قال الدكتور أنور محمد قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، إن "الربيع العربي وخاصة تحكم الإسلام السياسي ببعض مراحله أوجد تحالفا غريبا خلط بين قيم أراد الغرب أن يدفع بها وانتهازية أرادت أحزاب الإسلام السياسي والحزبي أن تستغلها". من فعاليات المحاضرة أوضح أن المرحلة ومخاضها شهد هجوما يستهدف الإمارات وسجلها وقد أدركنا أن شبكتنا الدبلوماسية عليها أن تبني قدراتها في هذا الجانب أمام هجوم حزبي يؤلب ضد الإمارات لأنها تحمل راية الاستقرار والاعتدال وتبني الأساس لتجربة عربية حداثية ومتطورة. جاء ذلك في محاضرة شهدها الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، بمجلس الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بقصر البطين بعنوان "آفاق السياسة الخارجية للإمارات". واستعرض قرقاش النجاحات التي حققتها دولة الإمارات في المحافل الدولية، مشيرا إلى الجهود الناجحة والمكثفة التي أثمرت فوز الدولة باستضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا". وقال "كانت مهمتي زيارة أمريكا الجنوبية.. تلك القارة البعيدة كل البعد عن عالمنا.. فجولتي شملت الأرجنتين والبرازيل والبيرو وتشيلي والأروغواي ولمست حجم الاحترام الذي تكنه تلك الدول للإمارات.. فهو احترام مبني على معرفة واطلاع بتجربتا ومكانتنا في العالم". وأشار إلى الإنجاز الكبير في ملف إكسبو 2020 وهو الفوز الذي يعبر عن تقدير كبير للإمارات ونجاحها التنموي وريادتها في شتى المجالات. وتناول إنجازات دولة الإمارات في ملف العمالة، حيث ذكر أن عددا من الدول المصدرة للعمالة أِشادت خلال الاجتماعات الدولية بجهود الدولة في هذا المجال، موضحا أن ملاحظات بعض تلك الدول كانت بناءة وإيجابية، بينما قامت ملاحظات دول أخرى لا تعرف الواقع الإماراتي ولا هي مطلعة على الجهود الإماراتية في هذا المجال على بيانات صحافية تفتقر إلى الدقة. وأكد الدكتور قرقاش أن "الإمارات بنت رصيدا تراكميا إيجابيا وبناء على ذلك لا بد أن يكون طموحنا في سياستنا الخارجية وفي علاقتنا الخارجية كبيرا". وقال إن الانطباع العام هو أن الإمارات بلد يتبنى أحدث الممارسات في مختلف المجالات، كما أنه وسطي يسعى إلى الاستقرار والتنمية ويقدم نموذجا ناجحا في المنطقة. وأضاف "من خلال تجربتي أجد نفسي شاهدا على حرص قيادتنا على سمعة الإمارات وكرامتها وسيادتها فلا تسرع ولا رد فعل طائش في أي مسألة أو قضية تطرأ". وأوضح أن التوازن الدقيق بين المصالح والقدرات ضروري ومن خلال هذا القياس تبنى سياسة خارجية تعزز مكانة الإمارات وتخدم مصالحها دون أن تثقلها بدور مغامر لا يصب في مصلحة شعبها. وأشار إلى أن من أسس هذا التوازن معرفة وإدراك ومتابعة طبيعة النظام الدولي والمشهد الإقليمي لمعرفة هامش الحركة المتاح أمام الدولة الوطنية فالسياسات الخارجية لا تتحرك من فراغ بل عبر نظام دولي متغير ولو ببطء ومعه مشهد إقليمي مصاحب ولا يعني ذلك أن السياسة الخارجية للإمارات لازمها الحذر دائما أو عانت من تواضع مزمن، بل إنها لم تتردد في اتخاذ المواقف الشجاعة والمتقدمة عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. واستشهد قرقاش بعدد من مواقف المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وخاصة موقفه التاريخي في حرب أكتوبر 1973، إضافة إلى مبادرته الشجاعة بالطلب من صدام حسين التنحي وتوفير الممر الآمن لذلك حرصا على العراق