يعد سجل عبد الرحمان بلدي، ذاكرة السياقة النموذجية والمثالية في جهة بني ملال، خال من حوادث السير، إذ امتهن السياقة منذ 65 سنة دون أن تُسجل ضده ولو حادثة سير واحدة. عبد الرحمان بلدي من مواليد مدينة خنيفرة في 30 نونبر 1930، ولج بلدي المدرسة الأمازيغية سنة 1934، وغادرها بعد الحصول على الشهادة الابتدائية سنة 1944، قبل أن ينتقل إلى مرآب للميكانيكا لأحد الأجانب الإيطاليين للاشتغال، ثم التحق بمحيط المدينة بخنيفرة سنة 1948، للعمل في ضيعة فلاح مقابل درهم واحد لليوم، حيث كان يسوق سيارة من نوع "جيب". يحكي بلدي أنه حصل على أول رخصة للسياقة سنة 1949 بمدينة خنيفرة، والبداية كانت بسياقة شاحنة كبيرة، كانت تتنقل بين خنيفرة ومدينة الرباط، محملة بالإسمنت لبناء سد بين الويدان في إقليمأزيلال. استمر في هذا العمل من سنة 1949 إلى 1955، قبل أن يتسلم أول حافلة لنقل الركاب مع شركة النقل المكناسي، تربط بين مكناس والريصاني، وظل على هذا الحال إلى حدود 1964. بعد ذلك التحق بالشركة الوطنية للنقل "ستيام"، التي اشتغل بها لمدة ثلاث سنوات على الخط الرابط بين الدارالبيضاء وفاس عبر إفران. لكنه سرعان ما عاد إلى الشركة المكناسية لمدة سنتين، خلالها خاض تجربة جديدة في السياقة عبر خط لنقل المسافرين من مكناس إلى عدد من البلدان الأوروبية. بدأ بلدي هذه التجربة ابتداء من سنة 1968، إذ كان يجول 8 دول أوروبية، والرحلة تستمر لمدة 20 يوما في الذهاب، ومثلها في الإياب، وتبدأ الرحلة من مكناس عبر إسبانيا، ثم فرنسا، ومنها إلى إيطاليا، وبعدها إلى سويسرا، ثم ألمانيا عبر محطات شتوتكارت، وبون، وفرانكفورت، ثم إلى هولندا، لتنطلق بعدها رحلة العودة إلى المغرب من جديد عبر باريس والبرتغال. هذه المرحلة من عمر عبد الرحمان بلدي استمرت لمدة سنتين، ليشتغل بعدها انطلاقا من 1970 إلى 1980 بخط جديد بين مكناس وطنجة إلى حدود سنة 1980، ثم لمدة عشر سنوات أخرى في الرابط بين بني ملال ومدينة الدار البيضاء، ثم سيتقاعد بعدها، وهو يعيش حاليا بمدينة بني ملال. رحلة السياقة النموذجية لعبد الرحمان بلدي لم تتوقف مع التقاعد، بل انتقل إلى العمل مع شركة جديدة للنقل في خط يربط بين أبي الجعد والدارالبيضاء، لمدة 3 سنوات إضافية، قبل أن ينهي مساره المهني سنة 2005 كسائق لحافلة لنقل المسافرين على الخط الرابط بين بني ملال ومدينة أكادير. يلقبوه زملائه في المهنة بدكتور السياقة، بعد عمله بثلاث رخص للسياقة، الأولى كانت في مرحلة الاستعمار، والثانية والثالثة في عهد الاستقلال، ولديه الرخصة الرقمية الجديدة. خلال هذه السنوات الطويلة من السياقة، عاش بلدي مجموعة من الطرائف، من بينها أنه في إحدى رحلاته، فاجأ المخاض مسافرة، انتهى بولادة سليمة على متن الحافلة، قرب مدينة إمينتنونت. من جهة أخرى، يروي عبد الرحمان بلدي أنه عايش الملوك الثلاثة للدولة العلوية، ورافقهم في عدد من رحلاتهم، حيث نقل المرافقين لرحلة المغفور له الملك محمد الخامس سنة 1956 من خنيفرة إلى مدينة أجدير، في حين رافق الراحل المغفور له الحسن الثاني في كل زياراته للمدن المغربية، حيث كان ينقل الأجهزة الأمنية في الحافلة، ومكنه ذلك من زيارة جميع مناطق المغرب، وكان من المشاركين في المسيرة الخضراء، ونال الوسام الملكي من درجة فارس، وتم تكريمه من طرف عدد من الجمعيات والهيئات النقابية في ميدان النقل.