وبقناعة شديدة بنقط الالتقاء العديدة، بين موسيقى الجاز، القادمة من أمريكا، وفن أحواش الضارب في جذور التراث المغربي، لم يمل عبد الحق مبروك، الملحن، الملقب وطنيا ودوليا ب"عبدل ساكس"، من البحث في فن أحواش بطريقة ارتجالية، بعيدا عن أي بحث أكاديمي، مدفوعا بحب كبير لهذا اللون الموسيقي، الذي ورثه عن والده، ونهل من نبعه بمدينته وارززات. ويضم ألبوم "عبدل"، عشرة معزوفات، مستوحات من التراث الأمازيغي لأحواش بإيقاعات عالمية، على أنغام الساكسفون، الذي يتقن فن مغازلته، وسبل ترويضه بأنامل من حرير، تحرر صدى الأعماق، لتحولها حبا ونغما نابعا من الأصول. ولم يكن من السهل على حد قول عبد الحق مبروك، أن يرسم لمقطوعاته روحا أمازيغية ويقدمها بحلة عالمية، بل أكد أنه كان أمرا صعبا جدا، بدءا بوضع الفكرة، وانتهاء بتنفيذها في الاستوديو الذي يملكه بمدينة مراكش، معتمدا على فرقة يتجاوز عدد أعضائها 20 فنانا. واستطرد قائلا، إن الرغبة في إخراج الموروث الشعبي الخاص بالمناطق الجنوبية، من طابع المحلية، وتصريفه دوليا، بالإضافة إلى تشجيع زملائه الفنانين سواء من داخل أرض الوطن أو خارجه، دفعه لمواصلة البحث، من أجل ولادة "أحواش جاز"، وعيا بمسؤولية الفنان في إحياء هذا المخزون الثراتي، والتعريف به وتهجيره نحو أفق العالمية. وأوضح عازف الساكسفون، أن نخبة من خيرة العازفين المغاربة، والأفارقة، والأوروبيين، شاركوا في إنجاز هذا المشروع الفني، من أجل خلق روح مشتركة ببصمات متنوعة تحلق بعشاق المعزوفات الصامتة، إلى أبعاد روحانية. وأشار عبد الحق مبروك ، إلى أن هناك مشاريع أخرى قادمة، سيحيي من خلالها ألوان موسيقية وغنائية من التراث المغربي، كما أن ألبومه الجديد، سيتبع بجولة فنية يتنقل فيها بين عدد من البلدان. وشهدت الندوة الصحفية المذكورة، مشاركة مجموعة من الأسماء الفنية المعروفة، من بينها الفنان حميد بوشناق، الذي اعتبر فن أحواش، موروثا موسيقيا قائم الذات، يحتاج للدعم الفني كغيره من الألوان الموسيقية التراثية، منوها بتجربة عبد الحق مبروك، التي تتطلب أيضا حسب قوله التشجيع، وقال إن "ما يحز في نفسي أننا كمغاربة ننوه دائما بمبادرات الفنانين الأجانب أو العرب عندما ينفتحون على تراثنا الفني المغربي، وننتقد في بعض الأحيان، الفنان المغربي عندما يقدم على خطوة مماثلة". وبدوره تحدث المخرج السينمائي عباس فراق عن فن أحواش ، قائلا إنه ثقافة عربية أمازيغية إفريقية، تميزت به قبائل الأطلس الكبير ، معبرا عن إعجابه بهذا اللون الموسيقي، سواء من حيث إيقاعاته، أو رقصاته وأساليبه التعبيرية. في الوقت نفسه اعتبر عباس فراق، المزج بين الجاز وأحواش، مكسب يثير الانتباه لهذا التراث الفني المغربي، الذي بدأ يندثر بسبب الإهمال أو التشويه. وأوضح أن بعض الألوان الموسيقية التراثية، لم تتم حمايتها، باستثناء موسيقى الملحون، والغرناطي وغيرها، وقال، "إن كل هذه الألوان، التي تسمى تجاوزا بالفلكلور، تتطلب عناية، وكمهتمين، اقترحنا أن تدخل هذه الأخيرة ضمن برامج التعليم باعتبار خصوصيتها الفنية العميقة". من جانبه أشاد الباحث الموسيقي عمر امبارك في مداخلته، خلال الندوة الصحفية المذكورة، بتجربة المزج التي كشف عنها عازف الساكسفون المغربي، مشيرا إلى أن ألبوم "أحواش جاز بإيقاعات العالم" يفسح المجال ليعانق التراث الموسيقي المغربي، نوعا خاصا من الموسيقى العالمية وهو الجاز، موضحا أن منطقة وارززات لم تنل بعد حظها من البحث في موروثها الموسيقي.