وتجنيبه العنف والفوضى والإرهاب، وهو مشهد لا زال العراق الشقيق يعانيه. وأكد أنه "بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة استمرت هذه السياسة في المواقف الحاسمة ورأينا كيف تجلى ذلك في كل من أفغانستان وليبيا ومساهمة قواتنا المسلحة فيهما وكذلك في كوسوفو والصومال". وقال قرقاش "إن احتلال جزرنا في ساعات الاستقلال يمثل جرحا في وعينا الجماعي، ومع هذا يبقى منهجنا العقلاني القانوني سبيلنا مع استمرار الاحتلال برغم قوة المشاعر والعواطف". وأضاف أن دولة الإمارات توجهت إلى دعم القضايا العربية في مقاربة طبيعية لانتماء الإمارات لهذه الأمة واستجابة لأجواء المنطقة وبعد عزلة فرضتها الحماية البريطانية الممتدة والتي تعود في جذورها للعام 1820 وفي الوقت نفسه توجهت الإمارات شأنها شأن الدول حديثة الاستقلال إلى الانفتاح على العالم من خلال بناء شبكة من العلاقات الثنائية والانضمام إلى المنظمات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة". وقال "لاشك أن دعم الإمارات لاستقرار مصر ودعم إرادتها الشعبية هو مثال آخر للموقف المتقدم والشجاع للسياسة الخارجية للإمارات فالموقف الصلب في الانحياز لشعب مصر وإرادته ومستقبله موقف سيقيمه التاريخ كلحظة حرجة كان لجرأة الإمارات وشجاعتها قول فصل في تحديد الاتجاه وحسم الخيار لصالح مصر وشعبها. وأشار إلى أن عالمنا العربي ما زال يخوض معاركه بين دوافع الاستقرار والتنمية وضرورات تطوير مؤسسات الدولة الحديثة والإمارات في هذا المشهد تنحاز للتنمية والاستقرار والمستقبل وتريد للعرب ما تريده لنفسها". وأضاف "أن هذه المواقف الملتزمة وضمن الشراكات الدولية ضمنت لنا رصيدا دوليا كبيرا ومقعدا للدبلوماسية الإماراتية في قضايا إقليمية ودولية تشكل هما وقلقا دوليين". واستذكر الوزير السنوات الصعبة التي ركزت خلالها سياسة بلاده الخارجية على أساسيات فرضتها تحديات المرحلة واستحقاقات سنوات التأسيس، وتضمن ذلك حل العديد من الخلافات الحدودية بين الدولة الوليدة والدول المجاورة بالطرق الودية والسلمية، ووجب الشهادة أن الإمارات الدولة الحديثة لم تكن مسؤولة عن أي من هذه الخلافات، لكنها كانت ضحية مطامع وأهداف أكبر حجما من إمكانيات الدولة في سنوات التأسيس. وأكد قرقاش أن الإمارات استطاعت من خلال بناء تجربة تنموية ناجحة أن تعزز ثقلها الإقليمي، وصوتها وأدائها الخارجي وموقعها في المنطقة، منوها إلى حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على التنمية في كل اجتماع لمجلس الوزراء وبأن هاجسه الرئيسي هو أن تكون الإمارات الرقم واحد. وأشار وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية إلى أنه "في هذه السنوات الصعبة وضع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة وباني نهضتها، المبادئ التي توجه سياستنا الخارجية فالحكمة والوسطية والطموح والانفتاح على العالم هي امتداد طبيعي لشخصية هذا القائد الفذ ولقيم وطنه ومجتمعه". وأضاف منوها "مع هذه الخصال الحميدة وجه الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله دفة الدولة الحديثة في خضم ظروف إقليمية صعبة وأسس للسمعة الطيبة والسجل الإيجابي لسياستنا الخارجية". وشدد قرقاش على أن "مسألة أمن الإمارات وأمن الخليج العربي كانت وتبقى إحدى أهم مسائل سياسة الإمارات الخارجية، ففي مثل هذا الموضوع الوجودي لا يمكن لنا أن نغلب العواطف والشعارات والإيديولوجيا على