يومياتنا في مكةالمكرمة اجتهاد وبحث عن أفضل المواقع لنمتع أعيننا وأنفسنا بالنظر إلى الكعبة المشرفة تأكيد أهمية الألفة والمحبة واجتماع الكلمة وتقارب المسلمين في لقاء مع الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي إمام وخطيب المسجد الحرام أيام ضيوف خادم الحرمين الشريفين في المدينةالمنورة، وأيضا في مكةالمكرمة، كانت في مجملها صلاة ودعاء، وتحكما في النفس من أجل اغتنام الفرصة التي أتيحت لهم، وغذاء للروح تستيقظ قبل الفجر بساعتين أو أكثر ولو كان نصيبك من النوم قليلا، الأجواء الروحانية تجعل النوم آخر هم في هذه الأرض المباركة، فالمسجد الذي بارك الله حوله يناديك ولا تستجيب إلا لدعواته، فالملل والكسل لا يعرفان إليك سبيلا
لم تكن أيامنا العشرة التي قضيناها في الديار المقدسة تتشابه ولله الحمد. إن أيام ضيوف خادم الحرمين الشريفين في المدينةالمنورة، وأيضا في مكةالمكرمة، كانت في مجملها صلاة ودعاء، وتحكما في النفس من أجل اغتنام الفرصة التي أتيحت لهم، وغذاء للروح. لقد عشنا لحظات وأياما لا يمكن نسيانها، إذ ستظل محفورة في الذاكرة. كان البرنامج الذي جرى إعداده قبل وصولنا متنوعا، ومحكما، ففضلا عن زيارة المسجد النبوي والصلاة في الروضة الشريفة والزيارات في المدينةالمنورة، كان لنا لقاء مع إمام وخطيب المسجد النبوي، علي بن عبد الرحمان الحذيفي ولقاء آخر مع الباحث محمد بخش وهو ما توقفت عنده في الحلقات السابقة. وكانت لنا في مكةالمكرمة، أيضا، زيارات مهمة ولقاء مع الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام، فبعد صلاة العشاء التأم جميع الضيوف، في مصلى فندق ماريوت، وشكل اللقاء مناسبة لتجمعهم، لأن الحرية التي تركها لنا المنظمون بخصوص التوجه إلى المسجد النبوي، في المدينةالمنورة، وإلى المسجد الحرام في مكةالمكرمة جعلت الوفود تتفرق شيعا، بل صار من الصعب أن يجتمع أعضاء وفد البلد الواحد، إذا لم يكن ضمن البرنامج لقاء أو زيارة. في نظري كان ذلك طبيعيا، لأن زوار الحرمين يرغبون في اغتنام الفرصة والفوز بالصلاة وتلاوة القرآن والدعاء.
يومياتنا في مكةالمكرمة الجو في مكةالمكرمة غيره في المدينةالمنورة فدرجات الحرارة مرتفعة، بل إنها تكاد تقارب حرارة الصيف لدينا في المغرب، والتي نتأفف منها ونضيق بها ذرعا. تستيقظ قبل الفجر بساعتين أو أكثر ولو كان نصيبك من النوم قليلا، الأجواء الروحانية تجعل النوم آخر هم في هذه الأرض المباركة، فالمسجد الذي بارك الله حوله يناديك ولا تستجيب إلا لدعواته، فالملل والكسل لا يعرفان إليك سبيلا. تعرف أن الفرصة التي أتيحت لك لن تدوم لذلك تجتهد تحفز من معك على الاجتهاد، طالما أن الولوج إلى الحرم الذي يخضع للتوسيع حكر على من يلبس الإحرام ويرغب في أداء مناسك العمرة، فإن الصلاة من المواقع المسموح بها لغير المحرم وأمام الكعبة مسعى الجميع، نأخذ لنا أفضل المواقع لنمتع أعيننا وأنفسنا بالنظر إلى الكعبة، نصلي ونتلو القرآن مرات ومرات في انتظار أن يؤذن المؤذن لصلاة الصبح، هذا النمط من العيش ليس حكرا على فئة الناس هناك سواسية، لا شيء يلهيهم عن أداء الصلاة في وقتها في أحسن البقاع، بل إنهم يتحينون أنصاف الفرص لأداء النوافل في انتظار الفرض. نعم أنت الآن الآمر والناهي وليس نفسك، لا شيء يشغلك، غير حب الله وحب الحصول على الجزاء اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، تجتهد وتجتهد ثم تجتهد وتقتدي بالمجتهدين، وهم كثر في هذا المقام. تغادر المسجد فإذا بمياه زمزم تناديك، بعد أن روت ظمأ الروح تعطي الجسد نصيبه، وتكرمه بأفضل المياه التي جاد بها الخالق على عباده، ماء زمزم. كما قلت في ما سلف من الحلقات، الناس يتسابقون في الخيرات في المدينةالمنورة، وفي مكةالمكرمة أيضا، من يقترب من صنابير مياه زمزم أو براميله يتخلى عن أنانيته يؤثر الناس على نفسه، يسقي كل المحيطين به، بل إن من يتوصل بالكوب يناوله لمن بقربه، إنه الإيثار في أبهى تجلياته، هنا تتأكد بما لا يدع مجالا للشك بأنك تنتمي إلى أحسن أمة أخرجة للناس.
