تجمع المغرب ومالي علاقات تاريخية عريقة موسومة بالعمق والتجذر في العديد من المجالات، وخاصة منها المجال الروحي والديني الذي يكتسي أهمية قصوى بالبلدين الشقيقين. وبالفعل، فإن الروابط الدينية بين البلدين، والقائمة على القيم المشتركة بينهما على مدى قرون، ما فتئت تتعزز بفضل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس،نصره الله ، والرئيس المالي إبراهيم بوباكار كيتا، بما يخدم مصالح الشعبين المغربي والمالي. وفي هذا الإطار، شكلت الزيارة الملكية لباماكو ، في شتنبر المنصرم للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الجديد ، فرصة هامة لتوطيد العلائق الروحية بين شعبي البلدين وتكريس المكانة المتميزة التي يحظى بها أمير المؤمنين جلالة الملك في المنطقة برمتها. وكان جلالة الملك قد أكد في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة حفل التنصيب المذكور أن "الإسلام في المغرب وفي مالي واحد، ممارسة وتقاليدا. إنه إسلام متشبع بنفس القيم المبنية على الوسطية والاعتدال، وبنفس تعاليم التسامح والانفتاح على الأخر. كما أنه يظل عماد الوشائج الروحية التي تجمع على الدوام بين بلدينا". وأضاف جلالته في هذا الخطاب أنه "وانطلاقا من هذا الرباط العقائدي المشترك، ووعيا منا بالرهانات المرتبطة بحمايته من كل الانحرافات، يطيب لي أن أعبر عن ترحيبي بالاتفاق الذي سيتم توقيعه والمتعلق بتكوين 500 إمام مالي في المغرب خلال السنوات المقبل". وتفعيلا لهذا الاتفاق، تم الانطلاق في تكوين مائة من الأئمة الماليين وفق برنامج يمتد سنتين مخصص بالأساس لدراسة المذهب المالكي والفقه والمعاملات والسيرة النبوية وغيرها من المواد التي تكرس البعد الوسطي للإسلام. وهكذا، يتأكد عزم المغرب الراسخ على دعم الشعب المالي من خلال، على الخصوص، تعزيز التعاون في المجال الديني بهدف إشاعة إسلام وسطي متسامح ومكافحة تنامي التطرف، وتوطيد روابط الصداقة والتضامن بين الشعبين الشقيقين. ويكرس المغرب من خلال هذا التعاون أيضا ريادته الدينية على مستوى إفريقيا وصورته كبلد منفتح ومعتدل على المستوى الدولي. وتعد التجارب والنماذج الشاهدة على هذا المعطى متعددة، ومن ضمنها استقبال المملكة للعديد من الطلبة من مالي ومن مختلف دول القارة الإفريقية لمتابعة دراساتهم في الجامعات والمعاهد المغربية في العديد من التخصصات، ومن ضمنها تخصص علوم الدين. ومن ضمن هذه النماذج أيضا مشاركة العديد من العلماء من مالي ومن دول أخرى من منطقة الساحل في الدروس الحسنية التي يترأسها أمير المؤمنين صاحب جلالة الملك محمد السادس خلال شهر رمضان من كل سنة. وتعكس مختلف هذه المبادرات سعي المغرب الحثيث والراسخ إلى توطيد المرجعية الدينية المشتركة لدول المنطقة، والقائمة على الإسلام السني والمذهب الملكي والموسوم بالوسطية والاعتدال بعيدا عن أي تفريط أو إفراط.