الحسابات الواقعية الباردة وأن هذا الموضوع سيبقى حيويا في منطقة مضطربة حيث يمر عبر مضيق هرمز 35 في المائة من النفط المنقول بحرا و50 في المائة من الواردات النفطية لاقتصاديات آسيا الصاعدة". وقال إن حماية الدولة وضمان مكونات أمنها هي جبهة داخلية صلبة وشرعية تعززها العدالة والتنمية وجيش وطني حديث ومنظم وشبكة تحالفات تعزز هذه العوامل، مضيفا أن هذه المعادلة لم تأت بالصدفة ولكنها امتحنت عدة مرات في حروب شهدتها المنطقة وللأسف كثيرا ما كان مصدرها الجار والقريب. وأكد أن "أول ثوابت سياستنا الخارجية ينطلق من المصلحة الوطنية للإمارات وشعبها، وأنه من الطبيعي أن تكون سياستنا الخارجية مرآة عاكسة لقيمنا وتطلعاتنا ومن هذا المنطلق لا يمكن إلا أن تكون سياستنا الخارجية وسطية في توجهاتها نحو المحيط والعالم، كما أنه من البديهي أن تعنى سياستنا الخارجية بالتنمية والعدالة والاستقرار". وأشار إلى أن "سياستنا الخارجية عززها برنامج تنموي ممتد وجهود إغاثة سخية تعبر عن كرم الإمارات ومسؤوليتها وتعاضدها مع الدول الأقل حظا ولاشك أن هذا التوجه يحصن سياستنا الخارجية وسمعتنا الدولية". وأوضح أن العلاقة المضطردة بين السياسة الخارجية والقيم أساسية للنجاح وهي مسؤولة عن تراكم التقدير والاحترام للإمارات وزيادة مخزونه والذي تأسس عبر السنوات والتجارب. ولفت قرقاش إلى أن "الاستراتيجيات والخطط الداخلية التي عززت مسارنا الاقتصادي في دولة الإمارات ونوعته وابتعدت به عن النموذج التقليدي للدولة الريعية ليصل الناتج الإجمالي المحلي إلى ما يقارب 350 مليار دولار، كما تجاوزت الاستثمارات الأجنبية في الإمارات بنهاية 2012 ما مجموعه 95 مليار دولار. وذكر أن التسامح والتواصل والسياسات الاجتماعية غير الضاغطة ساهمت في خلق بيئة داخلية جاذبة عززت من نجاح تجربة الإمارات. وتطرق الوزير الإماراتي إلى ملف تمكين المرأة في الدولة الذي يعد إحدى أهم قصص النجاح في الإمارات، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، حتى أصبحت الدولة نموذجا لنجاح الدولة العربية والمسلمة وقبلة للشباب والكفاءات العربية وغيرها من الكفاءات، حيث انعكس هذا النجاح الداخلي على قوة وقدرة السياسة الخارجية للإمارات، وكان من الطبيعي أن يتلمس العالم نجاح هذا النموذج وأن تتجذر علاقاته مع الإمارات، وأن يقدر تدريجيا هذه الصداقة العاقلة وهذه العلاقة التي بالإمكان الاعتماد عليها. وقال "نسمع ملاحظات مرارا وتكرارا في لقاءاتنا تقدر الإمارات ودورها وتوجهها فالصديق يدرك أنه سيسمع من الإمارات رأيا صريحا دون تجريح وتحليلا منطقيا متجردا من أهواء المصلحة الضيقة ونشعر بذلك في عملنا في وزارة الخارجية حيث نرى العديد من الدول الغربية تريد رأينا حول التطورات الإقليمية وهي تدرك أنها ستحصل على تقييما متوازنا وعاقلا دون مواربة أو مجاملة". وبشأن الأوضاع الإقليمية قال "من الطبيعي أن تشغلنا سياسة الإقليم وتقلقنا في العديد من الحالات فلا مفر من الجغرافيا والتاريخ وهذا الإقليم يشمل الخليج العربي والعالم العربي، بل ومنطقة متسعة تضم الهند وباكستان وأفغانستان والصومال فتحديات المنطقة ومشاكلها تنساب غير معترفة بحدود وطنية وللأسف تحمل في ثناياها تحديات أكبر وأكثر مما تحمل من الفرص. كما أن انعدام حاجز اللغة يخلق عالما عربيا ذا ثقافة مشتركة فإن غياب هذا الحاجز بالمقابل ينقل أفكارا نشأت في بيئة مختلفة عن بيئة الإمارات فالتقطها