مثل عشرات من التجمعات السكنية الأخرى في العراق تحول هذا التجمع السني الصغير بمنطقة طوز خورماتو بشمال محافظة صلاح الدين إلى ركام. ففي أكتوبر الماضي استولى مقاتلو ميليشيا شيعية وقوات البشمركة الكردية على القرية من تنظيم الدولة الإسلامية. ثم خرب الجانب المنتصر القرية فنهب كل ما له قيمة وأشعل النار في جانب كبير مما تبقى. ولم يسمح حتى الآن لسكان القرية بالعودة إلى ديارهم. وسئل أحد المقاتلين الشيعة عن الدخان المتصاعد من منازل ماتزال تحترق فقال "رجالنا يحرقونها". وسئل لماذا فهز كتفيه وكأن الإجابة واضحة لا تحتاج إلى رد. وتجوب مجموعات من المقاتلين الشيعة والأكراد الأراضي المحروقة وهي تتلهف على بسط نفوذها على أهم المناطق الاستراتيجية أو البيوت القليلة التي لم تمتد إليها يد التدمير. وفي الوقت الحالي يجمع بين الجانبين تحالف ملائم وإن لم يكن مريحا في مواجهة الدولة الإسلامية. هذه هي الطريقة التي يتشكل بها العراق الجديد حجرا حجرا وبيتا بيتا وقرية قرية وهو ما يحدث في الغالب بعيدا عن أعين المسؤولين في بغداد وعن سيطرتهم. والنتيجة بلد مختلف عن البلد الذي كان موجودا قبل يونيو الماضي. ففي ذلك الشهر انهارت قوات الجيش والشرطة العراقية التي كان الفساد والطائفية تنخر فيها عندما اجتاح مقاتلو الدولة الإسلامية مدينة الموصل أكبر مدن شمال العراق. وكان انتصار التنظيم في الموصل خطوة في اجتياحها المدهش لمساحات كبيرة من العراق. وتباطأت حملة الدولة الإسلامية قرب نهاية فصل الصيف. لكن التنظيم أصبح يسيطر على ما يقرب من ثلث مساحة العراق بما في ذلك مساحات شاسعة من صحرائه الغربية وأجزاء من الحزام الأوسط الذي خربته الحرب. وحطمت هذه الحملة أيضا وهم وجود دولة موحدة وفتحت سلسلة من الشروخ الطائفية ودفعت بعض الجماعات المتنافسة لحماية أرضها ودفعت بالبعض الآخر إلى الدمار. وأصبح أقصى شمال البلاد في حقيقة الأمر منطقة كردية مستقلة توسعت لتشمل كركوك الغنية بالنفط والتي يتنازعها الأكراد والعرب منذ فترة طويلة. وسقطت مناطق أخرى في الشمال في أيدي مقاتلي الميليشيات الشيعية والبشمركة الكردية الذين يبسطون نفوذهم على أي أرض يستطيعون السيطرة عليها. وفي الضواحي الريفية حول العاصمة العراقية وفي محافظة ديالى إلى الشرق وإلى الشمال باتجاه سامراء تستولي ميليشيات تساندها في بعض الأحيان قوات الجيش العراقي على أراض وتدمر منازل في المناطق السنية. وأخيرا تأتي بغداد والمحافظات الجنوبية الخاضعة كما هو واضح لحكم الحكومة التي يقودها الشيعة. لكن الدولة أصبحت هيكلا لما كان عليه حالها. فمع تبدد الاحترام للجيش والشرطة اتجه العراقيون في الجنوب إلى الميليشيات الشيعية التي استجابت لنداء توحيد الصفوف الذي أطلقته أعلى القيادات الدينية للتصدي للدولة الإسلامية. ويأمل رئيس الوزراء حيدر العبادي الشيعي المعتدل الذي تولى رئاسة الحكومة في شتنبر بعد أربعة أشهر من الانتخابات توحيد البلاد من جديد. وقد حاول العبادي إشراك الطوائف الرئيسية الثلاث واستخدم نبرة أكثر تصالحا من سلفه نوري المالكي الذي كان في كثير من الأحيان تصادميا ويتبنى مواقف مثيرة للخلاف. والآن أصبح العبادي والأكراد بل وبعض الساسة من السنة يتحدثون جميعا عن ضرورة الاتفاق على أقاليم اتحادية حتى يمكن لطوائف الشعب العراقي أن تحكم نفسها بنفسها وتظل جزءا من دولة موحدة. غير أن العراق انقسم لأكثر من ثلاثة أجزاء وكلما طالت مدة بقاء هذه الأجزاء ازدادت صعوبة إعادة بناء البلاد حتى في صورة اتحاد فيدرالي فضفاض.