يتعلق الأمر بالباحث عبد الكبير الحسني، عن دراسة" البنيات الدلالية للزمن في اللغة العربية: من اللغة إلى الذهن" (2015)، والباحث مصطفى الغرافي عن دراسة "البلاغة والإيديولوجيا: دراسة في أنواع الخطاب النثري عند ابن قتيبة" (2015)، والأكاديمي عبد الحق العزوزي عن كتابه "لماذا تخلف العرب وتقدم الآخرون؟: جذور الاستبداد وبذور النهضة" الصادر سنة 2015. وكشفت مؤسسة جائزة الشيخ زايد للكتاب، أول أمس الأربعاء، أن القائمة تضم أعمالا أخرى لأدباء وأكاديميين شباب من الإمارات (باحثان اثنين) وتونس (باحثان اثنان) والعراق (باحثان اثنان) وسوريا (باحث واحد) والجزائر (باحث واحد). وحسب المشرفين على جائزة الشيخ زايد للكتاب، بلغ إجمالي عدد الأعمال التي ترشحت في إطار فرع (المؤلف الشاب) 335 عملا ينتمي أصحابها إلى 18 دولة عربية. وكان أربعة باحثين مغاربة، من مجموع 12 باحثا من مختلف الدول العربية، بصموا على حضور متميز ووازن ضمن القائمة الطويلة للأعمال المرشحة لنيل للجائزة في فرع (الفنون والدراسات النقدية، ويتعلق الأمر بعبد اللطيف محفوظ من خلال كتاب "آليات إنتاج النص نحو تصور سيميائي"، ومصطفى النحال بمؤلفه "القدسي والدنيوي في السرد العربي"، وحسن المودن بكتابه "بلاغة الخطاب الإقناعي: نحو تصور نسقي لبلاغة الخطاب"، وسعيد يقطين بمؤلفه "الفكر الأدبي العربي: البنيات والأنساق". وبصم المغرب، أيضا، على حضوره في اللائحة الطويلة الخاصة بفرع (الآداب)، بعد ترشيح رواية الكاتبة المغربية المقيمة في فرنسا حنان درقاوي "الخصر والوطن" الصادرة عن دار إفريقيا الشرق - الدارالبيضاء (2014). 'لبنيات الدلالية للزمن في اللغة العربية: من اللغة إلى الذهن' يقارب هذا الكتاب، الذي أصدره الباحث اللغوي عبد الكبير الحسني عن دار كنوز المعرفة العلمية الأردنية، في فبراير 2015، طرق اشتغال الدهن البشري في علاقة ذلك بتمثلاته للزمن من زاوية أنه حينما تشيع الأشياء تصير شيئا مطردا، وحين يطرد الشيء يصبح من المنيع على العقل أن يكذبه، و حينما يتم الاتجاه نحو التصحيح تصبح الأفكار شواذا و طرائف قد تخل بالمفهوم الذي ألف واتبع، وهذا ما ينطبق على موضوعة الزمن التي احتوت عند القدماء ماض و مستقبل و حاضر، وهو تحليل لا يستجيب للعمق المعرفي الذي تناشده الدراسات اللسانية. لذلك فإن هذا الكتاب يحاول أن يعالج إشكالية كبيرة داخل علم الدلالة العربية من خلال الانتقال بمجال الدراسة من مستوى إدراك اللغة إلى مستوى إدراك الذهن ، باعتبار الأمر يشكل أهم التطورات التي عرفها الدرس اللساني العربي، بل إن الأمر شكل ثورة حقيقية على المسلمات الأدبية التي ظلت تنادي بضرورة اعتبار اللسانيات المجال الذي يفحص اللغة تركيبيا ودلاليا ومعجميا وصرفيا وصوتيا فقط، الشيء الذي ساهم في بلورة مستوى آخر في دراستها هو المستوى الذهني، الذي حول دراسة اللغة من غاية في ذاتها إلى وسيط نفهم من خلاله طرق التفكير البشري و آليات اشتغاله. إذا كانت الدراسات اللسانية قد قدمت تحليلات كثيرة لفهم آليات اشتغال الإنسان باللغة، فإن البيولوجيا حاولت أن تستفيد من ذلك لفهم طرق اشتغال الذهن البشري من خلال اللغة، و هذا الانتقال