البعض مخدوعا ومتوهما ونرى ذلك واضحا في هذه الفترة من خلال دعوات كاذبة تسوق للحزبية والفرقة والكراهية والطائفية". وأضاف قرقاش "أن قضايا الإقليم وتحدياته تمثل جانبا كبيرا من مشاغلنا وعملنا اليومي وفي سعينا هذا نعمل لنؤثر إيجابا في هذا الجوار المضطرب فكل قضايا المنطقة أصبحت ذات طابع دولي من أفغانستان إلى سوريا إلى مصر إلى ليبيا إلى العراق إلى اليمن"، مشيرا إلى أن الدولة تعمل على الاستقرار وعلى تجنيب المنطقة تطرف الإيديولوجيا، وعلى "لم شمل العرب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا المشترك، ولعلنا في مرحلة ما يعرف بالربيع العربي ندرك الطبيعة السائلة والمتحركة للمرحلة ومحاولات استغلال هذه المرحلة وتجييرها لصالح الإسلام السياسي الحزبي والتأسيس لرؤية رجعية منغلقة". وقال الوزير "ميزنا منذ بداية ما سمي بالربيع العربي بين حركة التاريخ وأهميتها والمسائل السياسية الآنية وبين ضرورة إدارة الملفات الإقليمية وصيانة مكتسبات الإمارات ودعم الوسطية والاعتدال وأدركنا في خضم ذلك الخطط الحزبية للجماعات الحزبية وعلى رأسها الإخوان المسلمون وعرفنا تشعباتهم الإقليمية والدولية وتدخلهم في الشأن الداخلي ومن ضمنه الشأن الداخلي الإماراتي واتضح أن موقفنا الصلب والواضح كان دقيقا في تحليله متقدما في تنفيذه وبينما اعتقد بعض الإخوة بداية أن حساسياتنا تجاه تجار الدين مفرطة أثبت سير الأحداث لهم أن موقفنا وصراحتنا تجاه هذا الخطر كان في محله". وأضاف "أن قضايا ومشاكل المنطقة بإمكانها أن تستهلك جهد سياستنا الخارجية بأكمله فلا تبقى لنا طاقة نستثمرها مع عالم أوسع وأرحب وجهد نوجهه لقضايا أصبحت مهمة ورئيسية في التطور الإنساني والعالمي ومثل هذا السيناريو يمثل تحديا لأية سياسة خارجية عربية تنشغل بقضايا المنطقة برغم خطورتها وأحيانا صغائر مناوراتها ولا تترك جهدا وطاقة لإدارة علاقات أخرى متشعبة ومعنية بالاقتصاد والتنمية والموارد البرية والنهوض الاجتماعي". من جهة أخرى، أشار قرقاش إلى الدراسات التي تقارن بين حال بلد عربي وكوريا الجنوبية وكيف تساوت المؤشرات بين البلدين في بداية الخمسينات لتتفاوت في يومنا هذا وكأننا نتحدث عن عالمين مختلفين، مؤكدا أهمية التوجه نحو تعميق علاقات الإمارات مع آسيا ودول الاقتصادات النامية. ولفت في هذا السياق إلى أن أهم 16 سفارة في تصنيف وزارة الخارجية جاءت خمس سفارات منها في دول آسيا وأوقيانوسيا (الهند والصين وكوريا الجنوبية وأستراليا"، موضحا أنه من المتوقع أن تتفوق الصين على الولاياتالمتحدة بحلول العام 2017 كأكبر مساهم في الناتج المحلي العالمي. وقال "رغم نجاحنا في تطوير علاقاتنا مع هذه الدول والشرق بوجه عام وبصورة تميزنا عن محيطنا الخليجي والعربي إلا أن السقف ما يزال متواضعا مقارنة بالآفاق المتاحة". وأشار في هذا الصدد إلى أن شركاء الإمارات في بيع النفط كان أغلبهم من الدول الآسيوية وأن 45 في المائة من تجارة الإمارات الخارجية هي مع الدول الآسيوية غير العربية، موضحا أن "تلك الدول ما زالت ملامح قوتها في اقتصادياتها ولكن من الطبيعي أن تتطور هذه القدرات الاقتصادية لتشمل نفوذا سياسيا وأن يصل تأثيره إلى منطقتنا شيئا فشيئا". وأعرب عن قناعته بضرورة تعزيز مصالح الإمارات مع الشرق الصاعد، وأنه يجب أن يواكب ذلك آلية عملية قابلة للتنفيذ ويحول تلك القناعات إلى خطط قابلة للتطبيق، وقال "علينا كحكومة وكسياسة خارجية أن نعزز