استمتع الجمهور الرباطي طيلة أسبوع ببرنامج متنوع سحره إلى عالم المتعة الفنية، حيث اختلاف الألوان الموسيقية التي وحدتها لغة الفن والإبداع. ولأن إدارة المهرجان التي يرأسها الفنان حسن ميكري تحرص منذ انطلاق أولى دورات هذا العرس الفني على التنوع إرضاء لذوق الجمهور، فإنها هذه السنة استطاعت أن تستقطب جمهورا واسعا تابع بإخلاص مختلف فقرات هذه الدورة بفضاء الأوداية. وكان هذا الموقع الأثري مسرحا لمختلف العروض والسهرات الفنية، وكذا التكريمات التي عودت إدارة المهرجان أن تخصص لها حيزا كبيرا كون حسن ميكري يؤمن بأن الفنان الذي صنع تاريخا فنيا لعقود وبصم اسمه في الساحة الفنية المغربية أقل ما يمكن أن يقدم له التكريم الذي يعتبره أهم التفاتة للفنان المبدع. وكانت التكريمات هذه السنة من نصيب عبد الواحد التطواني، عندليب المغرب في ستينيات القرن الماضي النادر، الذي استقبل بتقدير كبير في افتتاح فعاليات المهرجان الدولي للفنون والثقافة (صيف لوداية)، حيث سلمه وزير الثقافة الدرع المائز للدورة الخامسة من المهرجان الذي هو عبارة عن منحوتة من إنجاز الفنان العربي صحبي الشتيوي. وأكد حسن ميكري في تصريح ل "المغربية" أن "هذا التكريم مستحق بامتياز، نظرا لكون هذا المطرب الاستثنائي المحبوب والموسوم ب "عندليب القصور" كان طوال مساره الفني الاحترافي، وكما يسلم بذلك الجميع، أحد الرواد المؤسسين الذين بصموا الأغنية المغربية إبان مرحلة الاستقلال، علما أنه حاز إعجاب العاهل الراحل الحسن الثاني، ليلتحق بأمر من جلالته بالجوق السيمفوني الملكي. وبما أن التاريخ يعترف برجالاته ولا يترك الفرصة تمر دون التذكير بهم كلما اقتضت المناسبة إنعاش الذاكرة، فتكريم عبد الواحد التطواني التفاتة تندرج في هذا السياق. وإذا كان "عندليب القصور" مطربا محنكا يمتلك نفسا قويا جدا، فإنه أيضا ملحن مقتدر على غرار معاصريه مثل عبد القادر الراشدي، ومحمد بن عبد السلام، والعربي الكواكبي، والغرباوي وفويتح. كما أن هذا العمود الأساس للأغنية المغربية العصرية لعب دورا جوهريا في اكتشاف الأوبريت العربية وإدماجها في رحم التراث المغاربي الجديد المتميز بثرائه وتنوعه. وبصفته أسطورة حية وشاهدا على عصره، فإن عبد الواحد التطواني جعلنا نستعيد، بكثير من الحنين، الزمن الجميل لمرحلة ذهبية سابقة". وكما يقول المثل "ابن الوز عوام" فقد رافق تكريم الفنان عبد الواحد التطواني ابنه هشام التطواني عازف العود في حفل افتتاح مهرجان "صيف الأوداية"، وهو فنان موسيقي وعازف بارع على العود، حاز صيتا إيجابيا في إطار المهرجان الدولي المخصص لهذه الآلة الوترية، شأنه شأن والده، وهذا يؤكد هذا أن هشام التطواني يشق طريقه نحو النجاح والتكريس على غرار العازفين البارعين، الذين نالوا الشهرة في فعاليات المهرجانات الوطنية والدولية. والحال أنه ينتمي، منذ الآن، لنخبة الفنانين الموسيقيين الأكفاء، الذين شاركوا في إنجاز قرص مدمج خاص بالموسيقى الوترية بعنوان "سلاطين الوتر"، المنتمين للمغرب وتركيا وفلسطين وسوريا ولبنان وإيران. وكان للطرب الغرناطي حضور في المهرجان، من خلال تكريم قيدوم الطرب الغرناطي الحاج بيرو، الذي توج بجائزة الفرابي، التي تمنح للموسيقى العريقة كيف ما كان لونها. كما توجت إدارة المهرجان محمد دامو بجائزة الخلالة الذهبية، التي تعطى للأنماط الموسيقية الأمازيغية، باعتباره أحد مؤسسي الفرقة السمفونية الأمازيغية، وحقق نجاحا كبيرا وساهم في تطوير الموسيقى الأمازيغية وأعطاها قيمة فنية. وخلال الدورة الحالية، كان جمهور مدينة الأنوار على موعد حوار الثقافات المغربية الإسبانية عبر "آيات الله شقارة و"سور ديل سور"، إذ يشكل هذا المزج بينهما تجربة فريدة ومثمرة على أكثر من مستوى، مستوى الإبداع ومستوى الحوار، إضافة إلى تقريب ثقافتين متماثلتين تمتلكان عدة جوانب قرابة بينهما، بل تشابها يسمح بخلق انصهار وتناغم موسيقي في بوثقة الكونية... وبالفعل، فثمة من جهة البصمة العميقة لمجموعة "أل سور ديل سور" المكونة من موسيقيين كبار ماهرين، باحثين في مجال الموسيقى وأساتذة لها، مكرسين ومحنكين في حقل تخصصهم، يمتحون إلهامهم من ينابيع الفلامنكو غير القابلة للنضوب ومن تراث الفولكلور الشعبي لإسبانيا، مع توابل موسيقية متوسطية... وثمة، من جهة أخرى، مجموعة آيات الله شقارة للموسيقى الأندلسية التي يسيرها بمهارة فائقة آيات الله عمران شقارة، الحفيد الذي ورث الرصيد الغني للراحل عبد الصادق شقارة، وكذا فرقته الشهيرة المشكلة من أعضائها السابقين. وشرعت اللمسة الفنية ل "أل سور ديل سور" والعبقرية المجددة لآيات الله شقارة الأبواب أمام مقطوعات ناجحة منغرسة في الحنين إلى الماضي بالانبعاث مجددا على منصات العروض المتلاقحة ثقافيا في المهرجانات، ما يغمر عشاق الهرم شقارة بالسعادة، مثلما هو الحال مثلا بالنسبة ل "يا وليدي" و"بنت بلادي".