شكل ثورة حقيقية في مجال اللسانيات الاحيائية، أي أن مجال البحث انتقل من مستوى الوصف والتحليل إلى مستوى إدراك الذهن البشري، فكان لزاما علينا أن نبحث في الزمن باعتباره موضوعة تجريدية و زئبقية لا يمكن القبض عليها، فكانت النتيجة أن وجدنا أن الإنسان يملك مكانزمات ذاتية تساعده على إدراك المدة الزمنية وفق شبكة دلالية مقسمة على اللحظة والتواتر و الورود والقياس الزمني و البضاعة... وهي تداعيات استعمارية منبثقة من كون الكثير من تجاربنا و سلوكاتنا ذات أبعاد استعارية أكثر منها طبيعية، لذلك فإن بناء الأنساق الزمنية ترتبط بكيفية أو بأخرى بالنظام الاستعاري، الذي تتيحه اللغة العربية لمتكلميها، الشيء الذي يدفعنا إلى تصور الزمن وكأنه نهر جارف أو وحش كاسر أو مال أو بضاعة أو طبيب ...باعتبارها تصورات تشكل الوجه الخفي للزمن من جهة، و تساعدنا على تشريح الزمن من منطلقات معرفية جديدة لا علاقة لها بالمستقبل أو الحاضر أو الماضي من جهة أخرى. 'البلاغة والإيديولوجيا: دراسة في أنواع الخطاب النثري عند ابن قتيبة' يتناول الغرافي في هذا الكتاب بالدرس والتحليل قضية بالغة التعقيد تتعلق بالعلاقة الإشكالية بين البلاغة والعقيدة. وأوضح الباحث أن سبب اختياره لموضوع الكتاب "البلاغة والإيديولوجيا.. دراسة في أنواع الخطاب النثري عند ابن قتيبة" يعود إلى ندرة، إن لم نقل، انعدام الدراسات المخصصة لفحص هذا الجانب من تراثه الغني والمتشعب، مضيفا أنه إذا كانت الدراسات العامة التي عنيت ببحث إنجازات ابن قتيبة الناقد الأدبي والمفكر الإسلامي وافرة، فإنه لم توجد دراسة اختصت ببحث تراثه النثري من زاوية بلاغية. ولذلك يبرز الغرافي، أن الكتاب جاء كي يسد هذا النقص في مجال الدراسات البلاغية المعاصرة. من جهة أخرى، صاغ الباحث إشكالا دقيقا لبحثه تمثل في سؤالين أساسيين هما كيف تذعن البلاغة لمقتضيات العقيدة؟ وما هي مظاهر هذا الإذعان؟ حيث شكل هذان السؤالان قادحا لبحث الخصوصية البلاغية في أنواع الخطاب النثري عند ابن قتيبة، التي تمثل استراتيجية خطابية لا تنفصل عن النسق الفكري والإيديولوجي، وصيغت في ضوئه، يقول صاحب الكتاب. وفي سياق آخر، يذكر الباحث أن أهم فكرة حاول الكتاب مناقشتها وتطويرها من صلب نصوص ابن قتيبة هي علاقة بلاغته النثرية بالعقيدة السنية، التي مثلت مضمرا حجاجيا وموجها إيديولوجيا أذعنت له هذه البلاغة التي هيمن عليها المنحى الحجاجي الوظيفي. وعلى هذا الأساس تكون دراسة نثر ابن قتيبة من منظور بلاغي، حسب الغرافي، استجابة للأفق الذي شكله هذا النثر، حيث المكون البلاغي الحجاجي بارز بشكل لافت في أنواع الخطاب النثري عند ابن قتيبة، نظرا لصدورها عن خلفية فكرية وعقدية تمثل آراء وتصورات الفكر السني. وهو ما يعني أن ابن قتيبة، يضيف الباحث، كان يصوغ نصوصه النثرية في ضوء العقيدة السنية التي مثلت موجها حجاجيا وإيديولوجيا لبلاغته النثرية، ولذلك هيمنت على نثره الوظيفة العملية الإنجازية. وعن الغاية من تأليف هذا الكتاب يذكر الدكتور الغرافي أنه حاول في هذا البحث أن يختبر مدى نجاعة الدراسة البلاغية في الكشف عن جوانب من الخطاب النثري عند ابن قتيبة ظلت محجوبة عن الدراسات