انطلق العمل بتوقيت غرينيتش في المغرب منذ أكثر من أسبوع دون أن يصاحبه ذلك الجدل المعتاد، الذي اعتدنا متابعة تفاصيله على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ورافض، منذ أزيد من 10 سنوات. ولعل التأخير الأخير من ساعة المغاربة ب 60 دقيقة في ظل الحجر الصحي لم يعن الشيء الكثير لأغلب المواطنين، الذين اضطرتهم جائحة كورونا، إلى المكوث في بيوتهم، غير ملتزمين بأوقات العمل والدراسة، التي كانت تشكل دائما شرارة النقاش بين مكونات المجتمع حول مدى فائدة الاعتماد على التوقيت "الصيفي" أو "العادي"، والذي شُرع في تطبيقه منذ سنة 2008، وما رافقه من ردود أفعال حول إضافة 60 دقيقة سنويا إلى توقيت المملكة والتراجع عنها في رمضان المبارك. ففي ظل حالة الطوارئ الصحية بات أغلب الناس يعيشون "اللا زمن"، بحسب وصف الشاعر والكاتب مخلص الصغير، مدير دار الشعر بتطوان، الذي قال ل "الصحراء المغربية" إننا بمكوثنا طيلة النهار والليل في البيت أصبحنا نعيش يومين في يوم واحد. وفي الإطار ذاته، كتبت صفاء قدوري، أستاذة التعليم العالي مساعدة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس "لقد باتت أيام العزل الصحي متشابهة في ما بينها، وكأنما أيام الأسبوع لها وجه واحد ووحيد". بينما قال الكاتب والمترجم محمد الخطيبي إن تجربة الحجر الصحي ستعلمنا دروسا عديدة، أهمها أن الحياة هبة لا تحسب بالساعات. وكتبت الناقدة مليكة عسال، إن نظام الحجر، قبل أو بعد قرار العودة إلى توقيت غرينيتش، يمنحني وقتا كافيا وممتدا للمطالعة والدراسة وأشغال أخرى. إن الوقت يطول كثيرا في زمن الحجر الصحي، وعقارب الساعة كأنها تدور في حلقة مفرغة، والزمن لم يعد هو من يتحكم فينا، بل نحن من نستعمله متى وكيفما أردنا. قبل كورونا، كان الوقت ثمينا ولا ينتظر أحدا، واليوم لم يعد للمواعيد معنى. كما لم يعد هناك أي معنى لذلك النقاش الحاد الذي كانت رحاه تدور على صفحات الفايسبوك، حول مدى إمكانية تأقلم الناس مع التغيير المستمر في توقيت المملكة. سمية برادة، اختصاصية في الطب النفسي، أفادت في تصريح سابق للجريدة أن "الجسم ونظام عمل الدماغ لا يتأثر بنظام العمل بزيادة أو نقص ساعة لدى الإنسان العادي، وأن الأخير يتأقلم، في غضون 48 ساعة، من اعتماد أي نظام وقتي جديد، بشكل لا يؤثر سلبا على الساعة البيولوجية، لما يتمتع به الجسم والدماغ من قدرة على التأقلم في ظرف وجيز". كما أن هذا التغيير في التوقيت لن يكون له، من جهة أخرى، أي تأثير على نفسية التلاميذ والطلبة، الذين يتابعون دراستهم اليوم "عن بعد"، ولن يؤثر ذلك في قدراتهم التحصيلية، لأنهم ببساطة لن يكونوا مضطرين إلى تغيير توقيت نومهم واستيقاظهم، الذي يبقى نظاما اختياريا، حسب كل شخص، في غياب الإكراهات التي كان يفرضها التنقل من وإلى المدرسة، خلال أيام ما قبل "كورونا". والأمر نفسه بالنسبة للآلاف العمال والعاملات، الذين توقفت أنشطتهم بسبب حالة الطوارئ الصحية، التي فرضتها الحكومة منذ أزيد من شهر للحيلولة دون تفشي وباء كورونا المستجد، ولم يعودوا مضطرين لضبط ساعاتهم حسب مواعيد الشغل. ومن طرائف هذا التوقيت الجديد، الذي لن يتم تمديده كما حالة الطوارئ الصحية بالبلد، فإن مجموعة من المؤسسات والبنوك، لم تكلف نفسها عناء ضبط عقارب ساعاتها حسب التوقيت الجديد، الذي سرعان ما سينتهي العمل به في غضون أربعة أسابيع، إذ ظلت أغلب اللوحات الالكترونية الموجودة أمام المؤسسات البنكية غير "مُحققة". فبماذا ستفيد عملية ضبطها، بل المهم هو كيف نتعامل مع كل هذا الوقت الكثير الذي يوفره لنا الحجر الصحي، سواء كان ذلك حسب توقيت غرينتش أو حسب توقيت كورونا؟