بعد العديد من المعارض الجماعية والفردية الناجحة، تواصل الفنانة التشكيلية المغربية، سعاد بياض، تجربتها الفنية في معرض فردي بمواصفات جمالية خاصة، احتضنه، أخيرا، رواق مندوبية وزارة الثقافة بالدارالبيضاء. الفنانة التشكيلية المغربية سعاد بياض اعتبرت سعاد بياض في معرضها الفني الجديد محكا حقيقيا للفنان، الذي يجدد أسلوبه الفني باستمرار، لأن المشاركة في مثل هذه الملتقيات الفنية "بمثابة ترمومتر نقيس به تجاربنا البصرية"، مشيرة إلى أن المعرض هو ثالث معرض لها هذه السنة بالدارالبيضاء، بعد معرضي "hôtel hussa" و"منظار" اللذين حققا نجاحا واضحا. وأضافت في لقاء مع "المغربية" بمرسمها، الزاخر بعدد من اللوحات، ضمنها أعمال تمتد إلى عقدين، حينما اشتغلت على البورتريه، والاتجاه التشخيصي في بداياتها الأولى، أن القماشة بالنسبة إليها ميثاق نفسي وذهني معا. وعن تجربتها الحالية، التي رسخت لوجودها الفعلي داخل المشهد الفني المغربي، قالت بياض إن اهتمامها بالمرأة ينهض من جمالية خاصة، باعتبارها واحدة من الفنانات اللواتي اعتمدن على مشهدة كيان المرأة. وأضافت في "أعمالي حس يفيض تعبيرا، وانتصارا لقوة الحركة والإيقاع والامتلاء والفراغ. إنني أجسد المرأة في لوحاتي، إذ آمنت أن الفن دفاع عن قضايا إنسانية، وبهذا الأسلوب أعطي قوة وألقا لكيان المرأة في أحد تمظهراتها، معتمدة على تركيبة واقعية للألوان". في السياق نفسه، قال الناقد الفني والجمالي، عبد الرحمان بنحمزة، إن أعمالها تندرج ضمن الحساسية الجديدة، إذ استطاعت الفنانة التشكيلية سعاد بياض أن تصوغ أسلوبا فنيا خاصا بها، عززته بقوة اللطخة واللون. وأبرز في تصريح ل"المغربية" أن أعمالها الأخيرة نتاج تجربة ناضجة وملتزمة، قدمت المرأة في أكبر تجلياتها، بل مشهدتها معتمدة إيقاعا وحركة وشكلا فنيا جديدا يعز عن الوصف. وأشار إلى أن بياض ترسم بتقنية راعت فيها الطريقة العلمية، وأن التيمة الأساسية في أعمالها الجديدة تدور حول المرأة بطريقة التشخيصية المعيارية، أو ما يسمى في أدبيات التشكيل بالمشهدة المعيارية، مضيفا أن لوحاتها تستدعي الحلم والكشف النفسي، والغناء الروحي والعقلي، بل أعمالها أيقونة اللون والإيقاع والشكل والحركة. تبدو تمثلاتها للمرأة وكأنها خارجة من مشهد ضبابي، نظرا لقوة الحركة، وطريقة تعاملها مع الألوان. ترسم الفنانة التشكيلية سعاد بياض شجرة أنسابها الرمزية وتصوغ موقعها الاعتباري بين فناني الوجود وصناع جماله وحقائقه. فكل عمل تشكيلي بمثابة أيقونة تستمد قوتها الذاتية من لعبة توليد المعاني عن طريق بلاغة اللون والتركيبة والإيحاء والتناغم البنائي والانسجام التصويري الكامل، وأضاف في قراءة نقدية لأعمالها أن صنيعها البصري ومقتربها الفني، إشراقات لمدخل فضائها، الذي صاغته بقوة حدسها الفني. أسلوب يتسم بالشفافية اللونية الدالة، وبالخلفيات الذهنية التي تضفي على أجواء اللوحة بعدا صوفيا. الأكيد أن هذه المبدعة، التي شقت طريقها ومدارجها الصباغية، تسافر بمخيلتها نحو عوالم المرأة في قوتها، في انكسارها في جسارتها، وفي بأسها أيضا. أعمال تمشهد جانبا مضيئا في كيان المرأة، إذ تصنع لها شهادة ميلاد فنية. عبر أعمال أكثر كثافة وسلاسة في الآن ذاته، استطاعت بياض بلوغ حد بعيد في العمق والمهارة والقدرة على التحكم في ناصية اللون ودرجات تفاعلاته، مستحضرة الأصول العلمية في تسخيرها للون، والشذرات المستنبتة في اللوحة / السند. رغم تحصيلها الأكاديمي بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدارالبيضاء، ومشاركتها في مجموعة من الماعرض والملتقيات الفنية الوطنية والدولية منذ 1999، ظلت بياض مقتنعة بأن الفن ليس مبادئ تملى وقواعد تطبق، وإنما حياة تمارس، وتجارب وجودية منفتحة على الآخر وعلى المستقبل في آن واحد. عندما ترسم بياض صورة جمالية لشخوصها الإيحائية، فإنها ترسم في الوقت نفسه صورة ذاتها. فاللوحة تعبر عن ذائقتها الفنية، قبل أن تعبر عن النوع الذي تنتمي إليه. كل عمل بمثابة غوص في الذاكرة وفي أحاسيس الفنانة الفياضة. هكذا تصبح كل لوحة مجازا من العقل إلى الإحساس. تنزاح بياض في لغتها التشكيلية عن جمالية المرأة، مركزة على البلاغة الساحرة للألوان والأشكال والصور التخييلية، على نحو آخر تقدم الجانب الخلفي من المرأة، في حركتها في تصورها الإرادي واللا إرادي، في دخولها في خروجها الضبابي، إذ اعتمدت تقنية مشهدة المرأة المعياري، مستلهمة تجربة أحد الفنانين الكبار، هنري ميشو، لكنها انفردت بقوة اللطخة والتركيبة اللونية والفضاء الضبابي.