سطرت لجنة مراقبة المالية العمومية، التي بادر مجلس النواب بتفعيل دورها بهدف إعداد تقرير برلماني شامل ومستفيض حول ملف التمويل العمومي للجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، أجندة تستمع خلالها إلى كافة المسؤولين الحكوميين وتقديم تقارير مفصلة عن هذا التمويل. وانطلقت جلسات الاستماع الذي حددتها أجندة اللجنة، في إطار تفاعل المؤسسات مع النقاش العمومي الذي خلقه الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، نهاية يوليوز الماضي، حيث استمعت لحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. وفي العرض الذي قدمه الشوباني، أكد أن العمل الرقابي البرلماني يكتسي أهمية كبيرة، بالنظر إلى تنامي حجم التمويلات الوطنية والأجنبية الموجهة للفعل المدني وإلى العدد المتزايد للجمعيات وانتشارها الوسع في مختلف مناطق المغرب، وكذا جمعيات مغاربة العالم، بالإضافة إلى الأدوار المحورية التي تلعبها في مجال المساهمة في جهود التنمية الوطنية الشاملة وتعزيز الحريات والدفاع عن حقوق الوطن والمواطنين، وتقديم الخدمات المدنية التضامنية للفئات المستضعفة، وخلق الثروة وإنتاج فرص التشغيل. وأبرز الشوباني، في العرض الذي حصلت عليه "المغربية"، أنه في ظل صعوبة التوفر على معطيات رقمية دقيقة وشاملة حول عالم التمويل الموجه لجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، يتعين إثارة حقيقة مؤشر غياب تقرير وطني حول الشراكات والتمويل العمومي للجمعيات، بالرغم من وجود منشور للوزير الأول السابق إدريس جطو سنة 2003، يتضمن ضرورة إنتاجه كوثيقة مرجعية للتتبع وتقييم التمويل العمومي في هذا المجال، قائلا" مما يجعلنا أمام أرقام عامة لا تسمح بأي قراءة موضوعية دقيقة لواقع التمويل العمومي". وأعلن العرض نفسه أن أقل من 20 في المائة من الجمعيات تستفيد من أزيد من 80 في المائة من التمويل العمومي المرصود للعمل الجمعوي، موضحا أن هذه الأرقام تثير مؤشرا دالا على اختلالات العلاقات الموضوعية مع جمعيات ومنظمات المجتمع المدني " ويضع شكوكا حول تكافؤ الفرص والمساواة بين هيئات المجتمع المدني وحول شفافية تمويلها". كما أبرز العرض أن أزيد من 95 في المائة من الجمعيات الوطنية "لا تقدم أي كشف دقيق لحساباتها بعد حصولها على التمويل، ما يثير سؤال مآلات تتبع مسار النفقات التي تم القيام بها في إطار تنفيذ البرامج الممولة ومصير الموارد التي تضعها الدولة تحت تصرف الجمعيات"، مشيرا إلى أن المعطيات الإحصائية العامة المتعلقة بالمالية العمومية تفيد"فقط" أن عدد الجمعيات المستفيدة من الدعم العمومي في إطار ميزانيات القطاعات الحكومية، برسم 2013 وصل إلى 534 جمعية. وأبرز أن القطاعات الاجتماعية تحتل موقع الصدارة في هذا المجال، حيث بلغ عددها 366 جمعية و118 في القطاع الاقتصادي، و12 في القطاع الإداري، و38 جمعية في مجالات أخرى، مشيرا إلى "غياب مؤشرات رقمية ومعطيات دقيقة متعلقة بمعلومات عن هذه الجمعيات وطبيعة المشاريع البرامج المستفيدة من الدعم، فضلا عن غياب معطيات تهم سنوات سابقة بما يسعف بإجراء قياس التطور لحصيلة الدعم العمومي الداخلي الموجه لجمعيات المجتمع المدني". وسجل العرض أيضا، ضعف التمويل العمومي الموجه في الميزانية العامة الاعتيادية للجمعيات الفاعلة في القطاعات الاجتماعية، إذ لم يتجاوز 467 مليون درهم، خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2014، مضيفا أن 6 في المائة فقط تمثل مجموع المنح المرصودة لمختلف أنواع الجمعيات في الميزانية العامة للدولة، في حين أن مؤسسات النهوض بالأعمال الاجتماعية للوزارات والمؤسسات العمومية والجمعيات الفاعلة في القطاع الإداري استفادت من 6962 مليون درهم، أي بنسبة تصل إلى 85 في المائة من مجموع الاعتمادات المرصودة للجمعيات. وسجل العرض نفسه، غياب معطيات إحصائية تخص مصادر الدعم العمومي للجمعيات من طرف المؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات التي تعد فاعلا عموميا أساسيا في تنفيذ مختلف البرامج المسطرة، في إطار مختلف المجالات والأوراش التنموية والترابية والنهوض بالحقوق والحريات، بشراكة مع المجتمع المدني، موضحا أن أهم مصادر التمويل العمومي للجمعيات تتمثل في الدعم الذي تقدمه الدولة، والذي يقدر سنويا ب186 مليار سنتيم من القطاعات الحكومية و66 مليار سنتيم من الجماعات الترابية، فيما تستفيد الجمعيات من حوالي 22 مليار سنتيم كدعم خارجي سنة 2013، يقدم مباشرة لهيئات المجتمع المدني في إطار تنفيذ برامجها.