بدأ المغرب يجني ثمار ورش حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، الذي فتحه منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، وعززته مقتضيات دستور 2011 إذ مكنت الإصلاحات والإنجازات المتراكمة من انتزاع اعتراف أممي ودولي بأن المغرب عازم على إرساء قواعد الدولة الديمقراطية. بفضل الورش اللامتناهي لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، سجل المغرب، خلال سنة 2013، نقطا مهمة في ميدان حقوق ألإنسان، تجلت من خلال عضويته في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واختياره لاحتضان الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، كاعتراف بالتجربة الحقوقية بالمغرب والأشواط التي قطعها. ولعبت الدينامية، التي عرفها المغرب أواسط التسعينيات من القرن الماضي، وتسارعت وتيرتها منذ عام 2000، تاريخ بداية الانفراج في العلاقة بين أطراف الحقل السياسي، وصولا إلى دسترة الحقوق في وثيقة فاتح يوليوز 2013، مرورا بهدم المعتقلات السرية والإفراج عن المعتقلين وعودة المنفيين، دورا مهما في جعل التجربة المغربية نموذجا للمرحلة الانتقالية المتناسقة والعصرية، وفي الحصول على علامة ثقة استثنائية، انتخب المغرب على أساسها لعضوية العديد من الهيئات الأممية (عضو داخل مجلس حقوق الإنسان للمرة الثانية على التوالي، بعد انتخابها سنة 2011 في لجنة الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب، وبمجلس المنظمة البحرية الدولية، وبالمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو). كما كان لمصداقية التجربة المغربية دور مهم في اختيار المغرب لاحتضان المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، إذ ينتظر أن يشد البلد، في السنة المقبلة، أنظار العالم، وستتوافد عليه العديد من المنظمات والهيئات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، سواء تلك التابعة للأمم المتحدة ، أو للحكومات أو للمجتمع المدني، من مختلف القارات (قد يصل العدد إلى 10 آلاف مشارك) للمشاركة في النسخة الثانية من المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، ليصبح المغرب" كعبة" العالم الحقوقي. ثمار إصرار المغرب على الاستمرار في ورش النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، تجلت أيضا في اعتراف ورضى البرلمان الأوربي، الذي أشاد في العديد من النصوص الصادرة خلال السنة الماضية عن المؤسسة التشريعية الأوروبية، بالمغرب وسياسته المعتدلة واستجابته الإيجابية، والتزامه، الذي لا رجعة فيه، ببناء دولة القانون والديمقراطية، بعد أن كان منحه وضعا متقدما سنة 2011. وتتجلى قوة التجربة المغربية في العديد من العناصر، تمثل أهمها في إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تروم القضاء على الفقر، ومسلسل الجهوية الموسعة، وبلورة نصوص وأرضيات في مجال حقوق الإنسان، من قبيل خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومؤسسة الوسيط والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، والهيئة من أجل المساواة ومكافحة جميع أشكال التمييز، والهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، فضلا عن النهج الاستباقي لسياسة الهجرة، التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، والتي تكرس الالتزام بقضايا المهاجرين اللاجئين. كما شد المغرب الأنظار خلال سنة 2013 في المجال الحقوقي، إذ حظيت هيئات المجتمع المدني الحقوقي باعتراف أممي في مجال مكافحة الإفلات من العقاب والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة وحرية التعبير، وتوجت خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بجائزة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان لسنة 2013، كأول امرأة إفريقية و في العالم العربي، والثانية في الدول الإسلامية، التي تفوز بهذه الجائزة، التي تمنح مرة كل خمس سنوات. في الوجه الآخر للصورة، لم تخل سنة 2013 من بعض السحب في سماء المجال الحقوقي، التي كان من أبرزها ما سجلته الحركة الحقوقية من "استمرار التضييق على الحق في التظاهر والاحتجاج السلميين، والاستعمال المفرط للقوة ضد عدد من الحركات الاحتجاجية الاجتماعية السلمية المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحق في التشغيل، ومواصلة قمع الحقوق والحريات النقابية، وغياب قانون تنظيمي ينظم ممارسة الحق في الإضراب، وعدم إقرار قانون ديمقراطي للصحافة، يقطع مع العقوبات السالبة للحرية". أما التحديات المطروحة أمام ورش النهوض بحقوق الإنسان مستقبلا، التي عبدت لها الطريق الإنجازات المحققة خلال 2013، فتوجزها الجمعيات الحقوقية في الاحتفاظ بالصورة التي تكونت دوليا عن ورش إصلاح والنهوض بحقوق الإنسان، ثم في إصدار القوانين التنظيمية للنصوص المتعلقة بمجالات لها علاقة بحقوق الإنسان، التي نص عليها الدستور، فضلا عن توسيع الممارسة الاتفاقية للمغرب، من خلال تفعيل مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، وملاءمة القوانين الداخلية مع التشريعات الدولية في مجال حقوق الإنسان. كما تتجلى التحديات في مراجعة بعض القوانين، التي مازالت تشكل أسئلة لدى العديد من الدول، كقانون الإرهاب، والاعترافات داخل مخافر الشرطة.