من مدينة النخيل أطل، وبين دروبها ترعرع، تنفس عبق الإبداع فوق الركح من النكتة المراكشية. عزيز على القلب بابتسامته المرسومة على وجهه المحبوب، مبدع موهوب، يحترمه كل فناني جيله، له مكانة متميزة في قلوب الجمهور، فنان أعطى بقلبه وحبه ووجدانه كل ما يملك من أجل الرقي بالمسرح. الفنان المسرحي المغربي عزيز موهوب إنه الفنان المقتدر عزيز موهوب، الذي وقف على خشبة المسرح أزيد من نصف قرن، عقود كلها عطاء متواصل وإخلاص في الأداء، وتميز في الأدوار. فنان يحترم نفسه بشكل كبير ويحظى باحترام الجميع، نشأ يتيما وتكفل خاله بعد رحيل والديه بتربيته إلى جانب إخوته الثلاثة. بالمدينة الحمراء سطع نجمه، شاب عشق الفن بجنون، وأحب المسرح بشكل هستيري، وجذب طيلة مسيرته الفنية جمهورا واسعا، يتتبع أعماله بشغف. في حوار مع "المغربية"، فتح عزيز موهوب قلبه، وبرزانته المعروفة، تحدث عن أهم المحطات التي طبعت حياته الفنية وجعلت منه نجما متميزا له ثقله الإبداعي في الساحة الفنية المغربية. ما هو جديدك الفني؟ انتهيت من تصوير مشاهدي في فيلم تلفزيوني يحمل عنوان "باب التوبة". وأنا من نفذ إنتاج الفيلم الذي سيعرض على القناة الأولى. على مستوى المسرح، انتهينا من جولة فنية بأوروبا بمسرحية "هذا أنت"، كما سنفتتح الموسم المسرحي الجديد بمسرحية لم نحدد اسمها بعد، لفرقة المسرح الوطني، ومن تأليف الحاج محمد الجم، وسنبدأ مرحلة التمرين مطلع السنة المقبلة. على مستوى التلفزيون، لدي مشروع للمشاركة في عمل تلفزيوني. يلاحظ أنك غبت أخيرا عن الجمهور، ما السبب وراء هذا الغياب؟ في الحقيقة، لم أقدم أي عمل في التلفزيون، لكنني لست غائبا في المسرح، لأن أوقاتي كلها مرهونة بالركح. قمنا بعدة جولات بالمغرب وأوروبا، وأمريكا وتحديدا بنيويورك، وآخر جولة قمنا بها كانت بإسبانيا. بين المسرح والتلفزيون والسينما، أي المجالات أقرب إلى قلبك؟ المجال الأقرب إلى قلبي هو الذي أبدع فيه. فالمسرح فضاء أتلذذ فوق خشبته وله طعم مميز. والتلفزيون مجال أدخله إلى بيوت المشاهد، لذلك أجد نفسي ملزما على أن أبدع وأنجز عملا متماسكا ومتقونا على المستوى التقني والأداء من أجل إرضاء المشاهد. في التلفزيون نبدع حسب الإمكانيات المتوفرة، وعندما ننتهي من التصوير والمونتاج والمكساج ونعجب بالعمل أشعر بفرحة عارمة. أما السينما فلها سحر خاص. كيف جاء عشقك للفن؟ أمارس مهنة التمثيل منذ 55 سنة. عشقت الفن منذ الصغر، بعدها التحقت بفرقة الهواة بمراكش، قدمت داخلها أعمالا كثيرة. ترعرعت يتيم الأبوين وتكفل خالي بتربيتي أنا وإخوتي الثلاثة. لما أكملت ربيعي الثامن عشر، التحقت بمدرسة التمثيل بالرباط، ودرست ثلاث سنوات، حينها اكتشفت أنني لم أكن أمارس التمثيل بالشكل الاحترافي، وأعتبر سنة 1958 محطة مهمة في مساري الفني، إذ أحسست حينها أنني دخلت ميدان الاحتراف. من هم الفنانون الذين درست بجانبهم؟ هم كثيرون، أبرزهم فاطمة بنمزيان، والراحل محمد الحبشي، وعبد الله العمراني، وعبد الرحيم إسحاق، وغيرهم من الوجوه الفنية التي تقاسمنا في ما بيننا لحظات جميلة طبعها الاحترام المتبادل والعطاء المتواصل. ألم تتخوف من احتراف التمثيل كمهنة في ذلك الوقت؟ إطلاقا، لأن الدافع كان هو الطموح، منذ طفولتي وأنا أعشق التمثيل. ولما التحقت بمدرسة التمثيل بالرباط، اكتشفت أنني لم أكن أمارس التمثيل بجدية لأنني درست قواعد التمثيل وفهمت معنى أن أمثل. وتخرجت سنة 1961. متى كانت أول إطلالة لك أمام الجمهور؟ كان ذلك من خلال مسرحية "لمعلم عزوز"، كنت حينها طالبا في السنة الثانية. أحسست أنني فعلا فنان محترف، رغم أنني لم أكمل دراستي، فوقوفي إلى جانب فنانين متميزين جعلني أشعر بالفخر. "لمعلم عزوز" أول دور ربطني بالجمهور. أديت الدور بطموح واستعداد ذهني وصحي، وقدمت كل ما في جعبتي في هذا الدور. أتذكر أننا قدمنا المسرحية بالدارالبيضاء وأنا فوق خشبة المسرح بدأ الجمهور يردد "أعد أعد..." كلمة لم نتعودها إلا لدى المطربين. تأكدت حينها أن العمل لقي إقبالا من قبل الجمهور. حققت المسرحية نجاحا خارقا وأعتبرها مفتاح دخولي مجال الاحتراف الرسمي. هل ترى أن الساحة الفنية المغربية بخير؟ على مستوى المسرح، ومقارنة مع السابق، ألاحظ أن الحركة المسرحية نشاطها ضعيف، لأنه في ستينيات القرن الماضي، وفي ظل غياب التلفزيون، كان المسرح يشهد إشراقا واسعا وإقبالا كبيرا. كنا نقوم بجولة للمسرحية مدة شهرين ودائما ما تنفد التذاكر في المدن التي نحل بها، قبل عرض المسرحية. بالفعل كان الإقبال واسعا. أجمل فرجة هي التي نعيشها فوق خشبة المسرح. حاليا يشاهد الجمهور دعاية المسرحية في التلفزيون ولا يذهب للمسرح منتظرا عرضها على الشاشة. أمام 500 قناة تلفزيونية لم يعد الجمهور يرغب في الذهاب إلى المسرح. وبالتالي لم تعد لدينا لذة الفرجة. لولا دعم وزارة الثقافة لانقطع المسرح وأصبح في خبر كان. في ما يتعلق بالتلفزيون، نجد أن هناك رواجا، ورغم الركود التي تشهده حاليا إلا أن الجمهور يتابع فقراته آملا في مشاهدة برامج جديدة. المطلوب من التلفزيون الزيادة في الإبداع كي لا نلجأ إلى قنوات أخرى. بالنسبة للسينما، ألاحظ أنها تسترجع عافيتها ولمعانها. في السنوات الأخيرة، هناك ترميم بعض القاعات السينمائية وأفلام تجلب الجمهور. هل تتذكر أول أجر تلقيته؟ ضاحكا، لو أنني دخلت مجال التمثيل من أجل المال لغادرته منذ زمن، لكن حبي للميدان الإبداعي جعلني لا أهتم يوما بالماديات. وأنا في فرقة الأمل للهواة بمراكش، أتذكر أنني في مسرحية "شيطان الشيخوخة" التي أخرجها الأستاذ حسن الجندي سنة 1957، لم أتمكن من تسديد مستحقات الفرقة، لكن تقديم عمل مسرحي متكامل وإدخال الفرجة إلى قلوب الجمهور جعلني أتجاوز الماديات. الجميل في تلك الفترة أننا كنا نمارس المسرح ليس بهدف المال، وهذا ما جعلنا نستمر إلى اليوم، كنا نساهم بالمسرح وكأننا مناضلون ومقاومون. أول مسرحية جمعتني بالفنان عبد الله العمراني تحمل عنوان "الفتاة المفقودة" احتجنا فيها إلى الديكور والملابس لأن القصة كانت تاريخية، حينها تكفل عبد الله العمراني بالديكور إذ باع دراجته الهوائية وبعت أنا القمح والشعير لنوفر لوازم الديكور والملابس، لأننا كنا على موعد مع الجمهور ولم نكن نرضى أن نتأخر عن الموعد، وتمكنا من تقديم المسرحية في الوقت المحدد إرضاء للجمهور. هل تندم على احترافك التمثيل؟ إطلاقا. أشعر أنني أديت رسالة فنية. حياتي لم تذهب سدى لأنني مارست ميدانا مفيدا وأديت مهمة كبيرة للجمهور. ماذا تمثل لك الجوائز؟ أعتبرها مهمة في حياة كل فنان، لأنها نوع من الاعتراف من الجهة التي تكفلت بتسليمها. الجوائز هي اعتراف بالمجهود والعطاء وتحفز على الإبداع أكثر. ما هي أهم الأعمال التي قدمتها للجمهور؟ أعتقد أن 55 سنة من العطاء في الميدان الفني يصعب اختزالها في أسطر. أعمالي هي تاريخ طويل من المراحل الإبداعية. بالنسبة لتجاربي قبل تأسيس فرقة المعمورة أذكر منها "لمعلم عزوز"، وطبيب بالرغم منه" و"البلغة المسحورة" التي قمنا بها بجولة سنة 1961 بفرسنا ونلنا الجائزة الثانية ومن العرب المشاركين كان المغرب ولبنان. وداخل فرقة المعمورة، من سنة 1965 إلى 1974، طيلة هذه السنوات والفرقة مستمرة في عروضها المسرحية المتمثلة في 3 مسرحيات في السنة دون تخلف وشاركت في جميعها. وداخل فرقة المسرح الوطني أول مسرحية أسسنا بها الفرقة كانت من اقتباسي وتحمل عنوان "حفيد مبروك"، بعدها شاركت في العديد من المسرحيات أغلبها من تأليف الحاج محمد الجم، لأنه يكتب حسب عناصر الفرقة. على مستوى التلفزيون، شاركت به في عدة أعمال أبرزها، "أوراق على الرصيف"، و" عينك ميزانك"، و"شجرة الزاوية"، و"الساس"، و"عودة منصور"، و"خط الرجعة".... بعيدا عن الفن، كيف يعيش الفنان عزيز موهوب؟ أنا أب لتوفيق الذي يعيش معي، ولديه ابن اسمه علي، ولدي ابنة مريم متزوجة ولها ثلاثة أبناء وتعيش في الولاياتالمتحدةالأمريكية. أنا جد لأربعة أحفاد، وأحمد الله أنني أديت رسالتي الأبوية على أحسن وجه كما أنني أديت رسالتي الفنية بنجاح. كيف هي علاقتك بالمطبخ؟ باتفاق مع زوجتي ممنوع علي دخول باب المطبخ إلا في حالة واحدة وهي من أجل تحضير السمك لأنني أتقنه حسب رأيها. ماذا عن الرياضة؟ لا أمارسها لكنني أمشي من حين لآخر.