تحتضن فيلا الفنون بالرباط من 8 أكتوبر الجاري وإلى غاية 20 نونبر المقبل، معرضا تشكيليا للفنانين، المغربية ليندا مفضل، والبريطاني روجي ديفيس، تحت شعار " ملتقى النظرات"وتهدف من ورائه مؤسسة "أونا" منظمة المعرض، إلى الكشف عن الأعمال الفنية لهذين الفنانين، التي تحتفي بالمغرب وبمدنه، وعمرانه، وأناسه المهمشين، التي ستلتقي عبر جدران فيلا الفنون، لتقدم أعمالا تتباين على مستوى أسلوب الاشتغال، وتلتقي في مجموعة من مواضيع اللوحات، التي تسعى للكشف عما يختفي وراء الظلام. بمجرد ما تطأ قدماك معرض الفنانين: المغربية ليندا مفضل، والبريطاني روجي ديفيس، تطالعك لوحات جميلة، يمتلك أصحابها حسا إبداعيا عاليا، تجلى من خلال اشتغالهما على المغرب، أناسه، وطبيعته، واهتمامهما بالأشياء غير المألوفة، أو تلك التي لا يلتفت إليها الناس عادة فلوحات الفنانة ليندا مفضل، المغربية، التي تعيش وتعمل متنقلة بين باريس والرباط، تحبل بالكثير من الدلالات، وتقدم أسلوبا مختلفا في الاشتغال على اللوحة، أسلوب يعتمد بالأساس على الصورة الفوتوغرافية، التي تتخذها الفنانة كأساس "كروكي" للوحتها، التي تأخذ فيما بعد شكلا مختلفا وجميلا، ينسلخ عن الواقع اليومي. وتعبر أعمالها عن مهارة فريدة لا يمكن وصفها بالاستثنائية أو العابرة، لأنها تملك بعضا من الخصوصية، تبرز في اعتماد الفنانة على العديد من الصور الفوتوغرافية، التي تستمد منها العناصر الضرورية لتشكل لوحتها النهائية، المعتمدة على العمل الدقيق المبني على رسم إعدادي محدد، وريشة ماهرة تعطي أهمية لأدق التفاصيل. وعن طريقة اشتغالها على اللوحة صرحت الفنانة ليندا مفضل ل "المغربية" أنها تشتغل عبر مراحل "أفكر، وأنظر حولي، ثم أشرع في أخذ مجموعة من الصور للأشياء التي تثيرني بنفسي، وبعدها أشرع في العمل، الذي يتطلب مني وقتا طويلا، لأنني لا أحافظ على تلك الصور الواقعية، بل أكسرها وأبنيها من جديد، وأهتم كثيرا بالظلال والألوان، التي تتخذ ملمحا أساسيا للوحاتي". وأضافت مفضل أنها تختار للوحاتها حالات عابرة وتلقائية، تلتقطها عينها وتستغلها في عدة أفكار: حركات، وأشخاص يقومون بتصرفات عادية، لتقدم لحظات متلاشية، حالات لها حيز ضئيل من الزمن، وتبحث بذلك في جزء من الزمن غير المفيد نوعا ما: زمن الانتظار. وقالت إن النظرة "تحتل مكانة مهمة في عملها، فهي لغة كاملة، فأنا لا أتوقف من النظر حولي، في الشارع، في المحلات، وفي الجولات، وحتى من نافذة الطائرة، فالضوء يثيرني، وهو أساسي أيضا في لوحاتي، أما الأفكار فتخلق في ذهني أو في عقلي الباطن، وتنطلق من إحساسي بالأمكنة والناس". تستمد ليندا مفضل، التي تعمل رسامة وفنانة الخطوط لدى "بويزري بروميير" لأغلفة دواوين القصائد، لوحاتها من المناظر الحضرية التي رأتها في أسفارها العديدة، فتقول: "يشد اهتمامي