ذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في مقال بالمناسبة، أنه في يوم 15 يونيو 1957، وجه جلالته، طيب الله ثراه، من مدينة مراكش، نداء ساميا إلى الشباب المغربي لاستنهاض هممه من أجل التطوع في إنجاز مشروع وطني كبير يهدف إلى ربط شمال المملكة بجنوبها، حيث قال جلالته أكرم الله مثواه "إن من بين المشاريع التي عزمنا على إنجازها لتدعيم التوحيد الحاصل بين منطقتي الوطن شماله وجنوبه، إنشاء طريق بين تاونات وكتامة تخترق ما كان من قبل حدا فاصلا بين جزءي الوطن الموحد، وذلك ما حدا بنا إلى أن نطلق عليه اسم طريق الوحدة". وبالمناسبة نفسها، زف جلالته رحمه الله بشرى تطوع ولي العهد آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله مثواه، للمشاركة في هذا المشروع، حيث قال نور الله ضريحه "وإن ولي عهد مملكتنا الحسن أصلحه الله قد سجل اسمه أول متطوع جريا على مألوف عادته في تجنيد نفسه دائما لخدمة المصالح العليا للشعب والوقوف بجانب العاملين من أجل سعادته ورفاهيته". والواقع أن المغرب غداة الاستقلال كان يتوفر على شبكة طرقية يصل طولها إلى حوالي 20 ألف كلم. إلا أن توزيعها الجغرافي عبر التراب الوطني لم يكن شاملا لكل المناطق، وكانت العلاقات بين الأقاليم الجنوبية والشمالية تتسم بالطابع العرضي وانعدام الطرق الأفقية التي تخترق المنطقة الشمالية في اتجاه البحر الأبيض المتوسط، ما طرح وضعية ملحة أمام مغرب الاستقلال، إذ بادر جلالة المغفور له محمد الخامس إلى نهج سياسة مقدامة في ميدان التجهيزات الطرقية من أجل تغيير البنى الوظيفية التقليدية للطرق التي كانت ترتكز في السابق على خدمة مصالح المستعمر، وإعطاء الأولوية لبناء طرق بالأقاليم الشمالية والجنوبية لترقى إلى مستوى التجهيزات الموجودة بوسط وغرب البلاد. وكان في مقدمة المشاريع المبرمجة إنشاء طريق بشمال المملكة تربط بين تاونات ومركز كتامة على طول 80 كلم أطلق عليها اسم (طريق الوحدة) وكلمة "الوحدة" أو "التوحيد"، التي ركز عليها المشروع لها دلالة رمزية مهمة، فبالإضافة إلى الربط بين منطقتي الشمال والجنوب، فإن تجميع الشباب المتطوعين لبنائها من مختلف جهات المغرب وتكتلهم وتعاونهم وتضامنهم وحماسهم اكتسى أهمية كبرى على الصعيد الوطني تجسيدا للوحدة والتضامن والتكامل. وتجند لهذا المشروع 12 ألف شاب متطوع للعمل طيلة الشهور الثلاثة للفترة الصيفية، بنسبة أربعة آلاف شاب في كل شهر، ينتمون لكل أنحاء المملكة. ومثلت أوراش العمل مدارس للتكوين يتلقى فيها المتطوعون دروسا تربوية وتدريبات مدنية وعسكرية، تجعل منهم مواطنين صالحين لتحقيق مشاريع عمرانية في مراكز سكناهم، وذلك تنفيذا لفكرة التجنيد والخدمة المدنية لبناء المغرب الحر والمستقل. وحظي هذا المشروع بتأطير تربوي في منظومة التسيير والتدبير وأعمال اللجان المختصة التي اشتغلت منذ نداء جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، وهي لجنة قبول الطلبات وتوزيع الاستدعاءات وتنظيم المخيمات على طول الطريق، ولجنة المواد والتموين والمواصلات، وتهييء هذه المخيمات لاستقبال المتطوعين وتوفير جميع الضروريات المادية والصحية والثقافية، بحيث يستوعب كل مخيم 250 متطوعا موزعين على 13 خيمة، وتضم كل خيمة 25 سريرا، تسيرهم لجنة تضم التخصصات التربوية والفنية والعسكرية وشؤون التموين والطبخ والمواصلات. واتخذت التدابير الصحية بتعيين ممرض في كل مخيم ومركز لتوزيع الأدوية عند الحاجة. وتم إسناد سير المخيمات إلى قيادة عامة مقرها في منتصف الطريق (ايكاون) وتتكون من