كانت الساعة حوالي الواحدة بعد الظهر عندما وصلنا إلى حديقة "لارميطاج"، وسط الدارالبيضاء. كانت أشعة الشمس في أوجهها، وبلوغ المكان المراد لم يكن سهلا، لطول الطريق وشدة الازدحام عند ملتقى شارعي عبد المومن وأنوال، بسبب ضيق الطريق التي تتوسطها سكة الترامواي. مباشرة بعد ولوج البوابة الرئيسية للحديقة، تظهر أوراق الأشجار فوق الرصيف وقد مزجت ببعض الأزبال التي تنبعث منها رائحة نتنة رغم وجود الحاويات المخصصة لهذا الغرض، يطغى اللون الأخضر على قضبان الحديد التي تشكل ستارا حاميا لهذا المتنفس من بعض المتشردين، الذين يقبلون عليها من أجل المبيت أو تناول المخدرات. رغم قتامة الصورة خارج أسوار الحديقة، إلا أنه عند دخول البوابة على اليسار يتراءى لك فضاء صغير مخصص للأطفال وأشجار خضراء على أشكال هندسية يتعالاها النخل والصفصاف باعثا ظلا وراحة في نفوس الفارين من شدة الحر. أعداد الزوار لا بأس بها وهم من مختلف الفئات العمرية، خصوصا أن العطلة ما تزال مستمرة، والناس يقبلون على مثل هذه الفضاءات القليلة في العاصمة الاقتصادية. شُيد منتزه "لارميطاج" بين سنتي 1917 و1927 بمساحة بلغت زهاء 17 هكتارا على يد أحد المهندسين المغمورين "هنري بروست"، حينما كانت تسمى البيضاء بآنفا، وحينما كانت هناك حدائق غناء ومساحات خضراء على غرار الجامعة العربية، الشيء الذي حدا بمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة على رأسها صاحبة السمو الملكي الأميرة لالة حسناء لإدراج حديقة "لارميطاج" في إطار برنامجها "حدائق تاريخية" لتصبح بذلك معلمة تاريخية تحكي ذاكرة وطن. عيون الأطفال المغمورة بسحر الطبيعة و صرخاتهم تضفي الحياة للمكان،في حين جلست أمهاتهم تحت ظل الشجر يفترشن الحصائر، أما الكراسي القليلة فيحتلها شباب و شبات يبدو من طريقة جلوسهم أنهم بصدد تبادل الود والحنان. شاب نحيف، أسمر البشرة، بقبعة رياضية سوداء، يجلس على الأرض منعزلا، قال ل"المغربية" إنه يحمل إجازة في القانون ويبحث عن عمل، موضحا أنه عندما تضيق به السبل يأتي إلى هذه الحديقة ليتأمل الطبيعة. يوجد حوض مائي داخل "لارميطاج" اتخذه الأطفال مسبحا يلطف حرارة الجو. تبدو مياه الحوض متسخة ويمكن أن تشكل خطرا على المستحمين. لم يكن هناك، على الأقل خلال زيارة"المغربية"، حارسا يمنع هؤلاء الصغار على السباحة في حوض غير مؤمن. عند مغادرتنا فضاء لارميطاج تحت أنظار تمثالين لأسدين متقابلين، ظهر فجأة بعض عمال النظافة وهم يجمعون بعض الأزبال المنتشرة أمام بوابة الحديقة.