من المتوقع أن يناقش مجلس النواب، خلال دورة أكتوبر الجارية، مشروع قانون رقم 31 08، القاضي بتحديد التدابير القانونية والزجرية اللازمة لحماية المستهلك، بعدما تأجل طرحه مرات عدة، بسبب خلافات حول النص، وتباين المواقف حيال العديد من المقتضيات.السلطات مدعوة إلى المساهمة في بناء ثقافة استهلاكية حقيقية في المجتمع (خاص) وشهدت المجالات المرتبطة بالاستهلاك، في السنوات الأخيرة، تطورات سلبية عدة، ومن ذلك، على وجه الخصوص، ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وبيع منتوجات مغشوشة، كما هو الشأن بالنسبة إلى سخانات الماء، واستشراء ظاهرة التهريب، والإعلانات الكاذبة، ما أضر بالمستهلك، وأفقده الثقة في الكثير من المنتوجات. ومن الانعكاسات التي تضر بالمستهلك أيضا، استمرار ظواهر خطيرة على صحة المستهلك، مثل تهريب المواد الغذائية وتسويقها، دون مراعاة شروطها الصحية، وعرض منتوجات استهلاكية، في الأرصفة، كما هو الحال في أرصفة درب السلطان بالدارالبيضاء، حيث استحوذ "الفراشة" على معظم أزقة منطقة كراج علال. وأصبحت مسألة إخراج قانون حماية المستهلك إلى الوجود "ضرورة ملحة"، خاصة أن التزامات المغرب الدولية، وارتباطه مع الكثير من الدول والتجمعات، في إطار التجارة الحرة، تفرض عليه إيلاء قضية سلامة المستهلك، وحمايته، كامل الاهتمام. وحسب شمس الدين عبداتي، رئيس المنتدى المغربي للمستهلك، فإن "التفاصيل التي تضمنها النص، والتناقضات التي شابت بعض بنوده، إضافة إلى تداخل الاختصاصات، بين الجهات المكلفة بالمراقبة، والزجر، كل ذلك أدى إلى تأخير المشروع عن إخراجه إلى الواقع". ويرى رئيس "جمعية بييا لحماية المستهلك بالحسيمة"، أن حماية المستهلك "تجري من خلال إرساء حقوقه، خصوصا حقه في اختيار المنتوج الذي يريده، والتعويض عن الضرر، ورد السلع المعيبة، وحقه في الحصول على المعلومات الدقيقة، التي تبين خصائص ومكونات السلع، أو المنتجات، أو الخدمة وأسعارها، وحقه في احترام ثقافته وعاداته، وفي الإنصات إليه، والاستماع إلى آرائه، والعناية بصحته وسلامته. وأكد رئيس الجمعية، جهاد مصلح، في مداخلة له، ضرورة تكثيف جهود الجهات المسؤولة، بتعاون مع المجتمع المدني، لحماية المستهلك، عن طريق التحسيس والتوعية، حتى لا يذهب ضحية سلوكات وممارسات تجارية غير مسؤولة، تعتمد الغش والاحتيال والتهريب، والتطاول على القانون، لتحقيق أرباح غير مشروعة. ويعتقد رئيس الجمعية أن ظاهرة تهريب المواد والسلع، وبيعها للعموم، تشكل خطرا على المستهلك، لاسيما أنها تكون غير مستوفية لشروط السلامة الصحية، مشيرا إلى أن هناك منتوجات غير مطابقة للمواصفات المغربية المطلوبة في الإنتاج الصناعي، كما هو الحال بالنسبة إلى سخانات الاستحمام، التي ما تزال تفتك بالعديد من المواطنين، والمنتجات الكهربائية، ولعب الأطفال، والأثواب والملابس، فضلا عن مواد البناء. وكان المشروع عرض للتشاور بين الدوائر المختصة وهيئات المجتمع المدني المعنية بقضايا الاستهلاك، لمدة سنتين تقريبا. فمن أكتوبر 2006، تاريخ دراسة المشروع في مجلس الحكومة، إلى أكتوبر الجاري، طرح للنقاش وإبداء الملاحظات، بين الدوائر الحكومية، من جهة، والمصالح المختصة، من جهة ثانية، والجمعيات المعنية بالمستهلك، من جهة ثالثة. ويهدف المشروع إلى تنظيم العلاقة بين المهنيين والمستهلكين، كما أكد أحمد رضا الشامي، وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، أخيرا، إذ "يحقق نوعا من التوازن بين المستهلكين والمهنيين"، من خلال التنصيص على "مجموعة من الإجراءات المهمة"، منها "إلزامية إعلام المستهلك من طرف الممون بالثمن والمواصفات التقنية، وحماية المستهلك من الشروط التعسفية وعيوب المواد، وتحديد كيفية تطبيق الضمان التعاقدي، أي الخدمة بعد البيع". وتشمل الإجراءات أيضا، حماية المستهلك في مجال قروض الاستهلاك والعقار، عبر الإخبار المسبق بشروط القرض وحق التراجع، وتنظيم بعض الممارسات التجارية (البيع بالتخفيضات والإشهار المقارن والإشهار الكاذب)، ودعم جمعيات حماية المستهلك، ليكون في إمكانها "الحصول على صفة المنفعة العامة، من أجل خدمة المستهلكين، واللجوء إلى العدالة للمطالبة بحقوقهم". ويرى الشامي ضرورة "بناء ثقافة استهلاكية" جديدة، من خلال جمعيات حماية المستهلكين. وقال إنه، رغم وجود أزيد من 30 جمعية مهتمة، إلا أنها لا تتوفر على صفة المنفعة العامة، ولا على الموارد المالية والبشرية الكافية للاضطلاع بدورها كاملا.