في مسرحية "مشطة وقدم" تنطلق الدعوة الى الفرجة منذ البداية، فالركح هنا انفتاح على ذكريات مجموعة من الشيخات اللواتي رسخن وجودهن الفعلي في المشهد الفني المغربي، لكن تكالب عليهن الدهر وعشن أيامهن بين نار النشاط ونار العوز. المتتبع للمسرحية يجد نفسه في عمق التراث الشفهي المغربي، حيث تفنن المسرحيون الأربعة في تجسيد هذه الشخوص، وبلغة هي أقرب إلى "العروبية"، كشفت فرقة "بيت المسرح المغرب الخريبكية" القناع على هوامش هذه المجموعة التي أثرت التراث المغربي في جزئه الشفهي، لكنها لم تنصف ولم تنل حظها من المجد، تفننت المجموعة التي تتكون من شيخ الفرقة والعازف وصاحب الإيقاع والشيخة ذات الصوت الشجي، وصاحبة العيوط، في تقديم عرض مسرحي سافر بالجمهور الذي اكتظت به قاعة العروض المسرحية بالمركب الثقافي كمال الزبدي، إلى عوالم من الزمن الجميل، رغم طنك العيش والمعاناة التي تدخل مخالبها في أجساد هذه المجموعات التي كانت تتنقل من مدشر إلى مدشر لرسم الفرحة على قاطنيه. إن رهان الوجود بالقوة والفعل رفعته "مشطة وقدم" من خلال استعراض فني جميل ولقطات مسرحية زادها تأثيث الديكور ألقا وحضورا، علما ان السينوغرافيا وصناعة الديكور من إنجاز الفنان والديزاينر، إدريس الأمامي، الذي استطاع بحدسه الفني وبحرفيته في صناعة ديكور أن يستجيب لأفكار المسرحية وتيمتها. إيقاع العرض أضفى شحنة قوية على المكان، وساهمت الإنارة والديكور في خلق جو خاص وإحساس بالفضاء المسرحي يتجاوز أحيانا الخشبة، ويسافر بالمتيمين بالمسرح الفرجوي إلى عوالم النشاط، الذي لن "يشيط". المسرحية شاركت فيها وجوها خريبكية بامتياز، وهي من تأليف إدريس الطلبي واخراج محمد الوافي، ومن إنتاج حسن أكرديس، بينما المحافظة العامة لأحمد لوديلي، والبطولة للممثلة سعاد رجاء، وعلال الهمداني، وأحمد النحلة، والحسين ميسخون. والحكاية تدور حسب ورقة تقديمية حول مجموعة من الشيخات حكمت عليهن خطوب القدر بالتقهقر في السلم الاجتماعي والفني والتخبط في متاهات المادة وتفكك الروابط الاجتماعية والانسانية، فلم تعد تعيش الا على ذكريات الماضي، حين كانت للعيطة سطوة داخل المجتمع، و"مشطة وقدم" تمثل رد الاعتبار لرواد هذا الفن.