توجهات عضوية نراها في العلاقات الثنائية وقد سبقنا إليها أحيانا القطاع الخاص وندرك ذلك وندرك معه أن الحكومات تستطيع أن تعزز الأبعاد الاستراتيجية للعلاقات بطريقة لا يستطيع القطاع الخاص أن يقوم بها وضرب على ذلك مثالا في تطوير العلاقات الاستراتيجية مع أسترالياوبريطانيا وفرنسا. وقال إن "المناطق المجاورة إن كانت آسيا الوسطى أم إفريقيا تحمل كذلك في نموها الحالي فرصا عديدة للإمارات، وعلينا أن نعزز هذه العلاقات ونطورها فإفريقيا على سبيل المثال تضم 7 من 10 اقتصادات أكثر نموا عالميا، حيث شهدت استثماراتنا الطبيعية تغيرا خلال الفترة الماضية"، موضحا أن "غينيا خير نموذج على ذلك إضافة إلى استثماراتنا في الموانئ والطاقة المتجددة". وأضاف أن "النظام الدولي متبدل متحول وغير مستقر ولا يسعنا إلا أن نقرأ هذه التحولات بدقة وحرص فالعالم الذي ترك قطبيته الثنائية أكثر تعقيدا اليوم وصورته المركبة ستبقى ملامحها غامضة إلى حين، كما أن التحولات في مشهد الطاقة وخاصة في الولاياتالمتحدة أحد المؤثرات التي علينا متابعتها، آخذين بعين الاعتبار احتمال أن تتفوق الولاياتالمتحدة على السعودية في إنتاج النفط بحلول 2020"، موضحا أن "مثل هذه التحولات تحمل في أتونها آثارا عميقة على أسعار النفط ودخل دول النفط وانعكاسات كبيرة محتملة حول توازنات النظم الإقليمية والدولية بل حتى على أولويات سياستنا الخارجية". وأشار قرقاش إلى التطور الكبير الذي شهدته علاقة الإمارات مع واشنطن في السنوات الماضية نتيجة لتوجه استراتيجي ومتابعة وتواصل عزز هذه العلاقة المحورية بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية. وقال "إننا في عالم بعيد عن القطبية الأحادية ما زالت واشنطن الأقدر على ممارسة النفوذ على الصعيد السياسي والاستراتيجي رغم المنافسة الحادة على الصعيد الاقتصادي وأراها متربعة على كرسي التأثير السياسي والعسكري في المدى المنظور، وكما أن التحول في الاقتصاد والإيديولوجيا يحل معه بذور تحول سياسي في النظام السياسي الدولي فعلينا كذلك أن نرى التحول في طبيعة القضايا السياسية التي أمامنا". وقال "خلال حديث مع دبلوماسي إماراتي مخضرم ذكر لي تغير القضايا التي تعنى بها وزارة الخارجية اليوم مقارنة بوتيرة عمله في بداية الثمانينيات فمع أن الموضوع السياسي التقليدي ما زال يشغلنا ومعه قضايا المنظمات والقانون الدولي والعديد من المتابعات التي تتعلق بالجاليات العديدة على أرض الإمارات لذا فالعمل اتسع أفقيا ليشمل تنوعا لم يكن يخطر على البال، جزء من هذا التحول يعود إلى المشهد الدولي وجزء تعدو أسبابه إلى تشعب مصالح الإمارات وتصاعد موقعها الدولي". وأضاف أن "جزءا كبيرا من عمل وزارة الخارجية هو متابعة مصالح الإمارات الاقتصادية ورعاية مصالحها الاستثمارية ويقودنا ذلك إلى متابعات في غينيا كونكري إلى أنغولا وإلى فنزويلا وبيرو إضافة إلى مواقع اهتمامنا التقليدية كمصر والهند وباكستان وأوروبا". وأشار إلى وجود 44 اتفاقية حماية وضمان استثمار و74 اتفاقية منع الازدواج الضريبي، وأن هذه الاستثمارات عززت استثمارات بلاده الخارجية ووفرت على الشركات والهيئات الوطنية (الإماراتية) مبالغ كبيرة، ويعني ذلك حرصا على قطاع الاتصالات والتنقيب وصناعة الطيران التي جعلت من البلاد محورا للتواصل بين الشرق والغرب. وقال "عبر توجيهات مباشرة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عززت وزارة الخارجية