قدم المخرج نبيل عيوش، أمس الأربعاء فيلمه "علي صوتك" لأول مرة أمام الجمهور المغربي، بعد أن شارك الشريط في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" واختير ليمثل المغرب ضمن منافسات جوائز الأوسكار السنوية. وعن الفيلم الذي استلهم عيوش قصته من حي "سيدي مومن" واختار أبطاله منه، قال في حوار مع "الصحراء المغربية" بعد العرض الأول للفيلم أول أمس الاثنين أمام أهل الصحافة، إن علاقة وطيدة وقديمة تربطه بهذا الحي التاريخي، وأنه من المحتمل أن تولد أفلام وأفكار جديدة من هناك. وكشف نبيل عيوش توقعاته للأوسكار، كما تحدث عن العلاقة بين فيلميه "علي صوتك" و"ياخيل الله"، وعن الأشياء العديدة التي تغيرت بداخله كمخرج وإنسان بعد مسار مهني دام أزيد من 30 عاما.
من فيلمك الطويل الأول "مكتوب" إلى آخر أفلامك "علي صوتك" ماالذي تغير في نبيل عيوش المخرج والإنسان؟ (مبتسما) تغير الكثير، لكن أحلامي ظلت كما هي على مدى 30 عاما من مساري المهني، فمنذ إخراج أول أفلامي القصيرة "حجر أزرق" لم أكن أعرف عن المغرب الشيء الكثير، بحكم أني ولدت وترعرعت في فرنسا، لكن بفضل الفن والسينما، تعرفت على المغرب أكثر، علمت من أنا ومن أين أتيت، وتعلمت أيضا اكتشاف جذوري، ففي جميع أفلامي سعيت لأن أنبش لاكتشاف جذوري وأهتم بكل التفاصيل التي تحيط بي لأتعلم.
هل تؤمن أن النبش في الجذور والانطلاق من عمق الظواهر الاجتماعية المحلية يوصل إلى العالمية، وهو الأمر الذي استطعت تحقيقه من خلال فيلم "علي صوتك" الذي يمثل المغرب هذه السنة في الأوسكار وقبله مهرجان "كان"؟ لا يمكننا أبدا أن ننطلق من العدم، لابد دائما أن نبدأ من نقطة ما، وهي الجذور، هذه الأخيرة التي تسمح لك بأن تجوب العالم، فامتلاك المخرج لمهارة الحديث عن تفاصيل ما يحيط به وتقديمه بصورة بعيدة عن النمطية، تعتبر من أهم أدوات لفت انتباه المتلقي وجعله شغوفا بالبحث والانجذاب نحو ما يشاهد.
بالحديث عن فيلمك الجديد "علي صوتك"، كيف ولدت فكرة إنجاز فيلم عن الهيب هوب واستلهامه من المركز الثقافي "نجوم سيدي مومن؟ افتتح المركز عام 2014 من طرف مؤسسة "علي زاوا" ومنذ ذلك الوقت داومت على الذهاب إلى هناك كل شهر أو أسبوع، وكنت أعاين عن كثب ما يقع هناك، شاهدت مواهب عديدة تحاول التعبير عن نفسها من خلال الفن، إلى أن زار المركز أنس البسبوسي، بطل فيلم "علي صوتك" والذي كان محترفا لفن الراب، اقترح فكرة تأسيس قسم خاص بتعليم "الهيب هوب" وهو الأمر الذي فاجأني ظنا مني أن هذا النوع من الفنون لا يدرس، أعجبت بفكرة تشجيع شابات وشباب على تحويل مشاعر "الغضب" و"الحكرة" التي تراودهم أحيانا إلى أشياء إيجابية، فكنت أحضر معهم بعض الدروس، وأراقب بعض عروضهم على الخشبة، استفسرت عن دوافع ما يكتوبنه من كلمات قاسية وحادة، ففتح كل منهم قلبه ليتحدث عن حياته الخاصة، معاناته وانتظاراته من المستقبل، فلمسني صدقهم وآلمتني ظروفهم، وخرجت من تلك الجلسة بشعور أن فيلمي المقبل سيكون عن هذه الفئة.
