عاد نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وخبراء في البيئة يطرقون من جديد ناقوس انتشار الغبار الأسود بالقنيطرة، ويطالبون الجهات المسؤولة بالتدخل من أجل حماية صحة سكان المدينة. وفي هذا السياق، قال منير مسيتة، باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة ابن طفيل القنيطرة، رئيس منتدى البحث الجغرافي في البيئة والتنمية، ل «الصحراء المغربية»، إن القطب الحضري للقنيطرة شهد نموا ديموغرافيا متسارعا، رافقه تزايد على مستوى احتياجات السكان منها الطاقة، وكما هو معلوم فالمحطة التي توجد بالقنيطرة التي تعتبر إحدى أقدم المحطات الكهربائية بالمغرب تشتغل بالفيول الثقيل، الذي ينتج مجموعة من الملوثات التي تغزو الغلاف الجوي. وأضاف مسيتة» لقد شاهدنا في كثير من الحالات عدة أسطح مغطاة بالغبار الأسود الذي يعتبر مادة خطيرة على الصحة التنفسية للإنسان وقد يسبب أمراضا مسرطنة، وحسب بعض المستجوبين ممن هم بمحيط المحطة الكهروحرارية فإن معظم أطفالهم (إن لم نقل جميعهم) يعانون من أمراض مرتبطة بضيق التنفس والحساسية بعد الولادة مباشرة». وأكد الباحث نفسه، أنه رغم بعض المعايير التي حددتها القوانين المغربية في هذا المجال، من توقف المحطة سالفة الذكر لسنتين بعد تدخل الجهات المعنية والاحتجاجات التي قام بها السكان بمعية الجمعيات، إلا أنها عادت للاشتغال قبل عدة أشهر ليعود معها ظهور الغبار الأسود، بحيث أضحت جودة الهواء تتدهور بمدينة القنيطرة ليدقّ ناقوس الخطر بابها من جديد. ومن هذا المنطلق يرى رئيس منتدى البحث الجغرافي في البيئة والتنمية، أنه من الضروري إجراء تقييم دوري لجودة الهواء بمحيط المدينة مع وضع محطات ثابتة للمراقبة بالمناطق القريبة من محطة الطاقة الكهروحرارية، والبحث عن بديل مستدام للطاقة خاصة أن المدينة على مقربة من البحر وما يمكن أن يوفره في إنتاج الطاقة. كما يطالب المتحدث بالنشر الاستباقي للمعلومات المتعلقة بجودة الهواء لما لها من أهمية على مستوى البحث العلمي الذي يعد لبنة أساسية في إيجاد الحلول، والاستفادة من الدراسات والأبحاث المنجزة على مستوى الجامعات المغربية في إطار الشراكة وتثمينا للنتائج في أفق تحقيق أهداف التنمية المستدامة. من جهته استدل مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية، في تصريح ل «الصحراء المغربية»، حول مسببات الجسيمات العالقة وأثرها على جودة الهواء والصحة، على بعض نتائج دراسة علمية حديثة للدكتور جواو نونو (نونبر 2018) تقول إن الجسيمات هي معقدة من المواد أو المعادن أو المواد العضوية، التي يتم تعليقها في الغلاف الجوي في صورة سائلة أو صلبة، ويمكن أن يتراوح حجمها من بضع عشرات من النانومترات إلى مائة ميكرومتر. وفي ظل هذه الوضعية، يقول بنرامل يعد تحسين جودة الهواء وتقليل تركيز الجسيمات في الغلاف الجوي أمرا ضروريا لتحقيق قدر أكبر من التحكم في تلوث الهواء عند المصدر وتقليل آثاره من أجل الحفاظ على صحة الإنسان والبيئة والمواد، التي شغلت الرأي العام على مستوى مدينة القنيطرة خاصة والوطني عموما، تقدم جمعية المنارات الإيكولوجية بعض التوصيات للحد من ظاهرة الغبار الأسود. وتدعو جمعية المنارات إلى اعتماد تدابير تشريعية وأدوات ملائمة بما في ذلك الخطط والبرامج لمراقبته وتحسينه على المستوى الوطني والمجتمعي، ومن أجل تنفيذ هذه التدابير والأدوات وتنفيذها تقول» إنه من الضروري تطوير تنفيذ سياسة جودة الهواء المحدثة بالمغرب، والاستفادة