لم تكن هذه الرحلة مبرمجة ضمن الرحلات التي تثير الزائر، وهو يكتشف، لأول مرة، إقليم زاكورة، أحد الأقاليم السبعة التي تتشكل منها جهة سوس ماسة درعة، الذي كان مهد حضارات عديدة سادت لفترة من الزمن وأعطت إشعاعا حضاريا وثقافيا ودينيا وتمثل، على الخصوص، في المشعل الذي حملته الزوايا الموجودة بالمنطقة، وعلى رأسها الزاوية الناصرية، التي تأسست على يد الشيخ عمرو بن أحمد الأنصاري، عام 983 ه، والتي لعبت دورا رئيسيا في الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وفي الإشعاع الديني والعلمي. زاكورة لم تكن سوى واحة، ومدينة، وكتابا مفتوحا خصصت صفحات منه للحكايات وأخرى للأساطير، وما بين الحكاية والأسطورة دروب جغرافية وتاريخية طويلة افترشتها القصبات في قلب الصحراء عبر وادي درعة ومنطقة الواحة مرورا بخزانة تامكروت، التي سهر المفكر والباحث والمؤرخ محمد المنوني على التنقيب عن ذخائرها التي أغنت المغرب الثقافي. وعكس ما قد يتبادر إلى ذهن الناس من احتمال أن تكون زاكورة، بالنظر إلى مناخها الصحراوي، خالية من النبات إلا من النخيل وغيره من الأشجار المعروفة بقدرتها على تحمل الظروف المناخية مهما بلغت قساوتها، فإن الغطاء النباتي لهذه المنطقة متنوع رغم غلبة الطابع الصحراوي على مكوناته. كما أن ارتفاع درجة الحرارة، التي يعتبرها البعض مبررا منطقيا لعدم المغامرة بزيارة زاكورة في فصل الصيف، يعد نقطة قوتها لدى غالبية السياح الراغبين في اكتشاف الأقاليم الصحراوية وأنماط عيش سكانها. أصل التسمية اسم زاكورة مشتق من جبل "تازاكورت" الذي تحتمي بظله، و"أزكور" في اللهجة المحلية تعني الكنز. زاكورة مدينة ذات طابع خاص، احتفظت بأصالتها وطابعها الهندسي، رغم رياح التحديث التي هبت عليها من جميع الجهات، خصوصا مع التوافد الكبير للسياح الذين يأتون إليها من مختلف مدن المملكة. يذكر التاريخ أن منطقة زاكورة كانت مهد الأسرة السعدية التي حكمت المغرب في القرن السادس عشر، وامتد نفوذها حتى تومبوكتو في مالي، وعاشت هذه المدينة عبر القرون الخوالي محطة مهمة في طريق القوافل التجارية بين مراكش وتومبوكتو. روعة الغروب في زاكورة، التي يتغنى بها السياح، كما يتغنون بغروب محاميد الغزلان، لا يهتم بها أبناء المدينة المنشغلون باهتمامات معيشية أكثر إلحاحا، ويصفها أحد أبنائها فيقول إن زاكورة حي (حومة) شعبي كبير يضم بين ثناياه سلسلة من الفنادق والمقاهي والمطاعم والبزارات وغيرها من السلع والخدمات المقدمة لسائح محتمل. الفولكلور الرجالي المتميز بإيقاعاته الراقصة، وخزانة الزاوية الناصرية في "تامكروت" بمخطوطاتها النادرة، أصبحا بدورهما في خدمة السياحة، حتى بات من الصعب اليوم أن نتحدث عن زاكورة دون سياح. مؤهلات تسترعي السياح الأجانب يتوفر إقليم زاكورة على مقومات سياحية مهمة تتمحور حول جبال ووديان وواحات تمتد على طول 200 كلم من منطقة أكدز إلى امحاميد الغزلان، من بينها 32 قصبة وكتبان رملية، وواحات النخيل والنقوش الصخرية القديمة وزوايا تساهم كلها، وبشكل كبير، في استقطاب عدد السياح الوافدين على المنطقة، والبالغ عددهم 35 ألف سائح سنويا، وبليالي مبيت تبلغ حوالي 50 ألف ليلة في السنة. ينفرد هذا الإقليم بمؤهلات وخصائص متعددة تميزه عن باقي جهات المملكة، أهمها واحات النخيل الخضراء التي تشكل مصدر عيش نسبة مهمة من السكان، من خلال تسويق التمر إضافة إلى الأنشطة الفلاحية المعاشية رغم الإكراهات المتعددة التي تواجه الفلاحين. وبفضل موقع مدينة زاكورة الاستراتيجي المتميز، كمحطة سياحية ببوابة الصحراء، إلى