حرصت في الفيلم على التعامل مع مواهب المركز الثقافي "نجوم سيدي مومن" أنفسهم، ماالذي يدفعك إلى اختيار أسماء غير معروفة في أغلب أفلامك وغالبا ما يكونون الأبطال الحقيقيين للقصة المستلهمة، وهل سيواصل هؤلاء الشباب العمل في مجال التمثيل أم أن "علي صوتك" سيكون فيلمهم الأول والأخير؟ أعتمد في اختياري للممثلين على مؤهلات الموهبة، على اعتبار أن لكل ممثل الحق في أن يبدأ يوما من الصفر وأن يمنح فرصة خوض تجربته الأولى، وبالفعل، قدمت خلال مساري السينمائي وجوها فنية جديدة بعضهم واصل مساره الفني، والبعض غادر المجال. وفي "علي صوتك" لم تطرح لدي فكرة الاعتماد على ممثلين محترفين، خاصة بعد أن تأكدت من موهبة هؤلاء الشباب وقدراتهم العالية في التمثيل، وهو ما بدا جليا في النتيجة النهائية للفيلم، والأكيد أن منهم من سيشق طريقه في هذا المجال، كما هو الحال ببعض الفنانين الذي شاركوا في أفلامي السابقة من قبيل "علي زاوا" و"ياخيل الله" وغيرها.
بدا واضحا أيضا من خلال السيناريو والحوار اعتماده في الكثير من المشاهد على الارتجالية، هل كان ذلك مقصودا؟ بالفعل، فبعد أن تعرفت على اهتماماتهم والمواضيع التي يتطرقون إليها في كتاباتهم لأغاني الراب، بنينا قصة الفيلم على هذا الأساس، وتركت لهم المجال للتعبير بحرية خاصة في المشاهد التي تدور أثناء تلقيهم الدروس في القسم، دون أن يغيب جانب إدارة الممثل. فرغم أن الفيلم مقتبس من الواقع لكن كل ممثل يجسد شخصية ليست بالضرورة تترجم حرفيا واقعه المعاش. ما يعرض في الفيلم عبارة عن مشاهد متخيلة لقصة واقعية أبطالها أشخاص حقيقيين وهو الأمر الجميل في نظري.
هل مازال بجعبتك أفلام ستنبثق من حي "سيدي مومن"؟ حقيقة، أنا لا أفكر في الفيلم القادم فور انتهائي من أي عمل سينمائي، لكني أؤكد أنه تربطني قصة حب قديمة مع حي سيدي مومن، لم تولد فقط من فيلم "ياخيل الله"، ففيلم "علي زاوا" صورته في سيدي مومن عام 1999، ومن الوارد أن يكون فيلمي المقبل من الحي نفسه، لم لا، فأنا أرى وأسمع ثم أكتب.
بحديثك عن فيلم "ياخيل الله" هل نستطيع القول إن فيلم "علي صوتك" جاء ردا أو تكملة لهذا الشريط السينمائي الذي سلطت فيه الضوء على بعض المشاكل الاجتماعية التي قد تؤدي بالشباب إلى الخضوع لضغوطات نفسية وارتكاب جرائم باسم الدين؟ بالفعل، نستطيع القول إن طريق الشباب في فيلم "ياخيل الله" كانت مظلمة أدت إلى وقوع أحداث 16 ماي 2003، فيما يسلط فيلم "علي صوتك" الضوء على طريق مختلف وإيجابي بفضل الفن الذي اختارته مجموعة من المواهب وجدت في المركز الثقافي "نجوم سيدي مومن" ملجأ لسلك مسار مشرق ومضيء.
ماهي توقعاتك لنتائج الأوسكار التي يتنافس فيلمك "علي صوتك" على جوائزها في صنف "أفضل فيلم أجنبي"؟ معروف أن اختيارات حوائز الأوسكار ليست بالأمر الهين، خاصة مع المنافسة إلى جانب أزيد من 100 فيلم مشارك من جميع أنحاء العالم، لكننا متفائلون خاصة بعد مشاركة الفيلم في المسابقة الرسمية في مهرجان "كان"، وسنبذل قصارى جهدنا ليكون المغرب حاضرا في الإقصائيات النهائية للمسابقة وأن يحالفنا الحظ.