النقدية المعاصرة، معتقدا أن هذا النثر كان في حاجة إلى مثل هذا البحث من أجل إبراز القيم البلاغية والأبعاد الإنسانية والإيديولوجية التي زخر بها. من جهته، يصر الباحث على أن غرضه من فحص موضوع البلاغة والإيديولوجيا تمثل في فتح مجال البحث في صلة الأنواع النثرية بقضايا العقيدة من منظور البلاغة. وهو أمر من شأنه إذا تحقق أن يمكن من وضع اليد على كثير من ملامح البلاغة النثرية، التي جسدتها في تراث ابن قتيبة نصوص متغايرة من حيث خصائصها النوعية واستراتيجياتها الخِطابية. وتمثلت أهم النتائج التي انكشف عنها البحث، حسب منظور الغرافي، في أن علاقة البلاغة بالايديولوجيا عند ابن قتيبة في هذا الأخير لم يكن مجرد أديب وناقد وإنما كان، قبل هذا وبعده، "متكلما". إنه صاحب مقالة ورئيس نحلة. ولذلك لم يعتن بالجانب الأدبي والجمالي في الخطاب قدر عنايته بفعالية الخطاب ونجاعته، أي الجوانب الحجاجية والاستدلالية في الخطاب البليغ. ويتابع الغرافي، أنه من هنا كانت البلاغة، عند ابن قتيبة، منظورا إليها من زاوية وظيفتها العملية والإنجازية، أي القدرة على التأثير في المتلقي لتعديل موقفه أو سلوكه. ويرى الباحث أن النتائج التي توصل إليها الكتاب ليست حاسمة ولا نهائية، لأن البحث لم يستنفد جميع القضايا التي تثيرها بلاغة الأنواع النثرية عند ابن قتيبة، فالنتائج التي انتهت إليها هذه الدراسة يمكن أن تكون منطلقات لأبحاث أخرى تتولى وصف وتفسير التراث النثري العربي من زوايا مختلفة، لأن فحص صلة الأنواع النثرية بالعقيدة يمكن أن يكون أفقا من آفاق الدراسات الثقافية التي ترمي إلى تلمس دور الأنساق الفكرية والعقدية في توجيه أشكال الخطاب المختلفة وبناء بلاغتها على نحو يساعدها في تأدية مقاصدها العامة. كما أن الاهتمام بوصف وتفسير الأنواع النثرية في ضوء خصائصها النوعية عند الغرافي، يمكن أن يقود إلى إعادة النظر في مسألة العلاقة بين تجليات الخطاب المختلفة وسياق النوع الذي تنتمي إليه. وربما فتحت دراسة أنواع الخطاب النثري عند ابن قتيبة في ضوء أوضاع التخاطب وسياق التواصل باب التوسع في تقصي مظاهر البعد التداولي في أنواع الخطاب المختلفة بوصفها عملا تواصليا ينبني على جملة من قواعد التفاعل القولي الذي توجهه مقاصد المتخاطبين. وبالإضافة إلى ذلك يمكن لاعتناء هذا البحث الذي قدمه الباحث مصطفى الغرافي، بإبراز أثر العقيدة السنية في بلاغة ابن قتيبة النثرية أن يفتح المجال أمام التعمق في تقصي مظاهر السطوة التي تفرضها الخلفية الفكرية والمذهبية على بلاغة النصوص والخطابات، فقد كشفت الدراسة البلاغية لنثر ابن قتيبة أن أنواع الخطاب المختلفة لا تنقطع عن السياق الثقافي والعقدي الذي انبثقت عنه. "لماذا تخلف العرب وتقدم الآخرون؟ جذور الاستبداد وبذور النهضة" يأتي كتاب "لماذا تخلف العرب وتقدم الآخرون؟ جذور الاستبداد وبذور النهضة" كعصارة لما يراه د عبد الحق عزوزي ضروريا لفهم الواقع وتنفيذ بعض النظريات، واقتراح خطة علمية بأسلوب سلس لنهضة الوطن العربي يفهمها الخاصة والعامة، وللخروج من ظلمات الجهل إلى نور الفهم ومن نفق الفتور العام إلى الضوء الجلي ومن الانحطاط المظلم إلى النهضة والتقدم السليم. جاء الكتاب عن دار إفريقيا الشرق في 236 صفحة من الحجم المتوسط، وطيلة الأقسام الستة، التي وزع الكاتب مادته عليها، نفهم أن الدين والثقافة ليسا المتغير المستقل في تفسير غياب الديمقراطية والمؤسسات والتطور الاجتماعي والاقتصادي، والركود السياسي، وحتى ضعف الاقتصاد ليس مسؤولا، أيضا، عن عدم تثبيت أركان الديمقراطية، لذا يعتبر عزوزي أن أصل الداء هو السطو على آليات الانفتاح السياسي، والإسقاط المباشر للسياسة عن المجتمع، وهذا أول طريق للسلطوية السياسية. ويرى الكاتب، أيضا، أن الإسلام هو دين المسلمين وإثباته في السطور الأولى للدساتير العربية لا يعني أن ذلك مخالف للديمقراطية أو مبعث على السلطوية العربية، فلا عيب في الديمقراطية أن يكتَب بمداد الذهب في ديباجة الدستور أن "الإسلام هو دين الدولة" ولا يخال، عزوزي، أي دولة عربية إسلامية بإمكانها أن تَحيد عن ذلك. لكن العيب والمصيبة الآزفة هي الزج بالدين في السياسة، لأن ضعاف النفوس سيضعون للانتهازية عنوانا من الدين وسيقدمون للظلم وسفك الدماء تبريرات دينية، وسيعطون للجشع أسماء من الشريعة. ويؤكد عزوزي أن الله أراد أن يكون الإسلام دينا يستشرف به الإنسان أرقى ما فيه وأسمى ما يمكن أن يصل إليه، لكن أراد به الناس أن يكون سياسة وهنا المشكل. فالسياسة هي فن إدارة الاختلاف وهي قاصرة محدودة ومؤقتة. وممارسة السياسة باسم الدين أو مباشرة الدين بأسلوب السياسة يحوله إلى حروب لا تنتهي وتحزبات لا تتوقف وصراعات لا تخمد. فالمشكل، حسب الكاتب، في استثمار العامل الديني في السياسة وليس في الإسلام كدين ابتغاه الله للعام والخاص. وفي الإطار نفسه يعقد الكاتب الأمل أن تتحول الأحزاب الإسلامية إلى أحزاب محافظة، تجعل من التوافقات مع أهل اليمين في السياسة سنة محمودة لها وتبني مشروعها السياسي في أجواء تنافس متعادل لا كلياني. فعوض الزج بالدين في السياسة أو السياسة في الدين...عليهم الخوض في عوامل التنمية وتسطير الأولويات الاقتصادية والاجتماعية. وتحت مبحث "ضرورة تغيير العقليات" يرى عزوزي أنه على بناة الدول الإلمام بأولويات المجتمعات والاستثمار في العامل البشري، انطلاقا من إعادة النظر في المنظومة التربوية والبحث العلمي، ومن هنا تبدأ نهضة الوطن العربي. ويؤكد الكاتب أن إدارة شؤون الدولة عملية صعبة، وليست الانتخابات لوحدها هي العلاج، فالمؤسسات من أحزاب وإدارات ومجتمع مدني...يجب أن تتمتع بعدة خصائص، كالمشاركة والشفافية والمساواة وسيادة القانون، والاهتمام والإجماع والمحاسبة والمساءلة، والمراجعة والموازنة، ثم أخيرا الرؤية الإستراتيجية والكفاءة والفاعلية. وهاته الخصائص الأخيرة هي لب الديمقراطية الحقيقية ونواة ممارسة السلطة، إذ لا تقتصر على الاهتمام بالآثار التنموية الحالية وإنما تشتمل على التنمية المستدامة طويلة الأمد والممتدة عبر أجيال متعاقبة في المستقبل، وتكون الأحزاب السياسية صاحبة المنافسة داخل هذا الطريق السيار، توقفها عملية الانتخابات كلما رأت منظمات المجتمع المدني والأفراد أنها تجاوزت السرعة المسموح بها أو تباطأت في السير لتفسح المجال لأحزاب أخرى بعد أن يكون الطريق كله معبدا.