كشفت أشغال التنقيب الأركيولوجي، التي ينفذها مختصون مغاربة وأجانب في كل من الموقعين الأثريين، "البنيان" الذي يقع في منطقة "الجوامعة" على طريق تطوان-طنجة، وموقع "أقواس برييش" الواقع بين طنجة وأصيلة.جانب من الحفريات الأثرية التي تشمل مواقع تاريخية في منطقة الشمال منذ الأول من شهر يوليوز الماضي، عن أن مهام البحث الأثري خارج الأراضي المحددة والمصنفة، تعترضها صعوبات ناتجة عن اعتراض بعض ملاكي العقارات، التي تأوي تلك المواقع الأثرية، بسبب عدم توفر فريق البحث التابع لوزارة الثقافة لأي وثيقة قانونية، تخول لهم التحرك بحرية ودون إحراج". أفادت مصادر جمعوية من "رابطة حماية المستهلكين" في جهة طنجة - تطوان، "المغربية"، أن وزارة الثقافة تشتغل فوق تلك الأراضي دون حيازتها، لما يثبت ملكيتها لتلك المواقع، في مقابل توفر ملاك الأراضي لأوراق ثبوتية تمنحهم جميع صلاحيات التصرف فيها". ويرى أعضاء الجمعية المذكورة، أن مطلب تحديد ملكية تلك الأراضي يعد "من أولى الأولويات بعد سلك مسطرة نزع الملكية لأراضي الخواص، التي يوجد عليها من خلال التراضي مع السكان وتحديد الموقع بشكل قانوني، أو تعويضهم عن الاستغلال أو الدخول معهم في شراكة لاستغلال الموقع، في مقابل إثرائه والحفاظ على وجوده واستمراره، وفق دفتر للتحملات تتم صياغته بشكل مدقق من طرف الجهات المختصة في الآثار أو عن طريق نزع الملكية". وأوضحت المصادر أنه رغم هذه الصعوبات الواقعية، فإن أصحاب الأملاك "تعاطوا بإيجابية مع هذه المبادرة، وتطوعوا للعمل في الحفريات إلى جانب الفريق، كما أعلن البعض منهم عن عرض ملكه للبيع لفائدة المشروع الأثري مقابل تعويض، موازاة مع تنفيذ مبادرات للتنقيب الأثري في المنطقة، تبعا للوجود الفعلي للآثار، وليس بموجب حيازة أوراق للملكية". وفي هذا الإطار، أوضح نور الدين القادري، مالك العقار (الربوة )التي تمثل الجزء الشرقي من الموقع التاريخي "أقواس برييش"، ل"المغربية"، أن هذا الجزء كان في ملك آبائه وأجداده، استغلوه في الرعي وتوفير العشب للماشية قبل أن تتم تعريته سنة 1964 للتنقيب عن الآثار، مبينا أن العائلة ظلت، منذ ذلك التاريخ، تتولى مهمة حماية الموقع من الترامي والاندثار. وذكر نور الدين القادري أن يستند إلى ذاكرة بعض سكان المنطقة الذين لا يزالون على قيد الحياة، والذين يعود لهم الفضل في اكتشاف الموقع بالصدفة سنة 1964، إذ عثروا على جب عميق (مطمورة ) مكسو بالرصاص وبداخله آلاف القطع الأثرية، التي أخرجت تحت إشراف لجنة تابعة لوزارة الثقافة. ويشكو القادري، كغيره من الملاكين، من توجه البحث والتنقيب نحو أراضي المقبرة الإسلامية، شمالا، وأراضي الخواص في مختلف الاتجاهات دون سند قانوني ودون إشعار الملاكين والتفاوض معهم، ما تسبب في وقوع مشاداة بين الطرفين في بعض المواقع، ووقف أشغال تنقيبهم الأثري. وتحدثت عن أن التحديد، الذي اعتمدته وزارة الثقافة سنة 1964، ظل مقتصرا على تلك الربوة دون تجاوزها إلى ما حولها من الأراضي الفلاحية التابعة للخواص. وأكد القادري أنه "لا يعارض وجود الموقع ولا عملية البحث والتنقيب عن الآثار، استنادا إلى وعيه بأهمية صيانة المواقع الأثرية لكونها رصيد وطني، وعن استعداده للتعاون للحفاظ على الموقع الأثري، الذي يقع فوق عقاره، إلا أنه يطالب والي طنجة - تطوان ومدير الوكالة الحضرية باتخاذ جميع السبل القانونية لحماية حقه المشروع في التعويض عن استغلال أرضه، ورسم حدود الموقع بالشكل الذي لا يضر بمصالحه ولا يهدد استقرار عائلته. ودعا القادري المسؤولين إلى وقف الزحف العمراني، الذي تعرفه المواقع العمرانية في المنطقة، وإلى إعادة النظر في تصميم التهيئة الخاص بمنطقة "برييش"، الذي حصر المنطقة الأثرية في حدود ما كان معروفا ومشاهدا للعيان، بينما كان الصمت على مواقع أخرى مهمة تم تحويلها إلى مناطق للبناء، ومنحت فيها رخص ساهمت في تدمير عدد من المباني الأثرية التي لا زال بعضها ملحقا ببعض الفيلات الخصوصية، كما أتلف البعض الآخر بشراسة". ويتعلق الأمر، حسبه، بآثار كهوف ومقابر وبناءات تشهد على أحقاب الزمن الماضي، ولا زال الكثير منها يقبع تحت إسفلت البنايات التي نبتت على الواجهة الشاطئية لمنطقة "برييش". وذكر نور الدين القادري أن "المشكلة تكمن في غياب التنسيق بين الأطراف المتدخلة، وأساسا بين مكتب الدراسات الذي أعد مشروع تصميم التهيئة سنة 1992 وبين وزارة الثقافة، وما بين الجماعة القروية والوكالة الحضرية، مشيرا إلى أن المجلس البلدي الذي صادق على التصميم سنة 2004، كان يفتقر للمعطيات الكافية لاتخاذ القرار الصائب وغير المتعجل. واعتبر أن العمل الحالي، يجري بشكل متعارض مع المسح الطوبوغرافي المعتمد في تصميم التهيئة المذكور، بسبب ما أسماه ب"إقحام الأملاك الخاصة وتجاوز الحدود المرسومة من طرف تصميم التهيئة".