من أحدث المعارف العلمية والإدارة المناسبة للالتزامات وأوجه التآزر بين الأهداف المناخية والبيئية بحيث لا يمكن فقط تعزيز البيئة والمرونة المناخية ، لكنها تحقق أيضا فوائد اجتماعية واقتصادية مهمة ، بما في ذلك الصحة العامة». وتحث الجهات المعنية على تحديث ومراقبة ونقل البيانات للتحكم في الجسيمات العالقة، وتتبع الانبعاثات الملوثة بهواء المدينة بشكل عام والجسيمات الدقيقة عند المصدر من خلال تركيب واستخدام أفضل التقنيات والمعدات المتاحة غير الملوثة ونشر تقاريرها للعموم، ثم اعتماد تدابير صارمة لمنع تلوث الهواء والحد من الانبعاثات الغازية الملوثة، مثل التحول إلى وقود أنظف، والاستخدام البديل لمصادر الطاقة المتجددة، ومصادر طاقة جديدة أكثر كفاءة وأنظف (الرياح، والمياه، والطاقة الشمسية، وتثمين الكتلة الحيوية للزراعة) استجابة لاعتبارات المناخ أو أمن الإمداد، واستخدام وسائل نقل أقل تلويثا. ولم تنس الجمعية المطالبة بتنظيم حملات تحسيسية وتوعوية واسعة لنشر المعلومات المرتبطة بجودة الهواء محليا ووطنيا، ووصف لمحة عامة عن المتغيرات والعوامل الرئيسية التي تحدد وتربط وتفهم المتغيرات المتنوعة ومتعددة التخصصات التي تساهم في تركيز الجسيمات في البيئات الحضرية المرتبطة بالتأثيرات الصحية لمختلف وسائل الإعلام، ولعموم المواطنين بأسلوب مبسط حتى يتم إشراكهم في مناقشة كل المخططات والبرامج المرتبطة بالاستراتيجية المحلية بهدف التدخل في فعالية تشريعات جودة الهواء والانبعاثات من خلال تعزيز تنفيذها. يشار إلى أن جمعية أوكسجين للبيئة والصحة نظمت، أخيرا، بشراكة مع منظمة "غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، لقاء شددت خلاله على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية ومستدامة من أجل حماية صحة المغاربة، عبر إبعاد المناطق الصناعية عن وسط المدن الكبرى، من أجل تفادي آثار الغبار الأسود الذي يتسبب في التلوث. وفي هذا الصدد، أطلقت الجمعية عريضة إلكترونية لجمع التوقيعات وحشد الرأي العام والمواطنين حول قضية الغبار الأسود بمدينة القنيطرة. وبعد عودة ظهور الغبار الأسود في سنة 2021 بمدينة القنيطرة، عمل المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث بتنسيق مع السلطات المحلية، بتعبئة الوحدة المتنقلة لرصد جودة الهواء المجهزة بمعدات قياس خاصة بالغبار الأسود، من أجل القيام بتحليلات إضافية بمختلف المواقع التي من المحتمل أن تعرف تلوثا بهذا الغبار، وذلك في أفق إعداد تقرير تقني حول نتائج القياسات من أجل تقديمه إلى اللجنة الإقليمية لتمكينها من إقرار التدابير واتخاذ الإجراءات وفقا للقوانين الجاري بها العمل. وأكد المختبر أن الوقود الذي تستخدمه المحطة مطابق للمعايير الوطنية حسب تصريح للمدير الجهوي للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب والكهرباء، وفي إطار السياسة البيئية، فإن المحطة الحرارية والعنفات الغازية بالقنيطرة تشتغل وفق نظام الجودة لمعيار ايزو ISO 9001، كما أنها تعمل على تنفيذ معايير الجودة البيئية 14001 بمعية شركة خاصة قصد الحصول على شهادة الجودة في هذا الصنف. وأبرز، أيضا، أن مراقبة جودته الوقود وعملية الاحتراق بالمحطة تتم بطريقة مستمرة، قصد تقليص حجم الانبعاثات الناتجة عنها، كما تخضع معدات المحطة لإجراءات الصيانة، بما في ذلك جميع المعدات التي تدخل في عملية الاحتراق للتقليل من حجم الانبعاثات، وبهدف تحسين الأداء البيئي للمحطة.