لم تعد تصرفات الرحل تطاق بمنطقة سوس ماسة درعة، هذا على الأقل ما يتداوله السكان. وقال بعض المتضررين إن الرحل "غزوا"، حسب تعبيرهم، المناطق الفلاحية وأراضي الجموع وبعض الأراضي التابعة للمياه والغابات. 1 السكان المتضررين خلال وقفة احتجاجية ضد تجاوزات الرعاة الرحل (خاص) خلف هذا "الغزو" أضرارا كبرى بالأراضي الفلاحية والغابوية وشجر الأركان وأشجار اللوز والزيتون، نتيجة الرعي الجائر، علما أن الزراعة والغابة تعدان المصدر الوحيد لعيش عدد من سكان سوس والنواحي. ورغم محاولات السلطات لثني هؤلاء عن الرعي في أراضي الغير، إلا أنهم رفضوا رفضا الانصياع للقانون، بل رفعوا "راية العنف والتهديد"، حسب تعبير السكان، في وجه كل من يقف أمامهم لحماية أرضه. تهديد القائد توصلت "المغربية"، يوم 13 فبراير الماضي، باتصال من طرف فعاليات جمعوية بدوار "إيمي وانغار"، التابع لقيادة تهالة (دائرة تافروات)، يفيد أن بعض الرحل قاموا بقطع أنابيب المياه على السكان ليلا، تاركين الدوار في ظمأ. وعندما تنقلت "المغربية" إلى قيادة تهالة، البعيدة عن مدينة تزنيت بحوالي 80 كلم، وجدت أن بعض الرحل تركوا رسالة تهديد، تملك "المغربية" نسخة منها، موجهة إلى قائد المنطقة وأفراد القوات المساعدة، وسكان الدوار عموما. الإقدام على ترك هذه الرسالة التهديدية جاء، حسب إفادات السكان، نتيجة حملات تمشيطية قامت بها السلطات المحلية لمحاربة ظاهرة الرعي الجائر، الذي يجثث أراضي وأشجار وممتلكات السكان، ما أثار غيض الرعاة ليعلنوا، بدورهم، ردة فعل عنيفة تجاه المواطنين والسلطات المحلية. لم يمر الحادث مرور الكرام، إذ التحقت عناصر الدرك الملكي بالمنطقة، وقامت بتحرياتها، في انتظار فك خيوط المتورطين في كتابة هذه الرسالة، وفتح تحقيق جديد في الرعي الجائر. بعد يوم واحد من هذه الحادثة، شهدت منطقة أنزي اعتداء وهجوما على رجال ونساء وتلاميذ مؤسسة تعليمية، تردد أن مقترفيها من الرعاة الرحل. وأوضح شاهد عيان أنه بعد محاولة بعض المواطنين بدوار "أوشان" والنواحي ثني هؤلاء عن عدم الرعي بملكهم وتنبيههم إلى ما يسببونه من إفساد للغطاء النباتي وانتهاك حرمات مغروسات السكان، رد الرحل بمهاجمة نساء في المنطقة بالرشق بالحجارة، واعتدوا على تلاميذ مؤسسة فرعية "أكرض أعبدي"، التابعة لمجموعة مدارس عبد المومن بأنزي، حيث أصيبت تلميذة بحجارة جراء هذا الهجوم . وعبرت الأطر التربوية العاملة بالفرعية المذكورة عن إدانتها الشديدة لمثل هذه التصرفات، مطالبة السلطات المحلية والإقليمية والأمنية بتوفير الأمن والحماية للمؤسسة التعليمية. كما استنكر فاعلون محليون هذه الأفعال، التي وصفوها ب"الشنيعة"، وطالبوا من الجهات المسؤولة توفير المزيد من الحماية الأمنية للسكان، المعرضين دائما لاعتداءات على أملاكهم وأراضيهم. بعد يومين، شهد مركز الدائرة القروية نفسها (أنزي) محاولة وصفت ب"الفاشلة" لاختطاف طفل من طرف الرعاة الرحل، بعد خروجه من بيته متجها نحو السوق الأسبوعي بأنزي. وقال