بمناسبة عرض فيلمه الطويل "يوم وليلة" بالقاعات السينمائية، منذ 16 أكتوبر الجاري، وخوضه تجربة إخراج أول فيلم سينمائي طويل، اعتبر المخرج المغربي نوفل البراوي، الانتقال من إخراج الأفلام القصيرة إلى إخراج الأفلام الطويلة يمثل تحديا كبيرا لما يحمله من ضغوط، يمكن إجمالها في الإمكانات المادية الكبيرة التي يتطلبها هذا النوع من الأعمال بالمقارنة مع الأشرطة القصيرة. المخرج المغربي نوفل البراوي قال نوفل، في حوار خص ل "المغربية"، عقب العرض ما قبل الأول لشريطه أخيرا، بسينما "الريف" بالدارالبيضاء، إن تجربة الأفلام القصيرة بمثابة بطاقة تعريف للمخرج، إذ من خلالها يسهل علية خوض تجربة الفيلم الطويل. وبخصوص اختياره للمرأة الأمازيغية بطلة للفيلم، أكد البراوي أن الضرورة الدرامية جعلته يبحث عن نموذج يكرس البعد والاختلاف الجغرافي والثقافي بين المدينة والقرية، وهو ما توفر في المرأة الجبلية بالخصوص، لما يفرضه وسطها المعيشي من تحديات تجعلها ذات شخصية قوية يغلب عليها طابع الصبر والكفاح، كما اعتبر البراوي أن المكون الأمازيغي مكون أساسي في المجتمع المغربي ورافد من روافد الثقافة المغربية. ما الذي يمكن أن تقوله عن فيلمك الجديد "يوم وليلة"؟ هو عبارة عن شريط روائي طويل يحكي قصة سيدة أمازيغية، لم يسبق لها أن غادرت قريتها قط، لكنها ستذهب إلى الدارالبيضاء مضطرة، بحثا عن زوجها، الذي نسي إرسال الدواء الخاص بابنتهما، ظنا منها أن العاصمة الاقتصادية ما هي إلا فضاء أوسع بقليل من قريتها، لكن بمجرد وصولها ستتوه وسط زحمة هذه المدينة ورحابتها، حيث تتقاذفها الأقدار من مكان لآخر، لتصادف نماذج بشرية مختلفة، تتوزع بين الطبقات الراقية والدونية، وسط إصرار منها على عدم التراجع وإنقاذ حياة ابنتها مهما كلفها الأمر. ما السر وراء اختيارك للمرأة الأمازيغية بطلة للفيلم؟ ليست هناك دوافع محددة وراء اختياري للمرأة الامازيغية، لكن هذا لا ينفي ضرورة إدراجها في مثل هذه الأعمال، فرغم أنني لست أمازيغيا، إلا أنني أرى أن المكون الأمازيغي مكون أساسي في المجتمع المغربي، ورافد من روافد الثقافة المغربية. من جهة أخرى، فإن الضرورة الدرامية جعلتني أبحث عن نموذج يكرس البعد والاختلاف الجغرافي والثقافي بين المدينة والقرية، وهو ما توفر في المرأة الجبلية بالخصوص، نظرا لما يفرضه وسطها المعيشي من تحديات تجعلها ذات شخصية قوية يغلب عليها طابع الصبر والكفاح. كيف ترى تزامن العرض ما قبل الأول لفيلمك (يوم وليلة) مع افتتاح المهرجان الوطني للمرأة المغربية؟ كما يقول المثل "رب صدفة خير من ألف ميعاد"، لقد علمت بتزامن هذا العرض مع ذكرى وضع مدونة المرأة المغربية قبل قدومي للقاعة ببضع ساعات فقط، وبالتالي فهي صدفة طيبة على اعتبار أن الفيلم يعالج قضية نسائية، ومن ثمة فهو احتفاء بالسيدات المغربيات وبجهودهن وعطائهن في مختلف المجالات. ألا تعتقد أن فوز الفيلم ببعض الجوائز يضمن نجاحه جماهيريا؟ حسب اعتقادي لا علاقة بين الإقبال الجماهيري ومشاركة الأفلام في المهرجانات، وبالتالي حصدها للجوائز، لأن هذه الأخيرة تمنح بناء على معايير عملية محددة بشكل مسبق، بعيدة كل البعد عن رواج الشريط، ترتبط بالأساس بكيفية التصوير وجودة الصوت، وغيرها من الأمور التقنية، لكن هذا لا ينفي عزمي إدراجه في بعض المهرجانات إذا أتيحت لي الفرصة. مع العلم أنه سبق وحاز إحدى الجوائز عقب إدراجه في المهرجان الذي احتضنته جنيف، كما أن عرضه في محافل أخرى سيخول لي اتصالا مباشرا مع المهتمين بالمجال السينمائي، وفرصة لمناقشته رفقة نقاد سينمائيين قد يضيفون لي الكثير، دون إغفال عرضه في القاعات بهدف التواصل مع المشاهد المغربي الذي سيبقى له الحكم الأول والأخير على نجاح الفيلم أو فشله. هذه تجربتك الأولى في إخراج فيلم روائي طويل بعد سلسلة من الأفلام القصيرة، كيف وجدت الانتقال من الشريط القصير إلى الطويل؟ هذه التجربة رائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سبق واشتغلت على العديد من الأشرطة القصيرة، وفي المسرح والتلفزيون، لذلك أعتبر تجربة الشريط الطويل تحديا أكبر بما يحمله من ضغوط أقوى، يمكن إجمالها في الإمكانات المادية الكبيرة التي يتطلبها هذا النوع من الأعمال بالمقارنة مع الأشرطة القصيرة، كما أنه يحمل في طياته تحديات كبرى تفوق تحديات الأعمال البسيطة، التي غالبا ما تكون بوابة لرسم بدايات مخرج ما، كما أن الأحكام المترتبة عن صدور أي عمل طويل تكون مبنية على كون صاحبه محترفا غير قابل للوقوع في أخطاء المبتدئين. ألا يمثل ربط الأشرطة القصيرة بالمخرجين المبتدئين ظلما لهذا النوع من الأفلام؟ من الطبيعي وجود أفلام قصيرة متميزة، وأنا أفتخر بتجربتي في هذا النوع من الأعمال، مع العلم أن الأشرطة القصيرة مكنتني من حصد جوائز مختلفة، كما أنني جلت بها دولا أجنبية وعربية عديدة، بل الأكثر من هذا وجود مخرجين عالميين أخرجوا أفلاما قصيرة بعد أفلام طويلة ناجحة، وعادوا في فترات متفرقة بأعمال قصيرة مازالت خالدة في ذاكرة المشاهدين إلى يومنا هذا. لكن في المجمل أو ظاهريا فالعمل على أشرطة قصيرة غالبا ما يرتبط بشباب في طور التكوين، يرسمون خطواتهم الأولى في عالم الفن، لذا يكونون أكثر إقبالا على هذا النوع، الذي يمكنهم من إغناء تجاربهم، وبالتالي التحول صوب الأعمال المطولة. إذن أنت تعتقد أن الفيلم القصير هو جسر للوصول للفيلم الطويل؟ تماما فهو بمثابة بطاقة تعريفية عن المخرج، إذ من خلاله يخلق التميز، وبالتالي يصبح من السهل إقناع الشركات المنتجة للأعمال السينمائية بتمويل أعمال طويلة. يتحول نجاح الفيلم القصير إلى ضمانة تذر العديد من الفوائد على المخرجين إن هم أرادوا خوض تجربة الفيلم الطويل، إلا أن فكرة التخلي عن الأول من أجل الثاني تبقى نادرة بشكل كبير، فحتى كبار الروائيين لطالما هجروا الرواية لعيون القصة القصيرة، إذا ما كانت أبلغ وأروع، الأمر نفسه ينطبق على سينمائيين كبار اتخذوا الفيلم القصير ملاذا كلما تعلق الأمر بمناسبة خاصة، فتارة نجد أفلاما تحسيسية بخصوص بعض الأوبئة والأمراض، وتارة أخرى نجد أفلاما قصيرة تعالج قضايا ثقافية، وأخرى إنسانية وهكذا دواليك. سبق وذكرت المسرح في حديثك، أين هو اليوم من هذه الثورة الحاصلة على مستوى الفن؟ للأسف حضوره أصبح باهتا وبشكل كبير، في ظل غياب سياسة ثقافية واضحة، وشبه انعدام الإنسان المثقف، فالكتاب اليوم لا يقرأ، مطبوعات الشعر أصبحت معدودة على رؤوس الأصابع، هناك هجران للرواية والقصة القصيرة وغيرها من مكامن الثقافة، ما يحز في نفس المثقف المغربي، وفي نفوسنا نحن المبدعين. وهنا أود أن أشدد على ضرورة تضافر الجهود للنهوض بهذا المجال الحساس الذي يمس جميع جوانب الحياة الإنسانية، فنحن اليوم أحوج إلى إرادة سياسية حقيقية تشجع العمل الثقافي والفني، عوض التغاضي عن هذا الأمر وفسح المجال أمام الثقافات دخيلة من قبيل الثقافة التركية والمكسيكية، وغيرها من مظاهر الاستعمار الثقافي التي أصبحت تعيشها شاشاتنا التلفزية.