لعل أهم ما يميز واحة فجيج، وهي نموذج للمجتمع الواحي بالمغرب الشرقي بالخصوص، الطقس الحار جدا خلال فصل الصيف، ما يشكل في شهر رمضان الفضيل اختبارا لقوة إيمان وعزيمة القاطن بها، وامتحانا لتشبثه المتين بعقيدته واحتسابه الثواب عند الله سبحانه. ويتميز المجتمع الواحي المتاخم لحدود الصحراء، خلال شهر الصيام بالخصوص، بالعديد من العادات الاجتماعية المتوارثة، التي لم يفلح تعاقب السنين في تغييرها، من قبيل الإقبال الكبير على بيوت الله وتلاوة القرآن الكريم وذكر الله جل وعلا، وكذا البساطة في العيش وعدم الإسراف أو التباهي. ولأن التمر هو المنتوج الأكثر وفرة بواحة فجيج، المحاطة بالنخيل وبالجبال، التي تعد إحدى أقدم واحات شمال إفريقيا، فإنه يشكل أساس النمط المعيشي لدى سكان المنطقة، بحيث يحضر بقوة على مائدتهم خلال الفطور أو عند السحور وبأشكال متنوعة. ويستهلك التمر مع اللبن و"الآط الكليلة أو اللبن اليابس"، لأن الفكرة المتوارثة هي أن تناول هذين المنتوجين المحليين معا، يمنح الجسم صلابة وجلدا وقدرة على الصبر على الجوع والعطش أيضا، ولو في عز الحر. في هذا الصدد، تقول فاطمة كاكو، الباحثة في مجال الموروث الثقافي لواحة فجيج، إن مائدة الإفطار خلال شهر رمضان، عند بداية القرن الماضي، كانت تتشكل من التمر و"الكليلة" اليابسة والطازجة، والسمن "الحائل" المستخلص من حليب الماعز والرغيف و"أزغال"، وهي "حريرة" بطحين غليظ معدة بطماطم وشحم يابسين. وتضيف الباحثة أن السكان يكتفون عند السحور بتناول التمر مع اللبن أو "الكليلة" والكسكس المعد بالشعير أو القمح الصلب، وهو خليط غدائي محلي بامتياز يتوفر على سعرات حرارية كالبروتين، ملاحظة أن "هذا النمط المعيشي، الذي عمر طويلا ولقرون، سوف يتوارى تدريجيا، عدا عند بعض المسنين وبعض المساهمين في المحافظة على التراث في مجال التغذية". وتستند الباحثة إلى دراسات جامعية لتؤكد أنه، خلال سنة 1930، ستشهد مائدة الإفطار تغيرا ملحوظا بفعل دخول مواد غذائية جديدة، إذ سيطرأ تحول كبير على نمط التغذية المحلية في الواحة، بعد توسع وازدهار التجارة وتنوع معروضاتها. مع توفر التوابل والقهوة، كان لابد من توفر آلة لطحنها، لذلك اهتدت الأسر إلى استغلال إناء مصنوع من جذع النخيل محفور من الداخل على شكل "مهراز" يتراوح علوه ما بين 40 و70 سنتمترا، تدق فيه تلك التوابل بواسطة عمود من شجر الرمان أو العرعار. حسب الباحثة كاكو، كان تداول الإناء يساعد على ضبط إيقاع التجارة، وسلوك الناس، وانصياعهم طواعية لإيقاع التناوب وضبط توقيته. وكانت النساء يلتقين ويجلسن القرفصاء متقابلات عند أبواب منازلهن، أو يجتمعن في باحة (سراي) أحد المنازل، لتبدأ عملية دق وطحن التوابل يرافقنها بأهازيج وأذكار روحية تتلى بالامازيغية المحلية وتغلب عليها معاني التضحية والصبر والتفاني والإخلاص. وإلى جانب إنتاج التمور، تمثل صناعة الصوف من أجل نسج "البرانس" صناعة واحية بامتياز تقوم بها النساء بإخلاص وتفان، ففي شهر رمضان المبارك، تستيقظ النسوة القاطنات بالمدينة القديمة، حيث الطقس أقل حرارة بفضل البناء بمواد تقليدية، لغزل الصوف ونسجه إلى حدود صلاة الظهر، قبل أن تخلدن إلى بعض الراحة، حتى أوان صلاة العصر، حيث تنصرفن إلى تهييء وجبتي الفطور والسحور. بخصوص صناعة "البرانس"، تضاعف النساء من مجهوداتهن خلال شهر رمضان، فتنتجن برانس ذات جودة عالية، خاصة نوعي "برنوس الوبر" المصنوع من صوف الإبل، و"أخدوس وهو أسود اللون، ويليهما في الجودة السلهام الأبيض و"الحر". تشير نعيمة زايد، رئيسة جمعية فجيج للمرأة والطفل العاملة في مجال رصد عمل المرأة، إلى أن مرد ارتفاع مردودية إنتاج البرانس في بعض حقب التاريخ وجود عدد كبير من الزوايا بالواحة، إذ كانت طلبات شيوخها كثيرة ومتنوعة، إلى جانب كون واحة فجيج كانت معبرا لعدد كبير من حجاج بيت الله الحرام آنذاك، وكان هؤلاء يتزودون بتلك البرانس، إما لاستعمالها أو الاتجار فيها أو منحها هدايا. بعد الفطور، تتهيأ النساء لصلاة التراويح في المساجد، ويحضرن حلقات من الأحاديث العامة قاسمها المشترك تفاصيل أعمالهن خلال النهار، وغالبا ما يستذكرن بكثير من المرح بعضا من المواقف الفكاهية للترفيه عن أنفسهن من عناء أعمال النهار. كما تقوم النساء، بعد أداء صلاة التراويح، بزيارة الأقارب ومؤانسة الأرامل، اللائي مازلن في العدة، وتتخلل هذه الزيارة قراءة القرآن الكريم وبعض الأمداح والأذكار.