بعد أزيد من ساعتين من النقاش المعمق، خرج المشاركون في الورشة الأولى "التنمية الجهوية المندمجة: بين تقليص الفوارق المجالية ورهان التنافسية وجاذبية الاستثمار"، المنظمة في إطار فعاليات المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة، التي احتضنتها مدينة أكادير، يومي الجمعة والسبت، بالإجماع على أهمية التخطيط الاستراتيجي. ولفت المشاركون الذين توزعوا بين فاعلين ترابيين ومسؤولين مركزيين في قطاعات وزارية وأكاديميين وممثلي القطاع الخاص، إلى المكانة التي يحتلها هذا التخطيط خاصة على مستوى التصاميم الجهوية لإعداد التراب ومخططات التنمية الجهوية، في تحقيق تنمية جهوية مندمجة على جميع الأصعدة. واعتبر المتدخلون خلال هذه الورشة المنظمة في اليوم الأول من عمر المناظرة المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن اعتماد مخططات جهوية ناجعة يشكل رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة، وآلية ناجعة لتجاوز الفوارق المجالية داخل الجهة، وتحسين الجاذبية والتنافسية وجذب الاستثمار. وفي هذا السياق، قال مصطفى الباكوري، رئيس مجلس جهة الدارالبيضاء-سطات، إن اعتماد تخطيط استراتيجي جهوي ناجع يمكن من تعزيز جاذبية الجهة وتنافسيتها الاقتصادية، ويمكنها من جلب استثمارات أكثر. واعتبر الباكوري أن نجاعة التخطيط الاستراتيجي الجهوي يتوقف على مدى قدرته في تقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية داخل الجهة لكونها تشكل عائقا كبيرا في تجويد المناخ العام للاستثمار. ودعا الباكوري إلى العمل على الارتقاء بالبنية التحتية وبالعنصر البشري داخل الجهة من أجل تعزيز جاذبيتها، لافتا إلى أن المنتخبين مطالبين اليوم بالاشتغال الجاد على تنزيل مضامين الجهوية المتقدمة لتحقيق التكامل المرغوب فيه بين الجهات ال12 للمملكة، مستحضرا عددا من الجهات التي شرعت في تنفيذ برامج تنميتها الجهوية المعتمدة من طرف مجالسها المنتخبة، ما مكنها من المساهمة في إغناء النقاشات حول النموذج التنموي الجديد. وأشار رئيس مجلس جهة الدارالبيضاء - سطات إلى أن التنزيل السليم لمشروع الجهوية المتقدمة سيمكن المغرب من الدخول في مرحلة جديدة من التنمية السوسيو-اقتصادية، وتحقيق قفزة نوعية في عدد من المجالات الحيوية. من جانبه، قال ينجا الخطاط، رئيس جهة الداخلة واد الذهب، إن الأولية في اعتقاده يجب أن تعطى للتخطيط الاستراتيجي الجهوي، لكون مجالس الجهات والجماعات الترابية هي الأقرب للمواطنين وأيضا للفاعلين الاقتصاديين. واضاف الخطاط أن مجلس جهة الداخلة انخرط في هذه المنهجية منطلقا من عدة نقاط تتمثل في التنمية الجهوية المندمجة والتي أعطاها صاحب الجلالة دفعة قوية في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الأربعينية للمسيرة الخضراء، وجاءت كحل لمعضلة التنمية الجهوية المندمجة وتقليص الفوارق المجالية، ورفع مستوى التنافسية وخلق فرص الشغل. وتمثلت، ايضا، يضيف الخطاط، في انخراط الحكومة في هذا المسار من خلال التعهد مع الجهات تجسيدا للإرادة الملكية على أرض الواقع. واكد رئيس جهة الداخلة على اهمية التجربة الجهوية في مجال التخطيط والبرمجة، حيث تطرق للدور المحوري الذي يجب أن تلعبه الجهة في مجال التنمية المندمجة والمستدامة بالنظر للاختصاصات المسندة إليها، مستعرضا تجربة مجلس الجهة الذي يرأسه في هذا المجال. واعتبر المتحدث أن الجهة يجب أن تكون في صلب مشروع النموذج الجديد للتنمية، بالانطلاق من الجهة وصولا إلى تصور تنموي متكامل ومندمج يراعي خصوصياتها ويثمن مؤهلاتها. كما ركز الخطاط على ضرورة تثمين برامج التنمية المندمجة المعتمدة بعدد من جهات المملكة، خاصة برنامج التنمية المندمجة لجهات الصحراء وبالتحديد بجهة الداخلة - وادي الذهب كنموذج، فضلا عن إبراز المخططات الجهوية للتنمية المعدة بشكل تشاوري والتي تضمنت رؤى هذه المجالس للتنمية بهذه الجهات، إضافة إلى اعتماد التصاميم الجهوية لإعداد التراب. واعتبر أن تحقيق