شهود إن بعض الرحل حاولوا اقتياد الصغير من وسط السوق إلى خيام قريبة من المنطقة لتسخيره في عمليات الرعي، لكن أثناء اصطحابه صادفهم والد الطفل، الذي شك في الأمر، فتقدم بشكوى للسلطات المحلية، التي اعتقلت الجاني، إلا أنها أفرجت عنه بعد تنازل الوالد عن المتابعة القضائية. في السياق ذاته، تعرض شيخ مسن من قبيلة آيت علي، التابعة لعمالة تارودانت (دا بلعيد) لهجوم من طرف مجموعة من الرعاة الرحل، حيث انهالوا عليه بالضرب بالعصي بعدما كبلوا يديه وسرقوا منه مبلغا ماليا قدره ألف درهم وهاتفا محمولا، ثم رموه قرب الدوار الذي يقطنه. المجتمع المدني يحتج تضامنا مع الطفل والتلاميذ، الذين تعرضوا للعنف ومحاولة الاختطاف من قبل الرعاة الرحل، بجماعة أنزي، تجمع عدد من سكان المنطقة أمام مقر الجماعة القروية والقيادة صبيحة 17 فبراير الماضي، مطالبين بوضع حد لهذه العمليات، التي تزرع الخوف في نفوس أهالي الأطفال، قبل أن تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، كما حدث مرات عدة بعدد من الأقاليم. وطالب المحتجون بضرورة تدخل السلطات المحلية بشكل حازم لردع التجاوزات المذكورة، وإعادة الأمن والطمأنينة بين سكان المنطقة. في الاتجاه نفسه، نظم سكان جماعة "اثنين أداي"، التابعة لقيادة أنزي، الأربعاء 19 مارس الجاري، وقفة احتجاجية رددوا خلالها شعارات تطالب بالوقف الفوري لزحف الرحل على مناطق الجماعة، وقام السكان برسم حدود لجماعتهم وإشعار السلطة المحلية، قصد التدخل الفوري لوقف الاستغلال "البشع" للرحل للمناطق الغابوية المحيطة بالجماعة. وفي هذا الصدد، صرح أحمد الديواني، نائب رئيسة جماعة اثنين أداي" ل"المغربية" أن الغاية من الوقفة هو حماية أراضي الجماعة، التي تشكل ثروة بيئية حقيقية لاحتوائها على الأشجار المثمرة، كالزيتون واللوز والخروب والصبار. وعن التدابير التي اتخذتها الجماعة القروية "اثنين آداي" لحل هذا الإشكال، قال الديواني إن الجماعة قامت بإخبار السلطة المحلية بخصوص رسم حدود لجماعتها مع جماعة أنزي، التي اكتسحتها جحافل الأغنام الكثيرة التي غزت هذه الجماعة. ونفى المستشار الجماعي أن تكون الجماعة قامت بمراسلة السلطة المحلية بشأن تعسفات داخل الجماعة، لأن هؤلاء الرحل لم يلجوا بعد تراب هذه الأخيرة. وأضاف إن "هذه الوقفة تعد صفارة إنذار لإشعار السلطات المحلية بالأخطار والعواقب التي يمكن أن تحدث في حال اقتحام هؤلاء لتراب جماعتنا". الخيط الأبيض لم تقف السلطات المحلية بإقليم تزنيت مكتوفة الأيدي أمام هذه التجاوزات البيئية والحقوقية والتعدي على أملاك الغير، إذ شكلت لجنة إقليمية ضمت في عضويتها ممثلين عن المصالح المعنية كالمياه والغابات والدرك الملكي ومصلحة الشؤون القروية وغيرها من المتدخلين، الذين فتحوا قنوات للتواصل مع الرعاة الرحل، أفضت إلى توقيع اتفاق ودي يوم 20 فبراير يقضي بمغادرة الرحل لجميع المناطق، في أجل أقصاه 10 أيام. لكن بعض الرحل لم يحترموا الآجال المنصوصة في الاتفاق، ليستمر الصراع..