اختتم، مساء الجمعة الماضي، المؤتمر الرابع لمنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة، الذي احتضنته الرباط بين 1 و4 أكتوبر الجاري تحت شعار "لنتصور مجتمع الغد..لنبني الديمقراطية"، بإعادة انتخاب قادر توباس، عمدة اسطنبول، على رأس هذه المنظمة (كرتوش) وذلك لولاية ثانية تمتد من 2013 إلى 2016، وانتخاب فتح الله ولعلو، عمدة الرباط، أمينا لمالية المنظمة، واختيار بوغوتا، عاصمة كولومبيا، لاحتضان المؤتمر الخامس للمنظمة سنة 2016. كما خلص المؤتمر إلى الإعلان عن مجموعة من التوصيات تضمنها "إعلان الرباط". وأعلن المشاركون في المؤتمر التزامهم بمواصلة التعبئة للحفاظ على القيم التي توحد المنظمة العالمية للمدن والحكومات المحلية المتحدة، وعزمهم على العمل من أجل إحراز تقدم في بلورة أجندة مدن وجهات القرن الحادي والعشرين. ودعا المشاركون، من خلال "إعلان الرباط"، إلى جعل السلام والتنمية ضمن الأولويات في عملهم، والمساهمة في إعطاء نفس جديد للديمقراطية، انطلاقا من المستوى المحلي و إشراك الشباب في تنمية مدنه ومجالاته الترابية. ووجه عمداء وممثلو المدن والحكومات المحلية والإقليمية العالمية نداء من أجل عالم يعمه السلم، مؤكدين على أن القيم المؤسسة للسلم والحوار والتفاهم بين الشعوب، والتعاون بين الجماعات المحلية، تشكل دوما قضايا راهنة، معربين عن انشغالاتهم حيال الأزمات والنزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، التي تعرفها مناطق عدة من العالم، والمخاطر، التي تهدد الكرة الأرضية بفعل التغيرات المناخية، وعدم استقرار الأمن الغذائي، والخصاص في السكن، والفقر والإقصاء الاجتماعي، وهي كلها عوامل تعيق القدرة على تصور المستقبل وبناء الديمقراطية. وأعتبر المشاركون أن التنوع، في مختلف أبعاده، مكسب للمجتمعات ومصدر ابتكار، مشيرين إلى أن "الأزمة العالمية مازالت تلقي بثقلها على المجتمعات بشكل متفاوت، وأن الجماعات المحلية، في مناطق عدة، وخاصة في أوروبا، وإن لم تكن مصدرا لهذه الأزمة، فهي معرضة مباشرة لانعكاسات التقشف، التي تؤثر مباشرة في ولوج الشرائح الأكثر هشاشة للخدمات الأساسية وللتشغيل والسكن، ما يؤدي بها إلى الإقصاء والتهميش". ودعا "إعلان الرباط" إلى تضافر الجهود بمعية كافة شبكات السلطات المحلية وعموم الشركاء، خاصة الأممالمتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، للنهوض بالسلم في العالم، وتحديد أجندة دولية، تمكن من تجاوز حالة الضعف، التي تحول دون استفادة نصف سكان المعمور من شروط الحياة الكريمة. من جهة ثانية، دعا عمداء وممثلو المدن والحكومات المحلية والإقليمية العالمية إلى اعتماد أجندة عالمية واحدة للتنمية المستدامة لما بعد سنة 2015، تضم أهداف القضاء على الفقر المدقع، وتساهم في تحسين ظروف الحياة والتنمية المستدامة، مشددين على أن تقليص الفوارق، وتشجيع الانسجام والتماسك الترابي، والنهوض بالحكامة من خلال الديمقراطية المحلية، تعد مقومات أساسية لهذه الأجندة، ويجب أن يشكل الحق في المدينة والشمولية والمساواة والولوج للخدمات الأساسية وفي العمل والسكن اللائقين والثقافة واحترام البيئة، مكونات أساسية لضمان مستقبل مستدام