صدر أخيرا ديوان شعري للشاعرة الشابة والرقيقة، فاطمة حاسي، الذي عنونته "كنت قصيدتي التي لم تكتمل"، في طبعة راقية من 90 صفحة، ويحمل غلافها لوحة للفنان يونس الحسيني تجسد وردة بألوان الفرح. الشاعرة المغربية الصاعدة فاطمة حاسي هي "زمردة ندى"، كما يلقبها أصدقاؤها وصديقاتها، شاعرة "المدينة الحمراء"، تحلم بالحب وبالإنسانية، وتنبض بالمشاعر الراقية النبيلة.. لذا تستمد تجربتها الشعرية من الحياة، كما من المعاناة وهموم الإنسان وقضاياه المتباينة، فتتجسد حديثا وجدانيا ينبع من نفس وفكر صاحبتها. تدعونا فاطمة، في هذه التجربة، باقتها الشعرية الأولى، لمشاركتها متعة التصورات التي تصوغها شعرا يتفجر أحاسيس. وسخرت الحرف ليكون ترجمة حقيقية لكل هذه الأحاسيس التي خالجتها عبر سنوات، وما زالت تخالجها، وأبت إلا أن تكون موثقة في ديوان تهديه إلى كل من "تسكنه" مثل هذه المشاعر، ومن يحس مثل هذا النبض. مجموعة نصوص من حوالي 36 قصيدة يتجاذبها الحنين والحب والعتاب واللوعة، دون إغفال الإحساس تجاه الوطن، وقضاياه الموجعة حيث قصيدة "هنا الوطن" تصرخ بآلام الفقراء، وتبكي لكرامة الإنسان المهدورة، وللأرواح المسافرة في قوارب بلا جوازات...فيما تستنهض "العروبة الممزقة ووجعها" صمت الأموات.. تقول فاطمة "آه أيتها العروبة الممزقة ..على جدران قلوب مفرقة.. اغتالك الصمت.. ذبحك وهم الموت.. لتشيع جنازتك في غير الوقت...". الشوق، الغياب، الموت... تيمات لم تنل من بهجة القصائد وروحها المفعمة بالحياة، رغم التمرد والجنون الذي يدفع إليه الشعر. وإذ تتغنى "زمردة الندى" بالعشق، "أنا ضيفة الليالي الشاردة... يوشوش لي المساء... بسهرة صاخبة صحبة الأرق.."، يقف القارئ على التلقائية التي تطبع أشعارها في بحثها عن مسحة تفاؤل أو فرح. هي نصوص بنفس قصير، لكن عميق، فهي كلمات تبوح بكل ما لديها من معاني مطرزة بلغة شعرية تراقص جراح الزمن، ووجع الإنسان. اللوحات الشعرية للشاعرة فاطمة حاسي يتوزعها، في الغالب، اللوعة والحزن، فيما يظل الأمل في غد أبهى حاضرا بقوة، ليجعل من هذه اللوحات وحدة متماسكة في معناها ومبناها. ويأخذ الحس الإنساني كل بعده حين تتحدث الشاعرة في "ابتسامة رحيل" عن تلك الصديقة الراحلة "فاطمة"، تخاطب روحها من وراء الثرى لتبوح باشتياقها لها ولمرحها... وتبثها حزنها على فراقها. تتخلل القصائد شذرات قصيرة جاءت كترويح عن النفس الشاعرية وهي تنفث لواعج الحب وهواجسه، وتتفاعل مع الواقع اليومي للإنسان. وتبقى القصيدة (المجموعة)، التي إن كانت لم تكتمل لدى زمردة ندى، "ثمرة علاقة مكتملة بين الحرف والمعنى "متمردة أحيانا وهادئة أحيانا"، كما تصفها الشاعرة نفسها. لذا قدمها الشاعر والناقد الموريتاني، ولد متالي لمرابط بن أحمد، على أنها "مجموعة تغني فيها الشاعرة لحن الرحيل، وطيف الذكريات، وسحر الطبيعة، وهواجس الحب ونسيم اللهفة والصبابة، وإيقاعات الخيانة والفراق، كما تحلم بغد أبهى، وتداعب روح البسطاء وهموم الواقع اليومي المرير، وتكتب للإنسان والقضية والوجود، بلغة شعرية مفعمة بالتكثيف والإيحاء حينا، والوضوح والمباشرة حينا آخر..." لكنها بالنسبة إلى الشاعرة "الفرحة الأولى، التي باكتمالها أشرقت ابتسامات الروح..."