من اهتمامها التقليدي برعاية مصالح مواطني الدولة وهم في الخارج ومن خلال أدائها في هذا الجانب ميزت سياستنا الخارجية نفسها ولم تبق حبيسة الأبراج العاجية للمسائل الدبلوماسية الكبرى، وفعلت الشعار الذي رفعه صاحب السمو رئيس الدولة أن المواطن أولا وثانيا وثالثا، كما اهتمت الوزارة بموضوع التأشيرات إلى بريطانيا وشنغن ومتابعة أحوال المواطنين خلال الطوارئ والحوادث والكوارث". وأضاف "من هذه المواضيع التي أصبحت تحتل حيزا بارزا في عملنا العديد من الملفات التخصصية ومنها مواضيع تسعى دولة الإمارات إلى تطوير أدائها وتشمل في ما تشمل ملفات الطاقة النووية والطاقة المتجددة والدبلوماسية العامة وحقوق الإنسان"، وأوضح أن للنجاح والتفوق مسؤولياته ما يضاعف حجم العمل حول هذه المسائل والمواضيع. وأكد أن "بناء القدرات في هذه الجوانب يعزز من تواصل الدولة مع العالم في قضايا بناءة محط اهتمام المجتمع الدولي وتحجز لنا مقعدا في الاهتمام الدولي والإنساني وهو ما ذكرته سابقا بضرورة ألا نتقوقع في محيطنا ولسان حالنا أن ظروف المنطقة وأزماتها تفرض مثل هذا التراجع والانغلاق"، مشددا على أن "قدراتنا على الانخراط في هذه الملفات المهمة كما أنه يعزز مسيرتنا التنموية فإنه يعطينا السبق والريادة في توجهات سياستنا الخارجية". وقال "بينما تتحدث العديد من دول المنطقة نظريا حول الطاقة النووية والطاقة المتجددة تجدنا نعمل عبرها ومن خلال تفاصيلها ولنا رأينا في المحافل والاجتماعات الدولية فالريادة تأتي من الممارسة ووزن الدولة وموقعها يتعزز من خلال هذه التوجهات"، مشيرا إلى أن "الدولة لديها 9 اتفاقيات تعاون ثنائي نووي سلمي وهي أحدى الدول المؤسسة لمبادرة حظر الانتشار في 2010". وفي ما يتعلق بالدبلوماسية العامة قال الوزير إن "الربيع العربي وخاصة تحكم الإسلام السياسي ببعض مراحله أوجد تحالفا غريبا خلط بين قيم أراد الغرب أن يدفع بها وانتهازية أرادت أحزاب الإسلام السياسي والحزبي أن تستغلها"، موضحا أن "المرحلة ومخاضها شهد هجوما يستهدف الإمارات وسجلها وقد أدركنا أن شبكتنا الدبلوماسية عليها أن تبني قدراتها في هذا الجانب أمام هجوم حزبي يؤلب ضد الإمارات لأنها تحمل راية الاستقرار والاعتدال وتبني الأساس لتجربة عربية حداثية ومتطورة .. وفي مقاربتنا لا ندعي الكمال فبرغم أننا قطعنا أشواطا إلا أنه أمامنا أشواط عديدة أخرى نسعى للعمل على قطعها وهو المنطق الذي أكسبنا احترام دول العالم خلال استعراض سجلنا في ملف حقوق الإنسان في جنيف ومن خلال هذا التوجه العملي العاقل قررنا أن نتواصل ونشرح وجهة نظر وتوجه الإمارات وصعوبة تضاريس المنطقة في هذه المرحلة". ورأى الدكتور قرقاش أن "على دبلوماسيينا مسؤولية ما يعرف بالدبلوماسية العامة أي الترويج لإنجازات وطنهم وقيم مجتمعهم كل يوم من أيام السنة وذلك من خلال سلوكهم وعملهم وتواصلهم بمحيطهم وترويجهم لقيم الإمارات وإنجازاتها". وختم الوزير محاضرته بالتذكير بوعورة الطريق الذي سلكته الإمارات منذ نشأتها، وأضاف أنه رغم قلَة الخبرة وصعوبة المحيط "استطاع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أن يعبر تحديات الاستقلال والاستقرار والتنمية بنجاح واليوم نرى هذه الخطوات الواثقة في سياسات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ومهمتنا أن ندرك أن بعض المشكلات تبقى إدارتها ضمن رادار انتباهنا وتبرز ملفات جديدة وفرص علينا اقتناصها واستغلالها".