جانب محطات سياحية أخرى بالجنوب المغربي بدءا من مرزوكة، ثم الريصاني موقع سجلماسة الأثري، وضريح مولاي علي الشريف، إضافة إلى مؤهلاتها الطبيعية الساحرة ومناظرها الطبيعية التي تجمع بين التفرد والجمال، وطيبوبة أهلها وقصورها وقصباتها وواحاتها وتلالها وكتبانها الرملية الساحرة، وماضيها العريق الضارب في أعماق التاريخ، ظلت زاكورة منذ قرون منطقة جذابة تعلق بها أهلها وأحبوها حد الافتتان، مصرين على التعلق بها، رغم صعوبة الظروف المناخية وقساوة الطبيعة الصحراوية. ولعل من بين أهم ما يشتهر به الإقليم الصحراء الشاسعة وما يميزها من حياة تقليدية للبدو الرحل وأجواء هادئة تستميل السياح، وتجعل من مؤهلاتها رهانا حقيقيا وواعدا للتعريف بالمنطقة والنهوض بها، تماشيا مع سياسة الجهوية الموسعة الهادفة إلى دعم وإبراز خصائص كل الجهات واستثمارها، هذه المؤهلات وغيرها جعلت الإقليم يستقطب اهتمام مجموعة من المستثمرين المغاربة والأجانب باعتباره موقعا سياحيا واعدا. مشاريع تنموية تنعش آمال السكان يتطلع إقليم زاكورة، في السنوات المقبلة، إلى تحقيق التنمية المنشودة، من خلال خارطة الطريق التي رسمها والمتمثلة في تفعيل برامج وإنجاز مشاريع في إطار الرؤية الاستراتيجية لتنمية المنطقة 2013-2020، التي بلغت نسبة إنجازها خلال السنة الماضية 24 في المائة. وتراهن هذه الرؤية على تحقيق التنمية من خلال فك العزلة عن الإقليم والحفاظ على ديمومة الموارد المائية وتطوير مصادر الطاقة الشمسية، فضلا عن الالتزام بالعمل على متابعة برامج التنمية البشرية، وإعمال مبدأ التكامل عبر بلورة الهوية البيئية للمجال الترابي للإقليم. واشتمل تفعيل الرؤية الاستراتيجية لتنمية الإقليم، برسم سنة 2013، على 69 مشروعا بالنسبة للبنيات التحتية الأساسية والتي بلغت تكلفتها 260 مليونا و280 ألفا و228 درهما، أما بخصوص القطاعات الاجتماعية فقد بلغت مشاريعها 198 مشروعا بكلفة مالية حددت في 107 ملايين و201 ألف و678 درهما، في حين خصصت للقطاعات الإنتاجية والخدماتية 131 مشروعا باعتماد مالي قدر ب78 مليونا و794 ألفا و604 دراهم. وشكل اللقاء التقييمي، الذي نظم أخيرا بمدينة زاكورة، حول الرؤية الاستراتيجية لتنمية هذا الإقليم، فرصة لإبراز هذه المحاور والبرامج التي ترتكز عليها هذه الاستراتيجية. تتوزع هذه المشاريع، على الخصوص، على مجالات تهم فك العزلة عن المجال الترابي وتسهيل التنقل، وتفعيل مسلسل هيكلة مدينة زاكورة، وتأهيل المراكز القروية بالمنطقة، وتزويد السكان بالماء الصالح للشرب ودعم التطهير السائل ومحاربة التصحر، وتقوية الشبكة الكهربائية وتعميمها، ودعم القطاع الفلاحي. وتعتمد الرؤية الاستراتيجية لتنمية إقليم زاكورة 2013-2020، التي قدرت اعتماداتها في مبلغ مليار و880 مليونا و350 ألف درهم، على رهان التكامل من أجل التعريف بالتراث المادي واللامادي للإقليم، وتنمية المنتوجات المحلية، إذ تميزت السنة الماضية بإحداث وحدتين لتبريد وتلفيف التمور بجماعتي ترناتة وتمزموط، بالإضافة إلى مواكبة التعاونيات لتنمية منتوج الحناء، ومصاحبة الجمعيات لخلق مجموعات ذات النفع الاقتصادي. وأنعشت المشاريع التنموية، التي همت تقوية البنيات التحتية الأساسية للمدينة والنهوض بجاذبيتها الاقتصادية، ومصاحبة النمو الديمغرافي والحضري، وتحسين إطار عيش السكان والحفاظ على المجال البيئي للمدينة والإقليم، آمال السكان المحليين في مستقبل أفضل للمنطقة يطوي كتاب عزلة طويلة عطلت استثمار مؤهلاتها الطبيعية والبشرية. وتبدو ردود فعل السكان كاشفة لأهمية المشاريع