نجحت دبلوماسية جلالة الملك محمد السادس، على مدى السنوات الماضية، في ترتيب البيت الإفريقي وبث روح جديدة تقوم على التعاون والتكافل لمواجهة التحديات والصعاب والوصول بالشعوب الإفريقية إلى مرحلة التنمية المستدامة. ورغم كثرة الأعداء والمشاريع المتعارضة للدول الكبرى وبعض دول الإقليم، لكن الإرادة المغربية كانت هي الأقوى لأنها ترتكز على تاريخ مشترك وثقافة روحية واحدة مع شعوب كثيرة في إفريقيا ولاسيما في غربها، حيث كان لسلاطين المغرب ودعاتها عبر التاريخ، دور في نشر الإسلام المالكي الحنيف وفي إيجاد بيئة ثقافية روحية جديدة في تلك الأنحاء مما كان له أثر كبير في جعل المملكة المغربية قبلة لملايين المسلمين الأفارقة. غير أن دبلوماسية جلالة الملك لم تقف عند حدود إفريقيا المسلمة، بل تعدتها لمد جسور التعاون مع مختلف شعوب القارة، وهذا ما جعل دولاً إفريقية عديدة ترتبط بعلاقات قوية مع المملكة. والعمل سوية من أجل مستقبل أفضل لشعوبها. وكانت القيادة المغربية ترى أن بقاء المملكة خارج أطر ومواثيق ومعاهدات الاتحاد الإفريقي، يعرقل، إلى حد كبير، جهودها المبذولة لتكوين تكتل اقتصادي إفريقي واسع، ولذلك قررت العودة إلى كنف هذا الاتحاد، وقد حاولت الجزائر ومعها ربيبتها البوليساريو وضع العقبات الكثيرة بهدف منع المملكة من العودة إلى مكانها الطبيعي. لكن كل ذلك لم يفلح، وصادقت القمة الإفريقية ال28 التي استضافتها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على طلب عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي. وأوضحت رئاسة لجنة الاتحاد الإفريقي في بيانها أن 39 دولة أعربت عن دعمها لعودة المملكة إلى شغل مقعدها داخل الاتحاد بعد عقود من تركه، احتجاجا على قبول عضوية البوليساريو داخلها سنة 1984. وكان بعض من الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي قد وقّعت رسالة طالبت من خلالها الجهات المسؤولة بأن تكون عودة المملكة المغربية إلى رحاب الاتحاد الإفريقي مرفقة "باستشارة قانونية" مسبقة. بهدف تأخير انضمام المملكة إلى الاتحاد. وأمام هذا المطلب، كثف جلالة الملك محمد السادس من لقاءاته في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، حتى حصل على الإجماع المطلوب، فكانت تلك النتيجة التي أثلجت صدور المغاربة لأنها بمثابة نصر على العدو. والواقع أن العودة إلى الاتحاد الإفريقي هي إنجاز كبير، لأنها ستمكن المملكة من ممارسة دورها الطبيعي في قارة إفريقيا. لكن القيادة المغربية تتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك، فهي تريد، في خطوة لاحقة، طرد البوليساريو من الاتحاد، ولاسيما أن حلفاءها الأفارقة قد عبروا عن موقف صريح بهذا الخصوص، خلال قمة كيغالي، في يوليو الماضي، حيث قدمت 28 دولة عضواً في الاتحاد الإفريقي (من 54 دولة عضواً) ملتمساً للرئيس التشادي إدريس ديبي اثنو، بصفته رئيس الاتحاد الإفريقي، تطلب فيه تعليق مشاركة "الجمهورية الصحراوية" في أنشطة الاتحاد وجميع أجهزته، وذلك من أجل تمكين المنظمة الأفريقية من الاضطلاع بدور بناء والإسهام ايجابياً في جهود الأممالمتحدة من أجل حل نهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء. واستحضر قادة ال28 دولة إفريقية في ملتمسهم الذي قدمه الرئيس الغابوني علي بونغو، المثل الأصيلة للصرح الافريقي، ووفاء لمبادئ وأهداف الاتحاد الافريقي، بالخصوص إرساء أكبر وحدة وتضامن بين الدول الإفريقية، والدفاع عن سيادتها ووحدتها الترابية، وتعبيراً عن الأسف لغياب المملكة المغربية عن هيئات الاتحاد الإفريقي، ووعياً بالظروف الخاصة التي تم فيها قبول "الجمهورية الصحراوية" في منظمة الوحدة الإفريقية. ورغم أن هذا الملتمس لم يجد طريقه إلى التنفيذ في تلك القمة، لكن بعد عودة المملكة المغربية إلى مقعدها وممارسة مهامها في الاتحاد، سوف تزداد أصوات المطالبين بطرد البوليساريو، لأن المملكة ستقدم الحجج والبراهين على بطلان دعوى هذه المنظمة الإرهابية في أنها صاحبة حق في الصحراء، وأنها تناضل من أجل قضية. فلا شك أن المملكة تملك الكثير من الوثائق التي تدين هذه المنظمة وتفضح حقيقة أنها مطية بيد إسبانيا المستعمر السابق لجزء من الأراضي المغربية بما فيها الصحراء، وأن الجزائر تستغلها أيضاً بهدف وضع اليد على الصحراء والوصول إلى مياه المحيط الأطلسي. ولن يتأخر الوقت حتى تنكشف الحقائق أمام مختلف دول إفريقيا، وعند ذلك سيتم طرد البوليساريو من الاتحاد بقرار من غالبية الدول المنضوية تحته، وسترتفع راية المملكة المغربية وسوف تترسخ مكانتها كدولة محورية وذات ثقل استراتيجي في مستقبل القارة الإفريقية. بقلم محمد خليفة كاتب من الإمارات