها نجمة حديدية. وجرى إشعار النيابة العامة بالنازلة، التي أمرت بوضع المشتبه به، تحت تدبير الحراسة النظرية، والانتقال بمعيته، عملا بمقتضيات حالة التلبس، إلى منزله الكائن بالدارالبيضاء، للقيام بعملية التفتيش، التي أسفرت عن العثور على 7 نسخ لأوسمة ملكية، و4 نسخ لطلب تأشيرة سفارة المملكة العربية السعودية، وشهادة اعتراف بالدرجة، مسلمة من الجامعة الملكية للكراطي، ونسخة استدعاء لإجراء فحص، باسم شخص يدعى موسى، ووصل تسلم وثائق الهوية، وورقتين ذات لون أصفر فارغتين، وبهما رمز المملكة العربية السعودية، وملف أزرق، يخص مصلحة الأمن الخاص بالقصر الملكي، وصورة فوتوغرافية مزيفة ومركبة بالسكانير. وخلال إخضاعه للبحث، أدلى المشتبه به بهويته الحقيقية نور الدين، وأقر بكون الوثائق والمطبوعات المحجوزة، تخصه، وأنه كان يستعملها في أفعاله الإجرامية، وكذا، لإقناع ضحاياه بعلاقاته المتشعبة، مع أطر وشخصيات وازنة. وأبانت التحريات عن أنه ولج سلك الشرطة سنة 1991، ثم التحق بالأمن الخاص بالقصر الملكي، وتدرج في مهام أمنية مختلفة، إلى أن جرى إبعاده، وإلحاقه بالأمن الإقليمي لخنيفرة. وتأزمت وضعيته، إثر تعرضه ووالده، لعملية نصب واحتيال، ضيع فيها الأموال التي كان راكمها من عمله، وكذا تلك التي كان اقترضها من إحدى شركات السلف، ما عجل بوفاة والده. وازدادت معاناته، من ضنك العيش، بسبب الاقتطاعات المالية، التي كانت تباشرها شركة القروض، من راتبه الشهري الهزيل، الذي ظل يتلقاه، ما جعله دائم التنقل إلى الدارالبيضاء، لإيجاد حلول لورطته، والبحث عن منزل يأوي أسرته. وأصبح من ثمة كثير التغيب عن العمل، والإدلاء بشهادات طبية فاقت 6 أشهر، وكانت سببا في طرده من سلك الأمن الوطني، ودخل جراء ذلك، عالم الإجرام، من بابه الواسع، إذ أصبح يحتال وينصب على ضحاياه، الذين كان يوقعهم في شراكه. وإثر تورطه في قضية نصب وسرقة سنة 2004، جرت إحالته على ابتدائية أكادير، والتي وضعته رهن الاعتقال الاحتياطي، لمدة 3 أشهر.