تبدو سلطات الجزائر كرجل فقد عقله وفي يده مسدس، ولأنه لم يجد شخصا يوجه طلقاته نحوه اختار أن يصوب المسدس نحو إحدى قدميه، ثم أطلق عليها النار متوهما أنه سيصيب أقدام الآخرين. للمرة الثانية تفضح الجارة الشرقية نفسها أمام العالم بشكل يثير الشفقة، لأنها لا تشعر بذلك، خصوصا أن همها الأول والأخير هو إلحاق الأذى بالمغرب. فبعد أن استغلت السلطات الجزائرية بشكل بشع قضية اللاجئين السوريين، في دعم واضح لنظام بشار الأسد الذي سفك دماء الأبرياء، فأبعدتهم بطريقة مهينة لم تراع لا الأخوة ولا حقوق اللاجئين، ورمت بهم عبر حدودها البرية مع المغرب المغلقة، وما كاد العالم ينسى هذا التصرف الأرعن، الذي تعامل معه المغرب كما جرت العادة بحكمة، وبما يقتضيه واجب الضيافة، عادت الجزائر لتطلق رصاصة على القدم الأخرى عبر منع وفد مغربي من المشاركة في اجتماع المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. بالنسبة إلينا، نحن المغاربة، لم يكن هذا السلوك مفاجئا، لأن من يفرق بين المرء وزوجه، والإخوة، لا يضيره أن يطرد ضيوفه أمام مرأى ومسمع العالم. من يترشح لاحتضان التظاهرات الدولية لا ينبغي له إذا كان يحكم عقله أن يتعامل بأسلوب تحكمه الأنانية، بل عليه أن يتحلى بالشجاعة ويفتح الأبواب في وجه الجميع، لكن حين نكون بصدد الجزائر علينا أن ننتظر العجب ولو لم نكن في رجب. إن الجزائر ضربت عرض الحائط، برفضها السماح للوفد المغربي بالمشاركة في المنتدى، الأعراف والتقاليد، والمواثيق الدولية، بل إنها تنسف كما قال الخبير الأمريكي جو غريبوسكي، المتخصص في الشؤون الأمنية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، (تنسف) الأولويات الأمنية، التي تحظى بالأهمية القصوى. مرة أخرى يخون الماسكين بزمام الأمور في قصر المرادية ذكاؤهم، وبالتالي وضعوا أنفسهم في موقف حرج، لكن بالنسبة إليهم دائما الغاية تبرر الوسيلة، فغايتهم دائما هي تصريف المشاكل الداخلية على حساب المغرب، وبالتالي لا يحكمون عقولهم فيقعون ضحية حماقاتهم. كما أشرنا في عدد سابق صار مألوفا أن يكون المغرب المصب الوحيد، كلما رغب القادة الجيران في تصريف مياه غضب شعبهم، فأصابهم عمى الأبصار والقلوب، وبالتالي لم يعودوا ينتجون سوى الأخطاء التي تحرج الجزائريين الذين يحكمون عقولهم. ولأن كلام العقلاء منزه عن العبث، فإن من ينتقدون الأسلوب الجزائري، الذي عفا عنه الزمن يجدون آذانا صاغية ما أدى إلى تنامي انتقاد هراء قيادة بلدهم صراحة، ولنا مثال في تصريحات رشيد نقاز المرشح للرئاسة، التي انتقد فيها العداء غير المبرر للمغرب، ونكران الجميل الذي صنعه، ومساهمته الفعالة في استقلال الجزائر، والتعاليق المؤيدة لموقفه عبر مواقع الإنترنت، التي نشرت تصريحاته. من تبعات موقف الجزائر غير محسوب العواقب استنكار الولاياتالمتحدةالأمريكية وتركيا، اللتين ترأسان بشكل مشترك المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، "بقوة"، قرار الحكومة الجزائرية منع الوفد المغربي من المشاركة في اجتماع المنتدى، لأن قرار المنع "يتعارض مع روح ومبادئ هذه الهيئة والمتمثلة في الانفتاح والاندماج"، خصوصا أن المغرب عضو فاعل في المنتدى، الذي يضم 30 دولة. وأكدتا، أيضا، في البلاغ أن "الولاياتالمتحدة وتركيا، اللتين تؤمنان رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، تحتجان بقوة على إقصاء أي عضو بالمنتدى من هذه الورشة المنظمة من قبله"، لأن المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب يمثل "أرضية تقنية تروم تعزيز القدرات في مجال مكافحة الإرهاب". وانتقد بيان الولاياتالمتحدة وتركيا، أيضا، عدم وفاء الجزائر بالالتزامات "لقد اتفقنا على وضع القضايا السياسية التي تفرق جانبا، وذلك بهدف التوصل إلى أجوبة عملية لآفة الإرهاب والتطرف العنيف اللذين يتهددان البلدان المشاركة في هذا المنتدى". ومن التبعات الأخرى للتصرف الجزائري الأرعن سحب الأمانة العامة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب دعمها المالي والإداري لتنظيم هذا الاجتماع، الذي انعقد في الجزائر العاصمة. إن تصرف الجزائر لم ولن يضر المغرب في شيء، لأنه ثابت على مواقفه، وسمعته في مكافحة الإرهاب لا تشوبها شائبة، بل يشهد العالم بأسره للمملكة المغربية بكونها في طليعة الدول، التي تعمل جاهدة في اجتثاث الإرهاب وفي مكافحة الجريمة المنظمة وانعقاد مؤتمر مراكش للأمن دليل واضح على مدى الرغبة المغربية في إرساء الأمن والسلام الدائمين في المنطقة والعالم أجمع، بل إنه كما جاء في مقال للكاتب الإماراتي محمد خليفة "لم يكن المغرب يوماً في منأى عن الجهود الإقليمية والدولية الهادفة إلى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. بل كان يسارع دائماً للانضمام إلى أي جهد دولي يهدف إلى إرساء الأمن والاستقرار في العالم. ففي عام 1957 انضمت المملكة المغربية إلى منظمة الشرطة الدولية "الإنتربول"، ومنذ ذلك التاريخ أثمر هذا التعاون عدة عمليات ناجحة، سواء تعلق الأمر بتفكيك عصابات دولية أو إحباط أعمال إرهابية أو عمليات تهريب للمخدرات أو البشر". ربما أغضبت الجزائر السمعة الطيبة للمملكة والمكانة التي تحتلها على الصعيد الدولي في ما يخص مكافحة الإرهاب، إذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن تشيد جهة دولية بجهود المغرب بقيادة جلالة الملك في مكافحة الإرهاب، فقادها هذا الغضب إلى التفكير في تغييب بلادنا عن اجتماع المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، عساها تجد لها موطئ قدم وتضلل العالم، وهي التي تشكل مظلة حقيقية للبوليساريو التي ثبت تورطها في التعامل مع تنظيمات إرهابية في منطقة الساحل، انقلب السحر على الساحر، إذ جنت الجزائر على نفسها مرة أخرى، أما قافلة المغرب فإنها تواصل المسير... هيأة التحرير