تقدم الأوركسترا الفيلارمونية للمغرب، ما بين 10 و15 أبريل الجاري، بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، أوبرا "دون جيوفاني"، للموسيقار العالمي موزارت. يندرج هذا الحفل الفني المنظم بمبادرة من مصرف المغرب والمسرح الوطني محمد الخامس، في إطار أنشطة الأوركسترا الفيلارمونية للمغرب، التي تسعى، منذ تأسيسها سنة 1996، إلى ترسيخ الموسيقى الكلاسيكية في المغرب، وتعريف الجمهور بما يختزنه ريبيرتوار الموسيقى العالمية، من خلال تقديم روائع الأوبرا العالمية في السنوات الثلاث المنصرمة مثل (توسكا، ولاترفييتا، وحلاق إشبيلية، وكارمن...). ويخرج هذا العرض الأوبرالي، الذي سيقدم لأول مرة في المغرب، بمشاركة أزيد من 60 عازفا مغربيا، بقيادة المايسترو الفرنسي، بينوا جيرو.المخرج الفرنسي، جان مارك بيسكاب، ويجسد أدوار البطولة فيه "البريتون باص" باولو بيسيولي في دور (دون جيوفاني) النبيل المشهور بعلاقاته النسائية، والسوبرانوا ميريلا دي فيتا في دور (دونا ألفيرا)، التي تخلى عنها دون جيوفاني، والسوبرانوا إيرين كاندوليير في دور (دونا أنا)، و"الباص" جون كريستوف غريغوار في دور الفلاح (مازيتو)، و"البريتون" أوليفيي غران، في دور الخادم (ليبوريللو). أوبرا "دون جيوفاني" من أهم أعمال الموسيقار العالمي موزارت، اقتبس فيها سيرة متداولة بين نبلاء أوروبا عن نبيل من مدينة البندقية الإيطالية يدعى جياكومو كازانوفا (1725 - 1796)، الذي ذاع صيته كزير للنساء. وتعد أوبرا "دون جيوفاني" من أهم أعمال المؤلف الموسيقي النمساوي موزارت، وهي الأوبرا الأكثر قتامة لموزارت، إذ ألفها بعد وفاة والده، كما قال ساليري. ورغم أن هناك آلاف القصص والأحاديث عن شخصية ساحر النساء، الذي اخترعته المخيلة الشعبية لتجعل منه مثالا رمزيا لتضارب الخير والشر في النفس البشرية، إلا أن المؤلف العبقري موزارت، برع في تحويل مغامرات دون جوان إلى أوبرا من فصلين لتصبح واحدة من أشهر الأوبرات العالمية وأكثرها شعبية وانتشارا، إذ كانت واحدة من أقوى الأعمال التي واجهت بها الأوبرا الألمانية الأوبرا الإيطالية، التي غزت أوروبا كلها وتسيدت الصدارة الموسيقية فترات طويلة. اعتمد موزارت شخصية مركبة في كتابة هذه الأوبرا، تحمل في طياتها كل تقلبات النفس البشرية وتأرجحها بين الشر المطلق ووهم الذات المتضخمة، التي تنتهي بضربة واحدة عندما تواجه قوة روحية وسماوية حاولت أن تتحداها، ولكنها وجدت نفسها في آخر الطريق وما عليها إلا الاستسلام، بعد أن تحطم كبرياؤها وزالت الغشاوة عن عينيها. الأوبرا التي ألفها موزارت تتأرجح بين الميلودراما والكوميديا والبُعد الروحي الصوفي، من خلال مغامرات هذا الفتى المتكبر الشديد الوسامة واللبق اللسان، الذي احترف غواية النساء وإغراءهن، ثم هجرهن بعد أن ينال مراده منهن. كبرياء دون جوان وثقته الزائدة بنفسه ومواهبه وعدم إصغائه لأي وازع أخلاقي في سبيل تحقيق هدفه، يعشق الحواجز المنيعة ويتحداها لكي يقهرها ويحقق قول بايرون "ليت للنساء جميعا فم واحد لقبلته واسترحت" إنه كمدمن الخمرة كلما ملأ كأسا اشتاق إلى غيرها وكلما أغوى امرأة حلم بأخرى، نساء الأرض كلهن لا يكفينه، إنه دائم المغامرة دائم البحث عن الملذات لا يعبأ بأخلاق ولا قيم. نراه في مطلع العرض يتسلل إلى مخدع "دونا آنا" محاولا اغتصابها وإغواءها وعندما هرع والدها لنجدتها لا يتردد دون جوان في قتله محتميا بقناع وضعه على وجهه كي لا تتعرف "آنا" علي شخصيته، وتقسم "آنا" على الثأر لوالدها، يساعدها في ذلك رجل أحبها بصمت وصدق، وحتى عندما تكتشف "آنا" أن قاتل أبيها دون جوان، الذي أحبته لا تمتنع عن تلبية نداء قلبها مترددة بين واجبها الأخلاقي ونداء قلبها العاطفي. هناك أيضا، العاشقة الولهانة "دونا ألفيرا"، التي هجرها دون جوان بعد علاقة قصيرة، لكنها لم تستسلم وتحاول اللحاق به في كل مكان يذهب إليه محاولة استعادة حبها الضائع. وهناك الفلاحة "زرلينا"، التي تحتفل بزواجها بالمزارع مازيتو بعد علاقة حب طويلة، ويحضر دون جوان زفافها، ويقرر إغواءها في ليلة مقدسة، وإبعادها عن حبيب عمرها، مغريا إياها بزواج وهمي ووعود براقة. تجتمع النساء الثلاث مرة واحدة لمواجهة دون جوان المخادع، الذي لا يتورع عن الزج بخادمه الوفي ليبوريللو في تيه مغامراته ويكاد أن يؤدي به إلى القتل عندما يطلب منه أن يتقمص شخصيته كي يتمكن من الهرب من وجه مطارديه. "دون جوان" هو الشر المطلق، الذي وصل به كبرياؤه إلي تحدي الموت وكل ما يمثله من أسرار وغموض، حين يهزأ بتمثال "الكومنداتور" ويتغافل عن سماع نصائحه الروحية بل ويدعوه إلى العشاء معه. تحضر روح "الكومانداتور ويواجه دون جوان، الذي يلقي بأسلحته جميعا ويستسلم للنار التي تحرقه وتنتقم منه بعد أن عجز البشر جميعا عن الثأر منه وإنزال القصاص الذي يستحقه به.