للجميع. وأكد " إعلان الرباط" على ضرورة أن "تشمل الأجندة الجديدة الأهداف الخاصة للتنمية الحضرية المستدامة، مشددا على أن نجاح أجندة التنمية لما بعد سنة 2015 ينطلق من التقدم في تحقيق مجالية أهدافها ومراميها ومؤشراتها، وتوفير الوسائل الضرورية لتطبيقها". وأشار الإعلان إلى "حرص والتزام السلطات المحلية والجهوية العالمية المشاركة في المؤتمر على العمل من أجل النهوض بهذه الحركة، التي تتطلع إلى المائة سنة المقبلة، والتي يتعين الشروع فيها من الآن على مستوى أزقة ودروب مدننا وقرانا". في السياق ذاته، قال امحند العنصر، وزير الداخلية، في اختتام أشغال المؤتمر، إن "القمة العالمية للسلطات المحلية والجهوية شكلت حافزا قويا للمنتخبين المحليين بالمغرب، للاستفادة من التجارب الرائدة في مجال اللامركزية، والاستراتيجيات الناجحة في تدبير الشأن المحلي". وأضاف أن هذه القمة شكلت، أيضا، فرصة لتعميق التفكير الجدي والحوار البناء، وتبادل الخبرات، بهدف تقديم اقتراحات وتوصيات عملية لمواجهة تفاقم ظواهر التهميش والفقر والهشاشة، التي تعتبر من التحديات الآنية الكبرى للمدن والحكومات الجهوية والمحلية، مبرزا أن هذه التحديات تستوجب الشراكة، وفق نظرة شمولية، وترجمة توصيات المؤتمر على أرض الواقع. وأعرب العنصر عن "اعتزاز الجماعات الترابية المغربية بانخراطها في منظمة المدن والحكومات المحلية، وتطلعها لأن يكون هذا المؤتمر حلقة جديدة في مسار دعم علاقات المودة والتضامن مع الجماعات الترابية لمختلف القارات"، منوها بالدور الطلائعي لمنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة، من أجل تطوير مدن وحواضر العالم. من جهته، قال باسكال كنفان، الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية الفرنسي المكلف بالتنمية، إن "استضافة إفريقيا لهذا الحدث البارز، من خلال المغرب، يعد مؤشرا إيجابيا جدا"، داعيا المدن والسلطات المحلية والجهوية إلى إعداد أجندة مشتركة من أجل إيجاد حلول من شأنها أن ترقى بتحسين بجاذبية المدن. واستحضر الوزير الفرنسي، في كلمته، الدور الريادي الذي للجنود المغاربة في تحرير جزيرة كورسيكا في الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أن "فرنسا تعترف بكل ما قام به هؤلاء الجنود البواسل". ودعا فتح الله ولعلو عمدة مدينة الرباط، إلى بلورة حوار ثلاثي الأطراف، تمثل فيه الأممالمتحدة دول العالم، والحكومات دولها، والمدن والجهات والحكومات المحلية، معربا عن أمله في جعل المدن أكثر تنافسية وإنسانية وانفتاحا وتقدما، تستوعب حاجيات سكانها وتحقق تطلعاتهم. كما دعا الدول الأوروبية بصفة إلى بذل مزيد من الجهود لتطوير الحكامة العالمية، ومد يد العون لتعزيز اللامركزية في الدول السائرة في هذا المسار، معتبرا أن تعزيز الاستقرار والنماء والازدهار والوصول إلى رؤية مشتركة لتدبير رهانات المستقبل في ضفتي المتوسط، مرتبطة بإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية. وأوضح ولعلو أن إفريقيا استضافت العالم في الرباط من خلال هذه القمة، مبرزا أن هذه القارة تعتبر قارة المستقبل، لما تعرفه اقتصاداتها من حركية، ولما تعرفه مدنها من توسع حضري متسارع.