تعد قارة إفريقيا من أكثر قارات العالم بعد أمريكا تعرضاً للظلم والتهميش، فقد وقعت شعوبها منذ القرن السادس عشر فريسة القراصنة الغربيين الذين كانوا يغيرون على سواحل القارة ويتوغلون في أراضيها ويأسرون كل من يقع في قبضتهم.. من ثمة يبيعون هؤلاء الأسرى كعبيد في ذلك السوق الواسع الذي انفتح في قارة أمريكا، ومن ثمة تزايد طمع دول أوروبا الغربية بإفريقيا وكاد هذا الطمع أن يؤدي إلى اشتعال حرب بينها، لكنها بادرت إلى عقد مؤتمر برلين عام 1884، الذي تم فيه اقتسام قارة إفريقيا في ما بينها دون أخذ رأي الشعوب الإفريقية، وقد ترك الاستعمار ندوباً بارزة في الجسد الإفريقي. فقد تم تمزيق شعوب القارة، بطريقة ترضي الدول المستعمرة ولا ترضي تلك الشعوب، ما أدى إلى حدوث حروب أهلية كثيرة ما تزال مستمرة حتى الآن في العديد من الدول الإفريقية، كما عجزت الحكومات الوطنية الإفريقية عن تحقيق التنمية المستدامة بسبب تلك الحروب والنزاعات التي لا تكاد تنتهي، والتي يؤججها باستمرار التدخلات الغربية في شؤون تلك الدول. ولم يكن المغرب بعيداً يوماً عن هموم ومشاكل القارة السمراء، فالعلاقات التي تربطه بشعوب إفريقيا تعود إلى قرون طويلة سابقة، وكان له دور كبير في نشر الإسلام في ما كان يسمى "السودان الغربي"، الذي يشكل اليوم دول غرب إفريقيا. وفي العصر الحالي، أقام المغرب علاقات صداقة وتعاون مع مجمل دول هذه القارة في مختلف الميادين، بالإضافة إلى قطاعات أساسية تشكل محور هذا التعاون كالتجارة والصيد والنقل والزراعة والصحة، وقد انعكست اهتمامات المغرب بإفريقيا على أرض الواقع منذ السنوات الأولى لاستقلاله عام 1956، إذ قام سنة 1960 بتنظيم مؤتمر الدارالبيضاء تحت رعاية المغفور له الملك محمد الخامس، الذي شارك فيه أهم الزعماء الأفارقة، وكان مخصصاً لتعميق الصلات واستمرارها بين الشعب المغربي والشعوب الإفريقية. وحمل المغرب على عاتقه مهمة الدفاع عن شعوب القارة في المحافل الدولية، كي تنال استقلالها الكامل عن المستعمر الأوروبي. وكانت مواقفه معروفة في تأييد قيام منظمة الوحدة الإفريقية عام 1962. وعملت الحكومة المغربية على تعزيز التعاون مع الدول المستقلة في إفريقيا، واعتمدت مبدأ "تعاون جنوب- جنوب" لمواجهة التحديات وتحقيق التنمية المطلوبة لشعوب القارة من عرب وأفارقة. وأصبح التعاون "جنوب جنوب" محورا رئيسيا في سياسة المغرب الخارجية التي انتهجت مختلف السبل لتقوية هذا التعاون على المستوى الإقليمي، وكان من نتائج ذلك اشتراك المغرب عام 2001 في تجمع دول الساحل والصحراء. وقد عبر المغرب عن التزامه بالتعاون مع دول الجنوب، وذلك على أعلى المستويات. ويتجلى هذا الالتزام من خلال مواقف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي ما لبث، منذ اعتلائه العرش، ينادي ويدعو إلى تضامن فعال بين المغرب ودول إفريقيا. وهكذا، قام جلالته بزيارات إلى العديد من دول إفريقيا، وقد صاحب مختلف هذه الزيارات والجولات الملكية زخم حقيقي على مستوى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، وترتب على ذلك عقد الكثير من الاتفاقيات في مجالات التنمية الاقتصادية والتقنية والاجتماعية والثقافية والبشرية، والتعاون في مجالات محاربة الفقر والتنمية الزراعية والصيد البحري والتعليم والصحة والتكوين والمياه وتكنولوجيا الإعلام والمال والقطاع المصرفي. وكان لهذه الزيارات الملكية الإفريقية أثر كبير في زيادة الاستثمارات وحجم المبادلات التجارية بين المغرب والبلدان الإفريقية، كما أقدم المغرب على اتخاذ سلسلة من المبادرات الحقيقية في مجال المساعدة المالية. وقد قرر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، خلال المؤتمر الإفريقي -الأوروبي سنة 2000، إلغاء مجموع ديون المغرب تجاه الدول الإفريقية الأقل نموا وإعفاء أهم سلعهم المصدرة من الرسوم الجمركية. وقد نتج عن هذا الإجراء ارتفاع صادرات هذه الدول نحو المغرب. وعلى الصعيد الدولي، لم يترك المغرب أي فرصة للمطالبة بدعم قضية التنمية في بلدان الجنوب. وهكذا، فقد أكد أثناء رئاسته للمجموعة 77 زائد الصين، على التزامه بالتعاون مع دول الجنوب، خاصة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء. وفي هذا الاتجاه فقد وضعت المملكة المغربية مختلف التجارب والخبرات التي راكمتها في كافة المجالات تحت تصرف الدول الإفريقية ولم تتوانَ عن الوقوف إلى جانب هذه الدول وتقديم المساعدات لها كلما اقتضت الظروف ذلك. ومن منطلق دوره في استتباب السلم والأمن في القارة الإفريقية، بادر المغرب إلى إرسال تعزيزات عسكرية ضمن الوحدات الأممية لمساعدة البلدان الإفريقية على استتباب الأمن والاستقرار، على غرار دوره المهم في إرساء علمية السلام في جمهورية مالي، ويردّد المسؤولون المغاربة أن الجنوب والجنوب الشرقي هما مصدران أساسيّان للمخاوف، لاسيما بخصوص الهجرة غير الشرعية وانتشار التطرف الإسلامي، الذي يقض مضاجع مختلف دول إفريقيا، خصوصاً ما يسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي ينشط بقوة في مناطق الصحراء الكبرى. إن إيمان المغرب بالتعاون مع الدول الإفريقية هو صمام أمان لمستقبل القارة كلها، فالتعاون وحده يكفل إنهاء مختلف العقبات والصعاب التي تعترض سبيل نهوض إفريقيا. وهو وحده القادر على بعث الأمل في هذه القارة من جديد. *كاتب من الإمارات [email protected]