تعتبر المحنة التي عاشها الطفل ريان بسبب سقوطه داخل بئر عمقه تجاوز 30 متر قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، بقرية إغران بجماعة تمروت نواحي شفشاون، خير دليل لما تشكله الآبار المستعملة أو غير المستعملة التي لا تتوفر على سياج واق لها أو غير مغلق، من مخاطر كبيرة على المارين من قربها وخاصة الأطفال الذي يكون في غفلة من الأمر قبل حدوث ما لا تحمد عقباه. وتستدعي هذه الحادثة التي أشغلت العالم لمدة خمسة أيام وأثارت انتباه الملايين من الناس حول العالم الذين أشادوا كلهم بحس المسؤولية والخبرة لدى الفريق الذي اشرف على عملية إنقاذ الطفل ريان، ايلاء المزيد من الاهتمام لمثل هذه الآبار التي تنبث هنا وهناك والتي اغلبها لا تستوفي الشروط الضرورية لانجازها، والقيام بإحصاء عددها ورصد المخاطر التي قد تنتج بسببها علاوة على اتخاذ التدابير الملائمة لإغلاقها أو ردمها لإبعاد المخاطر التي تحدق بالساكنة المجاورة لها. وفي هذا الصدد، تعتبر مدينة مراكش ونواحيها أحد المناطق التي تتوفر على مجموعة من الآبار سواء تلك التي تعد جزء من تراث المنطقة باعتبارها كانت تدخل في إطار شبكة تزويد المدينة بالماء، أو الأخرى المحدثة والتي لا تراعي في مجملها معايير السلامة والتي ارتفع عددها بشكل كثير بفضل استعمال المعدات الحديثة. لكن مع التوسع العمراني الذي عرفته المدينة بعيد تحقيق الاستقلال ولاسيما خلال فترة التسعينات من القرن الماضي ونتيجة غياب وجود إستراتجية واضحة لحفظ النظام السقوي البدائي الذي يشكل إحدى معالم الذاكرة الجماعية للمغاربة اختفت العديد من الخطارات وتم ردم أغلبها، لتحل محلها مجمعات وتجزئات سكنية، لتبقى خطارة "عين طاهر" بحي الشرف بتراب مقاطعة جليز الوحيدة الواضحة المعالم المتبقية بمدينة مراكش التي استطاعت مقاومة الزحف العمراني وكانت حتى عهد قريب مصدرا مائيا لرونق واحة خضراء متنوعة المغروسات. الوضع الراهن للعين المذكورة، التي طالها الإهمال، دفع بفدرالية المنار للوحدة والتضامن التي تضم عددا من الجمعيات إلى التحرك عبر مراسلة عدد من المسؤولين في شخص والي جهة مراكشآسفي، رئيس المنطقة الحضرية الحي المحمدي، وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، رئيس جهة مراكشآسفي، رئيس مجلس مقاطعة جليز، كاتب الدولة لدى وزير السكنى وسياسة التعمير ووزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، من أجل العمل على إنقاذها من الوضع المتدهور الذي تعيشه، ورد الاعتبار اليها بعد تحولها في ظل الإهمال إلى خطر محدق بالساكنة ولاسيما تلاميذ المؤسسات التعليمية المجاورة. من جهة أخرى، باشر عدد من المواطنين حملة للتبليغ عن الحفر والآبار المهجور بعدد من الأحياء والدواوير بالأقاليم الثمانية لجهة مراكش، ونشروا صورا ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لآبار وحفر مهجورة، وأماكن تواجدها مطالبين الجهات المعنية بالتدخل العاجل من أجل طمرها أو تأمينها، لتجنب تكرار حادث الطفل ريان. وطالب العديد من المواطنين ضمنهم منتخبين وفعاليات محلية من الجهات المسؤولة والسلطات المحلية بدوائر إقليمقلعة السراغنة، بمراقبة الآبار المهجورة أو إطلاق حملة تحسيسية ضد الأخطار التي تهدد حياة الناس، وتفادي وقوع مالايحمد عقباه حتى لا تتكرر مأساة الطفل ريان. ودعا العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على صفحاتهم الشخصية، الجهات المسؤولة إلى مراقبة آبار مياه السقي، بحث أصحابها باحترام الإجراءات الوقائية لممتلكاتهم، والحرص على ضمان سلامة المواطنين خاصة الأطفال وكبار السن. وناشد رواد مواقع التواصل الاجتماعي السلطات المحلية بالدوائر الترابية الواقعة بالعالم القروي، بالقيام بحملة لطمر الآبار المهجورة غير المستعملة، والتي لا تتوفر على أغطية وقائية، وهو ما يهدد المارة بإعادة تكرار ماوقع شهر مارس من السنة الماضية بدوار أولاد الشيخ الكرني إثر سقوط الشابة "ن.ب.خ" بداخله في ظروف غامضة، ما تسبب في مصرعها، متأثرة بجروح بليغة أصيبت بها على مستوى الرأس وباختناق عجل بوفاتها. ولم يكن حادث مصرع الشابة نوال هو الوحيد الذي عرفته الجماعة، حيث شهد دوار لخوالقة التابع لجماعة ميات بقيادة أهل الغابة أيضا، حادثا مأساويا آخر. ويتعلق الأمر بوفاة شاب لفظ أنفاسه الأخيرة، إثر سقوطه في بئر كان قيد أشغال تهم تعميقه وتنقية الأحجار به، وكاد أن يودي بحياة عاملين آخرين حاولا إنقاذ الهالك لولا تدخل عناصر الوقاية المدنية الذين بدلوا جهدا كبيرا في عملية إخراجهما، بحضور القائدين الإقليميين للدرك الملكي والوقاية المدنية والسلطات المحلية بالمنطقة. وبموازاة مع اهتمام عدد من المواطنين بهذا الموضوع، نبه المتحدثون إلى وجود آبار مهجورة في عدد من المناطق التابعة للإقليم، باعتبارها تشكل خطرا كبيرا تتواجد في أماكن يمر منها الأطفال والنساء والمسنون، وطالبوا بتطويقها بحواجز تمنع من السقوط فيها.