جاءت الرسالة، التي توصل بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس من رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فخامة فرانك فالتر شتاينماير، وما تضمنته من تثمين لسياسة جلالته وما أطلقه من إصلاحات ارتقت بالوطن والمواطن (جاءت) لتؤكد المكانة المتميزة، التي يحظى بها المغرب لدى البلدان الديمقراطية العريقة. وتبقى الدعوة التي وجهت لجلالته للقيام ب «زيارة دولة إلى ألمانيا»، من أجل «إرساء شراكة جديدة بين البلدين» خير دليل على أن النظر إلى المستقبل لما فيه مصلحة البلدين والشعبين أمثل خيار، خصوصا أن الأمر يتعلق بالمملكة المغربية التي دخلت عهد الحداثة والديمقراطية، ولم تشهد أي تراجع عن الخطوات الإرادية التي تخطوها. إننا بصدد صورة واضحة المعالم، التي شدت إليها حكماء العالم، ودفعتهم إلى قراءة ما حدث ويحدث بواقعية والنظر إلى المستقبل بتفاؤل، بدل السوداوية التي تحملها قلوب يشكل لها المغرب عقدة حقيقية. نحن نعيش لحظة فارقة قدم المغرب وألمانيا خلالها ويقدمان نموذجا للتصرف بحكمة وتدبير الخلافات وحتى الأزمات بذكاء، والنظر إلى المستقبل بنظرة مغايرة بدل البقاء رهينة لتصرفات جرى اتخاذها بناء على معلومات وأفكار مغلوطة. مثلما لا ننكر أنه جرى ارتكاب أخطاء في حق المغرب، نعبر عن اعتزازنا بالموقف الذي اتخذته الدبلوماسية المغربية بقيادة صاحب الجلالة، والذي يظهر للعالم أن المغرب يصعب استسهاله أو استصغاره، وهي رسالة تأكيدية موجهة للجميع. عبرنا ونعبر عن افتخارنا بمغرب الألفية الثالثة، وما خطاه من خطوات جعلته بلدا يغيظ. وسنواصل ذلك لأن المغرب الواضح والشفاف، الذي يحظى بثقة شركائه المتنوعين رفع رؤوسنا عاليا، وأكد مما لا يدع مجالا للشك أن الاحترام والتقدير يؤخذ ولا يعطى. إنها الحكمة المغربية التي لا يعلى عليها، وفي مقابلها نثمن الحكمة التي تواجه بها ألمانيا الموقف المغربي، وحسن النوايا الذي عبرت عنه وانطلاقها من التعبير إلى التفعيل. لقد أثبتت ألمانيا بتصرفها أن المغرب يكبر أكثر حين يوضع في المكان الذي يستحقه، ويجري التعامل معه بكل تقدير واحترام. وهو ما عجزت إسبانيا الجارة الشمالية عن استيعابه، إذ لم تحسن تدبير الأزمة التي افتعلتها وزيرة خارجيتها السابقة. المغرب لا يتطاول على البلدان الأخرى، ولا يتدخل في اختياراتها لذلك لا يعني له تغيير وزيرة الخارجية شيئا، طالما أن الجارة لم تقفز على أسباب الخلاف بشكل ذكي ولم تشعرنا بحسن النوايا. إن التحول في علاقات المغرب وألمانيا مليء بالدروس والعبر التي سيذكرها التاريخ، فبلدنا الجدير بالاحترام نال من ألمانيا ما يستحقه، ولا أدل على ذلك من تقدير مبادرة الحكم الذاتي، التي اقترحها المغرب لإنهاء النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية من قبل وزارة خارجية البلد الأوروبي المذكور، التي اعتبرت المخطط المغربي «مساهمة مهمة» لتسوية النزاع، فضلا عن إشادتها بالدور المهم للمملكة «من أجل الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة. ويتجلى ذلك على الخصوص، في مجهوداتها الدبلوماسية لفائدة عملية السلام الليبية». إن ما سلف ذكره يعد تعبيرا صادقا عن الدور المتميز، الذي يلعبه المغرب على المستوى الإقليمي، ومصداقية بلدنا الذي شهد ويشهد «إصلاحات واسعة النطاق»، ما أهله ليصبح «شريكا رئيسيا للاتحاد الأوروبي وألمانيا في شمال إفريقيا». إن المغرب الذي نعتز بالانتماء إليه رفع رؤوسنا عاليا، ورسمت قيادته صورة مشرفة عنه وعنا، ومسلسل الثناء المتواصل بكل لغات العالم، والرغبة في الشراكة التي تأتي من كل حدب وصوب ليست مجاملة، بل هي نتيجة ما يجري تتبعه باهتمام بالغ من دول وقادة لا يصدرون حكما مسبقا ولا ينطلقون من فرضيات خاطئة، فألمانيا على سبيل المثال تعرفنا ونعرفها بحكم الشفافية والانفتاح، ولخص رئيسها معرفة الكثير عن بلدنا بتعبيره في الرسالة الموجهة إلى صاحب الجلالة عن «امتنانها للانخراط الفعال لصاحب الجلالة من أجل عملية السلام بليبيا»، وتثمينه مخاطبا جلالة الملك «عاليا مبادراتكم المبتكرة في مكافحة التغير المناخي وفي مجال التحول الطاقي»، وتقديره للتطور الديناميكي للمملكة، والذي بفضله «أصبح المغرب موقعا مهما للاستثمار بالنسبة للمقاولات الألمانية بإفريقيا». أنها خلاصات تدبير حكيم، وتعبير عن كون الحياة اليومية لمغرب الألفية الثالثة مليئة بالدروس والعبر. وتأكيد على أن المكانة التي أوجدها لنفسه في هذا العالم لا يمكن مجابهتها ولا مساواتها بالأحقاد والضغائن، بل بحسن النوايا، والرغبة في الربح المشترك، وهو الدرس الذي أظهر البعض عجزا عن استيعابه.