التنموية، التي تعكس فلسفة التنمية المندمجة، وتمكن في الوقت نفسه المواطنين من الاستفادة من البنيات الأساسية كحق أصيل، وتفضي بالتالي إلى إشراكهم في الدينامية التنموية كمنتجين للثروة. وعبر مجموعة من المواطنين عن مشاعر الغبطة والارتياح التي تغمر السكان وهم يعددون بفخر واعتزاز مختلف المشاريع التي أنجزت أو التي يجري إنجازها في مدينتهم، مؤكدين أن جميع السكان على قناعة تامة بأن كافة المشاريع المبرمجة ستجد طريقها نحو الإنجاز. وأكدوا، في حديثهم مع "المغربية"، أن مدينة زاكورة أصبحت تنتشي بوضعية اقتصادية واجتماعية، متميزة بفضل انخراط كل المنتخبين والفاعلين والمؤسسات في مسلسل التأهيل الحضري والتنمية المستدامة بالمدينة التي قطعت العهد مع مظاهر التهميش والإحباط. وأعربوا عن اعتزازهم وفخرهم بالتقدم الذي حققه المغرب، تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وكذا بالإصلاحات السياسية والديمقراطية التي انخرطت فيها المملكة، التي جعلتها تضطلع بدور ريادي على صعيد المنطقة العربية. مشروع تنمية النخيل المثمر خلال شهر نونبر من سنة 2009، قدم مشروع تنمية النخيل المثمر في ورزازات وزاكورة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمدينة ورزازات، وخصص لهذا المشروع الذي أنجز على مدى خمس سنوات غلاف مالي قدره 239 مليون درهم ويغطي مساحة إجمالية تبلغ 16000 هكتار، وسيستفيد منها 9248 فلاحا. المشروع مول في إطار شراكة بين وزارة الفلاحة والصيد البحري وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وحساب تحدي الألفية، وشمل المشروع عمليات تطوير شبكات السقي على طول 50 كيلومترا، وتوسيع أغراس النخيل المثمر، عبر إدخال شتلات مقاومة لداء البيوض، وإزالة الشوائب عن 155000 نخلة، وإنجاز عشر منشآت هيدروفلاحية، وتكوين الفلاحين في مجال إنتاج وتثمين المنتوج. يهدف هذا المشروع إلى زيادة إنتاج التمور في المنطقة لتبلغ 32000 طن في أفق سنة 2020، حاليا يتم إنتاج 16000 طن، وخلق 352000 منصب شغل، والمشروع جزء من البرامج التي تم إطلاقها في إطار "المغرب الأخضر"، وخصص غلاف مالي قدره 137 مليون درهم، لتطوير واحات زاكورة، بما يعود بالنفع على 6870 فلاحا. وجاء مشروع تنمية النخيل المثمر في زاكورة، بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت الواحات وأغراس النخيل، بسبب توالي سنوات الجفاف، وبفعل الفيضانات والتصحر وزحف الرمال وكذلك بسبب داء البيوض. تشكل واحات النخيل بزاكورة مصدر عيش لآلاف من الفلاحين، سواء من خلال زراعة النخيل المثمر، أو التعاطي لأنماط مختلفة من الزراعات المعاشية التي تتم بالموازاة مع تربية الماشية. وحرص مخطط المغرب الأخضر، الذي يعتبر بمثابة ورقة طريق لتحقيق نهضة فلاحية وطنية، على أن يحظى النشاط الزراعي الممارس في واحات النخيل بما يستحق من الاهتمام والعناية، ضمن الشق الثاني من هذا المخطط الذي خصص لتأهيل وتثمين الفلاحة التضامنية، حيث تشكل زراعة النخيل في الواحات جزءا وازنا ضمن هذا النمط من النشاط الزراعي التضامني بالمغرب. إلى جانب المبادرة الملكية الخاصة بتأسيس الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات، واستراتيجية مخطط المغرب الأخضر، الذي أطلقته وزارة الفلاحة والصيد البحري، تأتي المشاريع المدرجة في إطار الشق الفلاحي من برنامج المؤسسة الأمريكية "حساب تحدي الألفية"، الذي يجري تنفيذه في إطار شراكة مع المملكة المغربية، سواء من ناحية التمويل، أو في ما يتعلق بتنفيذ المشاريع على أرض الواقع، والاستعانة بالخبرات المحلية.