بإعلانها تعليق اعترافها ب"الجمهورية الصحراوية" المزعومة، ودعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، تكون حكومة بنما قد عملت على تصحيح خطأ تاريخي، ارتكب إبان حقبة الدكتاتورية العسكرية واختارت بالتالي العودة إلى صف الشرعية الدولية المناهضة لقيام "كيان وهمي"، تحكمه شرذمة من الانفصاليين لهم ارتباطات أكيدة مع عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية، التي تهدد منطقة الساحل والصحراء. وكانت حكومة الرئيس ريكاردو مارتينيلي، الرئيس الأكثر شعبية في تاريخ بنما، واضحة في موقفها من تعليق الاعتراف ب"الكيان الوهمي"، حينما عزت قرارها السيادي في بلاغ رسمي لوزارة الخارجية إلى أن "هذا الكيان لا يتوفر على المقومات الأساسية المشكلة لدولة ذات سيادة تماشيا مع مبادئ القانون الدولي". واعتبرت حكومة بنما أنه "بمقتضى مبادئ القانون الدولي ولكي يمكن لجماعة بشرية أن تأمل في تشكيل دولة ذات سيادة تتمتع باعتراف مجموعة الدول، يتعين بالضرورة أن تتوفر على المقومات الأساسية، التي تضمن وجودها، ويتعلق الأمر بالأرض والشعب والحكومة والاستقلال"، موضحة أن "هذه العناصر غير مجتمعة لتأسيس الكيان الوهمي". وبكلمات غير ملتبسة ولا تقبل التأويل، أوضح رئيس الدبلوماسية البنمية فيرناندو نونيث فابريغا، أن قرار تعليق الاعتراف بالجمهورية المزعومة يهدف إلى إصلاح "خطأ" ارتكب في السبعينيات على عهد الديكتاتورية العسكرية للجنرال عمر طوريخوس، مشيرا إلى أن الحكومة اتخذت قرارها "بعد دراسة متأنية، علما أن الاعتراف بهذا الكيان الوهمي تم من قبل ديكتاتورية عسكرية لا شرعية شعبية لها، وأن الأمر يتعلق بخطأ وجب إصلاحه". وحمل نونيث الجزائر المسؤولية المباشرة في استمرار نزاع الصحراء، مؤكدا أن هذا المشكل ليس قضية بين المغرب و"انفصاليي البوليساريو" وإنما بين المملكة المغربية والجزائر. وأمام وجاهة المقترح المغربي لمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا موسعا في إطار السيادة المغربية، لم يجد وزير الخارجية البنمي بدا من ضم صوته إلى أصوات المجموعة الدولية التي أشادت غير ما مرة بهذه المبادرة الحكيمة، مبرزا أن الأطراف المعنية مدعوة إلى بحث المبادرة وفق "مقاربة جدية، واقعية وبراغماتية" باعتبارها "مرتكزا ذا مصداقية وقابلا للتطبيق". وبعد أن ذكر بأن مسؤولي الانفصاليين يتنقلون بجوازات سفر دبلوماسية جزائرية، أكد الوزير البنمي أن من مصلحة البلدان المعنية أن "يعم الاستقرار بهذه المنطقة التي تواجه مخاطر الإرهاب والتهريب بمختلف أنواعه، وأن يتم إطلاق مفاوضات جدية لإيجاد حل متوافق عليه" لهذا المشكل الذي يعيق الاندماج المغاربي. ولعل موقف رئيس الدبلوماسية البنمية نابع من معرفته الدقيقة بأهمية الاندماج الإقليمي لتحقيق الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي، بالنظر إلى المسار المتقدم لنظام التكامل بأمريكا الوسطى (سيكا)، الذي تعتبر بنما أحد الفاعلين الأساسيين فيه، كما استفادت من ثماره من أجل بث دينامية اقتصادية، ترتكز على إصلاحات بنيوية عززت الاستقرار السياسي، فيما مايزال الاندماج المغاربي متعثرا وحبيس الحسابات الضيقة لحكام الجزائر. ويفتح موقف حكومة بنما مع النزاع بالصحراء الباب لإعطاء العلاقات بين البلدين دفعا جديدا يتجاوز الحدود الجغرافية لإرساء شراكة حقيقية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبلدين رائدين إقليميا، ويتطلعان إلى دور أكبر في مشهد دولي متحرك. وبالفعل، انعكس الموقف الرسمي للحكومة البنمية إيجابا على العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة، إذ حظي الوفد المغربي المشارك في المؤتمر الخامس للبلدان الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد برئاسة وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، محمد مبديع، بلقاء مع رئيس جمهورية بنما، ريكاردو مارتينيلي، حيث أكدا على استعداد الجانبين لتطوير العلاقات الثنائية في المجالات ذات الاهتمام المشترك. أما على مستوى العلاقات الدبلوماسية الموازية، فقد التقى وفد برلماني مغربي بالنائب الأول لرئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) ببنما، أبراهام مارتينيز، حيث استعرض الطرفان الآفاق الواعدة للعلاقات بين الجانبين بالنظر إلى وجود "إمكانات تعاون هائلة لتطوير علاقات منفتحة ومتينة ومفيدة بالنسبة للبلدين والشعبين"، مبرزا أن"هذه اللحظة تاريخية في العلاقات بين المؤسستين التشريعيتين ستتعزز بإنشاء مجموعة الصداقة في البرلمانين". وبدوره، أعلن وزير خارجية بنما عن عزمه القيام بزيارة للمغرب خلال الربع الأول من السنة المقبلة، من أجل تدشين سفارة بلاده في الرباط، وإجراء مباحثات مع المسؤولين المغاربة حول التعاون الثنائي، خاصة في مجالي الفلاحة والنقل البحري. ويستخلص من التطورات الأخيرة في ملف العلاقات بين بنما والمملكة المغربية، أن الجانبين، سواء تعلق الأمر بالحكومة أو بممثلي الشعب، عازمان على المضي قدما في تطوير علاقات قوامها الاحترام المتبادل والتعاون المثمر عبر بلورة مشاريع ذات اهتمام مشترك والانخراط في تنسيق دبلوماسي وثيق حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية خاصة تلك المتعلقة بمكافحة الإرهاب.(و م ع)