قبل أن تمتد يد المستعمر إلى رمز السيادة الوطنية، اجتمعت لجنة للباشوات والقياد بمراكش، وذلك للتحضير لمبايعة "ابن عرفة". وما أن وصل إلى علم الوطنيين أن "ابن عرفة" سيتم تنصيبه يوم الجمعة 14 غشت 1953 بمسجد الكتبية بمراكش، حتى هبوا لمواجهة هذه الفعلة النكراء والمؤامرة الدنيئة، حيث شهدت مدينة مراكش غليانا واحتقانا في أوساط الوطنيين والتنظيمات الشعبية. واستحضارا منها لأبرز محطات هذا الحدث، ذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في مقال بالمناسبة، أن كلا من باب هيلانة وقاعة بنهيض عرفا اتصالات لتشكيلتين رئيسيتين أعطيت الأوامر فيها للمناضلين، بعد أداء القسم للحيلولة بكل الوسائل دون ذكر اسم "ابن عرفة" في خطبة الجمعة بمساجد مراكش. كما جرت اتصالات مباشرة بكل من المسؤول عن تشكيلة قبيلة مسفيوة، وكذا قبيلة تاسلطانت لتبليغ مضمون تلك التوجيهات واستقدام أكبر عدد ممكن من المناضلين والمتطوعين للتصدي لخطة المستعمر بتنصيب صنيعته. وفي حمأة هذه الظروف، وقعت عدة حوادث بمختلف مساجد مراكش، كان من أهمها حادثة مسجد المواسين، ومسجد الكتبية مما أدى إلى إفشال وإحباط عملية التنصيب يوم الجمعة 14 غشت 1953، وحدا بالسلطات الاستعمارية إلى تأجيلها إلى اليوم الموالي. وفي يوم السبت 15 غشت 1953 المشهود، هبت حشود المواطنين إلى المشور بالقصر الملكي بمراكش للتعبير عن غضبهم، حيث واجه المتظاهرون دورية من البوليس الاستعماري كانت تجوب المكان. فتدخل أفراد الدورية لتفريق الجموع وإبعادها عن باب المشور، وبدأوا يقذفون القنابل المسيلة للدموع، غير أن المتظاهرين أحاطوا بقوات الاحتلال واشتبكوا معها بكل شجاعة وضراوة. وقد عرفت هذه الانتفاضة المباركة مشاركة واسعة لفئات وشرائح المجتمع المغربي ومنها المرأة المغربية، مثل الشهيدة فاطمة الزهراء، التي كانت تزغرد وتهتف باسم السلطان محمد الخامس حاملة في يدها العلم الوطني إلى أن سقطت شهيدة إلى جانب شهداء أبرار سقوا بدمائهم الزكية شجرة الحرية. وألهبت الشابة الشهيدة حماس الوطنيين وقوت عزائمهم وهممهم في المواجهة والتصدي لقوات المستعمر، الذي شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف الوطنيين والمقاومين والمناضلين ومحاكمتهم والزج بأعداد كبيرة منهم في السجون والمعتقلات. كان لانتفاضة المشور بمدينة مراكش أبلغ الأثر في إرباك مخططات المستعمر، الذي أدرك وأيقن تمام اليقين أن الشعب المغربي ملتف حول العرش المنيف صامد في وجه كل محاولة للمساس بسيادته ومقدساته ورموزه، حريص على عزة الوطن وكرامته وتجددت هذه المواقف البطولية أياما قليلة بعد إقدام قوات الاحتلال على فعلتها النكراء، إذ هب الشهيد علال بن عبد الله يوم 11 شتنبر 1953 بساحة المشور بالقصر الملكي بالرباط ليواجه موكب "ابن عرفة"، مضحيا بروحه دفاعا عن السيادة والكرامة التي هب الشعب المغربي عن بكرة أبيه للذود عنها بأشكال النضال المتنوعة من مظاهرات وأعمال فدائية ومعارك بطولية إلى أن تحقق النصر المبين الذي وعد الله به عباده المؤمنين الصابرين. وبهذه المناسبة، تؤكد أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير عزمها الراسخ وموقفها الثابت في مواصلة الدفاع عن الوحدة الترابية المقدسة وتثبيت المكاسب الوطنية والحقوق المشروعة في الأقاليم الجنوبية المسترجعة. في هذا المضمار، استشهدت المندوبية بما ورد في الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش المجيد، حيث يقول أعز الله أمره: "وبخصوص قضية وحدتنا الترابية، فقد حددنا في خطابنا بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، بطريقة واضحة وصريحة، مبادئ ومرجعيات التعامل مع ملف الصحراء المغربية، على الصعيدين الداخلي والدولي. وقد أبانت التطورات التي عرفتها هذه القضية، صواب موقفنا على المستوى الأممي، وصدق توجهاتنا على الصعيد الوطني، حيث سيتم، بعون الله وتوفيقه، الانطلاق في تطبيق الجهوية المتقدمة، والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة. غير أن هذا لا يعني أننا طوينا هذا الملف. بل على الجميع مواصلة اليقظة والتعبئة، من أجل التصدي لمناورات الخصوم، ولأي انحراف قد يعرفه مسار التسوية الأممي". وإن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وهي تخلد هذه الذكرى الغالية في كل سنة، بما يليق بها من مظاهر الاعتزاز والإجلال، لتتوخى أن تكون هذه المناسبة ومثيلاتها من الذكريات الوطنية الغالية وقفات للتأمل والتدبر واستحضار الجوانب المشرقة من نضالات الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد، التي ستظل على الدوام نبراسا تستنير به الناشئة والأجيال الحاضرة والقادمة، في المسيرات المتواصلة للحاضر والمستقبل لتحقيق التطلعات التنموية وتأهيل البلاد لمواجهة التحديات وكسب رهانات الحاضر والمستقبل.