التجول بعد الصلاة في الديار المقدسة أنت غيره في ما سواها من البقاع، الكسل لا يعرف إليك سبيلا، عادة ما تكاد الصلاة تنتهي حتى تنهض، لكنك في مكةالمكرمة وفي المدينةالمنورة، لست في عجلة من أمرك، تنتظر خبرا إذا لم تكن ممن يرغبون في البقاء في المسجد مدة طويلة، هاهو صوت النداء لصلاة الجنازة يدعو لأدائها، صلاة الجنازة حاضرة في كل وقت مثلما هو الموت، الأموات كثر صغار وكبار، عقب كل صلاة هناك صلاة للجنازة على الأموات وليس ميت. بعد الخروج لا تتجه نحو الفندق إلا إذا كان لديك التزام لا يهمك لا نوم ولا أكل ولا أي شيء، التجول يحلو في مكة كما في المدينة. تقصد الأسواق المجاورة فالتسوق جزء من حياة الحاج والمعتمر، فأسواق مكة تعرض أمامك أشياء لم تتعود عليها، فقط في هذه اللحظات تتذكر من هم في المغرب وتتقرر أن تقتني بعض الهدايا، نعم وأنت في رحلتك الإيمانية تنسى كل شيء، فالخشوع هو سيد الموقف تكون اتصالاتك الهاتفية أقل مقارنة مع سواها في مختلف بقاع العالم، هذا ليس قرارا وليس اختيارا، إنه أمر يصعب تفسيره. بعد صلاة الفجر بعيدا عن الديار المقدسة يهرول أغلب المصلين نحو البيوت ينشدون وقتا للنوم، وهناك يتجهون نحو المطاعم أو المتاجر لأن النوم بعد الصلاة آخر هم. تقطع مسافات طويلة قبل تناول وجبة الفطور ولا تبالي بشيء هكذا كنا في الديار المقدسة، وكأننا نرفع شعار خلقنا للصلاة والدعاء والمشي، أما النوم فله ما زاد من الوقت. حياتنا في مكة كانت مختلفة عما تعودنا عليه، كنا نشعر بالسعادة ونحن نثور على عاداتنا ونعيش حياة مختلفة.
المغرب حاضر بلهجته وأنت خارج المغرب تهتز مختلف أعضاء جسمك حين تسمع اللهجة المغربية، يحدث معك هذا في كل البقاع، لكن في مكة على وجه الخصوص لا تستغرب ليس فقط لأنك ضمن وفد مغربي، بل لأن المعتمرين المغاربة كثر، بل هم على رأس المتسوقين، لذلك لا تستغرب إذا تعرف عليك تاجر، ونادى "الشريف" أو "خويا" أو "حاج" وليس "حاجي" كما يقول رجال الأمن أو المشرفون على التنظيم في أماكن العبادة بالديار المقدسة. تصادف أحيانا تجارا يتحدثون اللهجة المغربية بطلاقة، وتستغرب حين يؤكدون لك أنهم لم يزوروا المغرب قط، لكن صداقاتهم مع مغاربة وتعاملهم مع زبائن مغاربة أثر فيهم.
لقاء مع المعيقلي على غرار علي بن عبد الرحمان الحذيفي إمام الحرم النبوي تلا على مسامعنا إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي ما تيسر من الذكر الحكيم، وكانت اللحظة فارقة بالنسبة إلينا، فنحن أمام الإمام الذي كان يؤمنا في الصلاة بالمسجد الحرام، وكنا نكتفي بسماع صوته. استهل المعيقلي كلمته بالتأكيد أن الألفة والمحبة، واجتماع الكلمة، وتقارب المسلمين من المقاصد العظيمة التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف. وشدد على أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرص على ذلك. وشد المعيقلي بالصوت الذي حباه الله إياه الحضور إليه، وتحدث عن مقصد من مقاصد الشريعة وهو يصفه بالعظيم ألا وهو اجتماع القلوب وتآلفها ومحبتها، مؤكدا على المحبة تجاه ولاة الأمور والعلماء، لأن ذلك يؤمن القوة والنصرة.
في الحلقة المقبلة زيارة الطائف وعمرة ثانية للراغبين