مندوب وخليفة وطبيب ومهندسين مسؤولين وضابط وكاتب عام ومسؤولين عن الراديو والصحافة والسينما ومسؤولين عن التموين والمواصلات والمياه والغابات والبريد ورجال المطافئ، والمحافظ على النظام الداخلي للحياة في المخيمات بمشاركة المتطوعين أنفسهم بواسطة المندوبين المنتخبين عن كل خيمة، وإشراف لجنة من 16 شخصا على كل ورش. وصباح يوم الجمعة 5 يوليوز 1957، أعطى جلالة المغفور له محمد الخامس انطلاقة الورش الوطني لطريق الوحدة معاينا على متن سيارة "جيب" معالم الطريق، كما أدى جلالته رحمه الله صلاة الجمعة بايكاون. واتسمت مراحل الإعداد للمشروع بأنشطة مكثفة وأعمال رائدة لسمو ولي العهد الأمير مولاي الحسن آنذاك، الذي أولى رحمه الله عناية خاصة لتعبئة الشباب وشحذ الهمم والعزائم، معطيا القدوة والمثال بانخراطه الفاعل في مهام الإشراف والتدبير والإنجاز ولقاءاته بالشبيبة وحواراته معها حول فلسفة المشروع وأبعاده الوطنية كتحد ورهان يتحتم كسبه. وحفلت الشهور الثلاثة من يوليوز إلى أكتوبر 1957، بمظاهر من التجند التام والعمل البناء في غمرة الحماس الوطني العارم وأجواء التعبئة لإنجاز المشروع، جعل منه مدرسة حقيقية لتلقين وإذكاء الروح الوطنية وتأمين التكوين والتأهيل للقدرات والكفاءات، فضلا عن الفضاءات التربوية والثقافية والفنية، ما أعطى لمراحل الإنجاز إشعاعا واسعا يستهدف إنجاز مشروع وحدوي ذي أبعاد تنموية اجتماعية واقتصادية، وأبعد من ذلك مشروع يمتد لبناء الإنسان وشحذ الهمم والعزائم ونشر قيم التضامن والتعاون والتكامل وتفجير الطاقات الخلاقة على درب البناء والنماء للمغرب الجديد. وفي مستهل شهر أكتوبر 1957، كان المغرب على موعد مع الحدث التاريخي المبشر بانتهاء أشغال طريق الوحدة، في غمرة الاعتزاز الوطني بهذه المنجزة الكبرى، التي تكللت بخطاب جلالة المغفور له محمد الخامس في حفل استعراض متطوعي طريق الوحدة، حيث خاطب جلالته جمهور المتطوعين بقوله طيب الله ثراه: "لكم يطفح قلبنا سرورا وابتهاجا ونحن نجتمع بكم اليوم، وتكللت أعمالكم ولله الحمد بالنجاح وبرزت للعيان نتائج جهودكم، وأشهدتم العالم على أن أبناء المغرب إذا تحملوا مسؤولية قاموا بها خير قيام، وإذا اتجهت همتهم إلى غاية مهما عظمت وعسرت فلا بد أنهم بالغوها". وأضاف جلالته معتزا بهذا الإنجاز التاريخي الخالد، مبرزا دلالاته بقوله: "بفضل هذه الطريق المباركة، تضاعفت وسائل الاتصال بين الشمال والجنوب، وتم التوحيد بينهما على صورة أكمل، ذلك التوحيد الذي طالما كافحنا من أجله وتحرقنا شوقا إلى استرجاعه، وأي دليل أقوى على تعلق المغاربة بوحدتهم من هذه المشاركة في أعمال المتطوعين التي قام بها سكان هذه المناطق بحماسة وإيمان". وأكدت المندوبية السامية أن أسرة المقاومة وجيش التحرير، كسائر شرائح الشعب المغربي، وهي تخلد ذكرى بناء طريق الوحدة، لتتوخى استحضار قيم هذا الحدث التاريخي المجيد في مسيرات الحاضر والمستقبل تحت القيادة الحكيمة لباني المغرب الجديد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الذي يحمل لواء بناء وإعلاء صروح الوطن، مشيدة بالمبادرات الكبرى وأوراش الإصلاح والتنمية البشرية والنهضة الشاملة والمستدامة للمغرب الموحد من طنجة إلى الكويرة، مؤكدا، حفظه الله، على التحلي بالمواطنة الإيجابية الفاعلة والملتزمة في ملحمة الجهاد الأكبر، الاقتصادي والاجتماعي، وإعلاء صروح الوطن وتحقيق مشاريع الخير واليمن والبركات، إسعادا لشعبه الوفي بكل أرجاء الوطن، وتعزيزا لمسيرة المغرب الموفقة وارتقائه في مدارج التقدم والازدهار.