أعطيت، مساء الجمعة المنصرم، بمقر المدرسة الوطنية العليا للإدارة بالرباط، الانطلاقة الرسمية لسلك التكوين التأهيلي لفائدة أطر ومسؤولي المفتشيات العامة للوزارات، برئاسة سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، وبحضور عدد من الوزراء وكبار المسؤولين والأطر بالوزارات المعنية بالسلك التأهيلي ومنظمات المجتمع المدني. هذه المبادرة، التي ستستغرق تسعة أشهر من التكوين، إلى تمكين هذه الهيئة من المساهمة في إنجاح الأوراش الوطنية الكبرى المرتبطة بتخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وإعطائها دينامية جديدة لكونها أداة أساسية لمراقبة وتدقيق وتقييم تدبير المصالح المركزية واللامركزية للوزارات. وأكد رئيس الحكومة، في كلمة بالمناسبة، أن الحكومة تتعامل مع ورش محاربة الفساد بالجدية اللازمة، ليس فقط عن طريق الوسائل الأمنية والقانونية، وإنما عبر اتخاذ إجراءات استراتيجية رامية لإغلاق منافذه والوقاية منه، مضيفا أن هذا يحتاج إلى التحسيس والتوعية وإشاعة المعلومة وتعبئة المواطنين والمواطنات والمجتمع المدني لكي يكون شريكا قويا في هذا المجال باعتباره فاعلا ديناميكيا، إلى جانب المدرسة والتعليم عموما والقطاع الخاص والإعلام. وأوضح رئيس الحكومة، أن إعداد هذا السلك التأهيلي يندرج في سياق وطني عام تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية التي شددت في العديد من المناسبات على ضرورة الانكباب على تنزيل الاصلاحات المهيكلة للإدارة خصوصا في ما يتعلق بتكريس أسس الشفافية والنزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة داخل المنظومةالإدارية برمتها. وأفاد العثماني أن ورش محاربة الفساد يعرف تحولات مهمة على الصعيدين الوطني والدولي، لاسيما التطور المضطرد لآليات محاربة هذه الآفة، موضحا أن هذا السلك التأهيلي يهدف للرفع من القدرات المهنية لأطر ومسؤولي المفتشيات العامة لمختلف الوزارات وتمكينهم من آليات جديدة للمراقبة والتدقيق للاضطلاع بالأدوار المنوطة بهم في تخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة. وأضاف رئيس الحكومة أن "الفساد في العالم المعاصر ليس شيئا بسيطا، بل هو ظاهرة خطيرة تنخر المجتمعات والاقتصادات وتُبطل الجهود المبذولة، كما أن الخدمات المُقدمة للمواطنين لا تصل بالطريقة التي يجب أن تصلهم نتيجة وجود الفساد"، مؤكدا في الوقت ذاته أن "هذا لا يعني أن الجميع فاسد، لأن هناك الكثير من الأطر والمسؤولين والموظفين والكفاءات النزهاء والشرفاء الذين يشتغلون لمصلحة الوطن وهم جنود مجهولون نوجه لهم التحية". وذكر العثماني أن الفساد موجود بشهادة التقارير الوطنية سواء تقارير المجلس الأعلى للحسابات المتتالية أو تقارير المفتشيات العامة للمالية، أو تقارير المفتشيات العامة للإدارة الترابية أو تقارير المفتشيات العامة للوزارات وغيرها من التقارير التي أقرت بوجوده. وأضاف رئيس الحكومة أن جميع التقارير العامة الدولية تقول إنه "في العالم وفي كل الدول الفساد مسؤول عن ضياع كثير من جهود التنمية، وعن ضياع ما يقرب من 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهذه النسبة كما يقول بعض المتخصصين تمثل 150 مستشفى من الطراز العالي حاليا". وأكد العثماني أن محاربة الفساد ورش وطني يتحمل فيه الجميع المسؤولية لتنمية بلادنا ولتخفيض منسوب الفساد في جميع مؤسسات المجتمع. وأشاد العثماني بالدور المحوري الذي تضطلع به المفتشيات العامة في ورش مكافحة الفساد، التي تساهم بالإضافة إلى مهمة المراقبة، في تطوير منظومةمحاربة الفساد من خلال التوعية والتحسيس والمواكبة،مؤكدا أن الحكومة عازمة على تعزيز أدوارها وتطوير إطارها القانوني، وكذا تعزيز أدوارها في منظومة الرقابة الوطنية. من جهته، أوضح رشيد ملياني، مدير المدرسة الوطنية العليا للإدارة، أنه تم تبني مقاربة بيداغوجية مندمجة مبنية على التقاسم والتفاعل وتثمين التجارب، وتضمن توازنا بين النظري والتطبيقي، في ما يخص الكفاءات والخبرات اللازمة لتحقيق أهداف السلك على مستوى التكوينات المبرمجة، والمرتبطة أساسا بالإطار القانوني الخاص بالفعل العمومي، ومهام المفتشيات العامة وتقيم السياسات والبرامج العمومية وكفايات التدبير والقيادة. وأكد ملياني أن مهمة تطوير ودعم قدرات الأطر الإدارية العليا الوطنية، تظل في مخطط تطوير المدرسة ورشا متواصلا، تنكب على إعطائه طابعا حديثا مواكبا للعصر يتيح النقلة النوعية المنشودة. ويعتبر السلك التكويني التأهيلي نموذجا للبرامج المسطرة من طرف اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، خاصة على مستوى التكوين والرفع من القدرات المؤسساتية والعملية للمفتشيات العامة للوزارات.