كل ما يقوم به الإنسان، وخاصة حركته، فمثلا، تدهشني السيارة، والقطار، والطائرة، وحشود المارين، وكل ما يتحرك، إن مظهر الناس الذين يجلسون في مقهى بانتظار شيء ما له دلالات كثيرة بالنسبة إلي". أما الفنان البريطاني روجي ديفيس، الذي يقيم ويشتغل بالمغرب منذ 19 سنة، فقد وهب حياته للرسم، وهو اختيار لم يحد عنه، حتى لما استقر في المغرب سنة 1990، إذ أتقن خمسة أنماط طيلة 30 سنة، لكنه لم يجد نفسه في أي منها، بل وجده فيما أقبل عليه منذ عشر سنوات في المغرب، وهو البحث عما وراء المشهد التزييني للوحة، التي يجب أن ترتفع، برأيه، عن تزيين بهو المنزل فحسب. من "طائر وحيد في تمارة"، و"بائع السجائر بالتقسيط بطنجة"، إلى "المدينة المنسية سيدي قاسم"، و"مهرجان بمناسبة المسيرة الخضراء"، تطالع لوحات الفنان ديفيس زائر معرضه، وتدهشه بالمواضيع التي تتناولها، والنظرة التي يقدمها عن المغرب المنسي، وغير المنسي، لدرجة تجعل الزائر يعتقد أن الأمر يتعلق برسام مغربي، وليس بريطانيا. وفي تصريح ل"المغربية" ذكر الفنان البريطاني روجي ديفيس أنه من السهل تقديم عمل مبهم، ولكنه من الصعب تقديم عمل واضح، لأن الوضوح يفرض نفسه ويجذب الأنظار لدرجة العمى. وأشار إلى أن مساره مع الرسم والصباغة بالمغرب يتوزع على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى من 1990 و1993 بأكادير، من 1993 إلى 1997 بالرباط، ثم من 1997 إلى اليوم بالرباط. وتعبر لوحات ديفيس، التي رسمتها بأكادير، عن نظرة سطحية للمغرب، تمثلت في ألوان جريئة ولمسات حادة، وما كانت هذه الطريقة إلا استرسالا للنمط غير التصويري الأخير، الذي نهجه في فترة وجوده ببريطانيا. ثم جاءت المرحلة الانتقالية التي ابتعد فيها عن الألوان وعن إيضاح اللمسات، فبدأ يعتمد على اللون الرمادي. وقد مكنته هذه التغييرات، من أن يرسم لوحات بعيدة عن أنها تطبيق للتقنيات، أو اعتماد على الألوان، وبهذا أصبحت أهمية اللوحة تتركز في موضوعها. أما المرحلة الأخيرة، التي ما زال يعيشها الفنان، فهي ما كان يصبو إليه طيلة حياته، إذ أصبح الموضوع يحتكر كل الاهتمام، وتنساق التقنية لخدمته. وحول هذه المرحلة قال ديفيس: " كان لا بد أن آتي إلى المغرب حتى أنمي فني، فبعد أن ابتعدت عن محيطي المألوف، بدأت حواسي تتيقظ. لا شك أني لست أول فنان ينتقل للعيش في منطقة غريبة عنه، حتى يكتشف مساره الفني، فإن تصفحنا كتب تاريخ الفن، سنجدها تعج بمسارات مماثلة". وأضاف ديفيس أنه لا يسعى إلى رسم لوحة لتستعمل غرضا تزيينيا، وإنما يود رسم لوحة تعبر عن المكان، والأشخاص، والبيئة المحيطة، تكون جديرة بالتصديق، وتتحدى الذهن في الوقت نفسه. وقال: "قد تثير إلهامي عناصر مثل الوحدة، والمهمشين، والمشاهد العادية، بينما لا أنتبه ولا يمكن أن أنتبه لمشهد جميل، أو رائع أو جذاب".