نجاعة أحسن يتطلب العمل على ضمان التقائية السياسات العمومية والقطاعية مع برامج التنمية للجماعات المحلية في إطار تفعيل حقيقي للجهوية المتقدمة، والتنزيل الفعلي لمشروع اللاتمركز الإداري، ودعم دور الجهات في مجال التعاون الدولي اللامركزي. عبد اللطيف النحلي، الكاتب العام لوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فأكد على الإرادة الملكية الواضحة التي طبعت الخطب الملكية الأخيرة، حيث تتجلى مقوماتها اولا في الحد من الفوارق المجالية كهدف أساسي في المرحلة المقبلة للقضاء على التفاوتات المجالية، وثانيا في الاستجابة إلى حاجات المواطنين، وثالثا هي تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. وأشار إلى أنه لبلوغ هذه المقومات لابد من إعادة تحيين الاولويات والأهداف الوطنية في مجال إعداد التراب، وتحقيق الانسجام في الانتقائية والتدخلات، والانتقال من منطق التدخلات القطاعية إلى منطق التدخلات الترابية مع تغيير المقاربة في مجال التخطيط الجهوي. وبخصوص التخطيط في المجال القروي وتقليص الفوارق المجالية، كشف مدير التنمية القروية والمناطق الجمالية بوزارة الفلاحة، سعيد الليث، أن هناك مخططا يجري إنجازه منذ ثلاث سنوات تنفيذا للتعليمات الملكية التي جاءت في خطاب العرش لسنة 2015، والتي اعطى فيها جلالته تعليماته السامية للحكومة من أجل إنجاز برنامج للبنيات التحتية في العالم القروي خصوصا المناطق النائية والجبلية، بقيمة 50 مليار درهم. وأضاف الليث أن هذا البرنامج يدخل في إطار الاختصاصات المشتركة بين الحكومة ومجالس الجهات، حيث ستستفيد منه حوالي 12 مليون نسمة، متواجدة ب 1250 جماعة ترابية و 73 اقليما وعمالة ومجالس الجهات ال 12 . وفسر المتحدث أن هذا البرنامج يقوم على خمسة قطاعات أولها بناء المسالك والطرق القروية، ثم التعليم والصحة والكهرباء والماء، وهدفه الأساسي تنزيل وتنفيذ برامج مندمجة، وتقليص الفوارق المجالية عن طريق توفير ظروف للحكامة من خلال عمل مشترك بين الوزارة ومجالس الجهات. المهدي عبد الكريم، رئيس لجنة التنسيق مع الجهات والشراكة بين القطاع العام والخاص بالاتحاد العام لمقاولات المغرب، فعرج على الرسالة الملكية السامية للمشاركين في المناظرة الأولى للجهوية المشتركة، والتي كانت فيها إشارة واضحة للقطاع الخاص، معتبرا أن اتحاد المقاولات مسؤول عن إنجاح ورش الجهوية المتقدمة من خلال رفع رهانات مهمة تمكن من تنمية اقتصادية مجالية وتنمية وجاذبية في الجهات. وتطرق في هذا الصدد إلى سبع محاور تجلت أساسا في ضرورة اشراك القطاع الخاص في اعداد برامج النماذج التنموية للجهات، وأن يكون في صلب البرامج الاقتصادية للجهة، مع تشجيع ابرام عقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، كرافعة للتنمية وتشجيع الاستثمار، وأيضا إعادة النظر في المناطق الصناعية، واعداد عرض جهوي شامل ومتكامل لمكونات الجهة والتسويق المجالي، فضلا عن تفعيل اللجان الجهوية لتحسين مناخ الاعمال، وتشجيع ريادة الاعمال الاجتماعية. وأكد باقي المشاركين في الورشة على دور الجهة كدعامة رئيسية لبلورة وبناء النموذج التنموي المنشود، كما سجلوا أهمية تقاسم التجارب المرتبطة بالنهوض بالتنمية الجهوية من طرف مختلف الفاعلين، لاسيما القطاع الخاص ومشاركة المجتمع المدني في الدينامية التنموية على مستوى الجهة. وجرى تنظيم المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة، على مدى يومين، بأكادير، وحسب المنظمين "وزارة الداخلية وجمعية جهات المغرب" فإن أهدافها تتوخى تقاسم عناصر التشخيص المتعلق بالحصيلة الإجمالية لتنزيل الجهوية المتقدمة، وتحديد المداخل الأساسية لتحقيق نقلة نوعية في مسلسل تنزيل الجهوية المتقدمة، والتنزيل الأمثل للميثاق الوطني للاتمركز الإداري من أجل تفعيل أنجع للجهوية المتقدمة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الإنجازات والتحديات، وتبادل الممارسات الجيدة والتجارب المبتكرة. Phs. Aissa Saouri