استهل المفكر المصري حسن حنفي مداخلته حول موضوع "الخطاب الديني: إشكالياته وتحديات التجديد"، خلال افتتاح المؤتمر السنوي الثاني لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث، الذي انطلقت أشغاله، صباح أول أمس السبت، بمراكش، بافتخاره بأصوله المغربية تصوير سعيد المعين إذ كشف أن جده كان استقر بمصر خلال عودته من الديار المقدسة، قائلا "كم هو جميل أن يعود الإنسان إلى مسقط رأسه بالمغرب، فأصولي مغربية، وأحن باستمرار إلى مسقط رأس أجدادي". وقال حنفي، أحد أهم المفكرين العرب المعاصرين، إن "التجديد" لفظ ليس له وجود، لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، بل شاع في الفكر العربي المعاصر، مترجما بشكل حرفي عن اللغات اللاتينية، في حين اعتبر "الخطاب" لفظا قرآنيا، وإن كان الشائع هو مصطلح "القول"، مشيرا إلى أنه عند استعمال مصطلح الخطاب يتم استحضار الترجمة عن اللغات اللاتينية. وطرح حنفي العديد من الأسئلة من قبيل "هل يعني مصطلح "الديني" الكتاب والسنة؟ أم نعني به الفكر الإسلامي والفلسفة والتصوف؟ وهل تجددت لغة القرآن والسنة؟ ولمن نجدد؟ للنخبة حتى تكون أكثر تعاملا مع التراث، أم نجدد للطبقة المتوسطة حتى تكون أكثر تأثيرا؟ أم لعامة الشعب؟ وما الهدف من تجديد الخطاب الديني؟ هل لجعل الدين أكثر قبولا أم لنجعله أفضل استعمالا؟ واعتبر أن تجديد الخطاب الديني يقوم على مسلمة أن هناك علاقة تمايز بين اللفظ والمعنى، موضحا أن "اللفظ هو المتغير فيما المعنى هو الثابت، مثل العلاقات بين الله والعالم، وبين النفس والبدن، الله ثابت والعالم يتغير، والنفس ثابتة بينما البدن يتغير". وأشار حنفي، رئيس قسم الفلسفة في جامعة القاهرة، إلى أن هذه الثنائيات تجلت أيضا في اللغة، وإن كانت هناك نظريات أخرى في اللغة تذهب إلى أن الألفاظ تتغير كما المعاني، وأنه لا توجد أشياء ثابتة، فعندما تتغير المقاصد تتغير المعاني والألفاظ، جازما بأنه يصعب تجديد الخطاب الديني ما لم يحصل القبول بثنائية اللفظ والمعنى. واعتبر حنفي أن "الخطاب الأصولي هو أكثر الخطابات، التي لم يشملها التغيير، حتى أصبحت العلاقة مع العالم علاقة تحريم، في حين الخطاب الصوفي، وهو خطاب العامة، يشيع ألفاظا كالرضا والفناء والخوف، وهي ألفاظ لا علاقة لها بخطاب الثورة"، لافتا إلى أن في مصر وحدها أكثر من 10 ملايين صوفي يضمنهم رئيس الدولة ويعين شيوخهم. وأوضح أن هناك "خطأين في تجديد الخطاب الديني، خطأ الاستمرار في استعمال اللغة القديمة، وتمثله الحركة السلفية، وخطأ استعارة لغة التجديد من الغرب والاكتفاء بتعريبه"، ويخلص حنفي إلى أن ثمة حركة سلفية تستعمل لغة قديمة في مواجهة خطاب آخر، يخضع للتأثير الأجنبي، ويحول الألفاظ إلى حروف عربية، منتهيا إلى أن باطن الصراع بينهما سياسي بامتياز. من جانبه، اقترح المفكر اللبناني رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، في مداخلته حول موضوع "إشكالات التعامل مع الإسلام بعد الثورات العربية الأخيرة"، ثلاثة مخارج من الأزمة التي يمر بها المسلمون، عبر إعادة الاعتبار إلى المؤسسات الدينية التقليدية، ونقد عملية تحويل المفاهيم التي يقوم بها الإسلام الراديكالي، ودعم الفئات السياسية الجديدة لإقامة أنظمة الحكم الصالح. ويندرج المؤتمر في إطار استراتيجية مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والابحاث، التي تسعى لتفعيل النقاش والسؤال حول هذا الموضوع القديم المتجدد، "الذي كان محصورا في إطار النخب الدينية والفكرية، لتبرزه الأحداث الأخيرة بالعالم العربي، وتضعه في قلب اهتمامات الإنسان العربي العادي وأسئلته الملحة. ويقول المشاركون في المؤتمر إنهم يسعون إلى تأسيس خطاب ديني عقلاني علمي، ومؤمن، لا يعترف بالحدود، والخروج برؤية تشاركية تصالحية عملية وعقلانية، تتعالى على إفرازات الواقع الطائفية والمذهبية، وتكون قادرة على إزاحة الخطابات الإقصائية، التي تستثمر كأرضية خصبة للفكر المتطرف، الذي يحاول هضم الوطن والمجتمع والإنسان داخل حدود عقله وأفقه الضيق. وتهدف مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، حسب المشرفين عليها، إلى تهيئة الفرصة والبيئة الملائمة والدعم الذي يتيح لمختلف أنماط التعدد الفكري والثقافي ذي الطابع العقلاني والعلمي، لتتفاعل بينها وتتآلف جهودها، وتعزيز الدراسات والبحوث النقدية والتحليلية للموروث الديني.